كريم أمزيان
لم يكن (ب.ك) وزميلته (ز.س) اللذان كانا يشتغلان في الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالقنيطرة، يعتقدان أنهما سيصبحان مجرد زبونين للوكالة ذاتها، بعدما قضيا فيها سنوات عدة، يقدمان الخدمات لزبنائها ويعملان على أداء مهامهما فيها، ويتقاضيان مرتباتهما الشهرية، فضلاً عن استفادتهما من امتيازات كثيرة تقدم لهما من الوكالة ذاتها، قبل أن يصبحا متابعين من قبل قاضي التحقيق بالغرفة الخامسة لدى محكمة الاستئناف بالرباط، باختلاس وتبديد أموال عمومية من المؤسسة ذاتها التي كانا يعملان فيها.
ملف (ب.ك) وزميلته (ز.س)، الذي تفجر في مدينة القنيطرة سنة 2013، لم يكن ملفاً عادياً، فقد ذاع صيته في المدينة كلها، بالنظر إلى مكانة الموظفين بالوكالة والحظوة التي كانا يتميزان بها بين بقية زملائهما، إذ انتشر خبر متابعتهما واعتقال (ز.س) كما تنتشر النار في الهشيم، على اعتبار أنهما كانا معروفين بين فئة في واسعة من سكان المدينة، التي تتشكل أساساً من زبناء الوكالة الذين يترددون عليها على الأقل مرة واحدة كل شهر، وهي الفضيحة التي جعلت المتهمة (ز.س) تختفي عن الأنظار، لمدة طويلة، قبل أن تهتدي العناصر الأمنية إلى مكان وجودها، وتعتقلها في الحين.
ملف إطاري الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالقنيطرة، عمر بالمحكمة حوالي سنتين، قضت منهما المتهمة الرئيسية، أزيد من سنة في سجن سلا، بعد اعتقالها احتياطياً، قبل أن يتم قبول طلب دفاعها القاضي بتمتيعها بالسراح المؤقت، في الملف الذي توبعت فيه من أجل جناية اختلاس أموال عمومية وتبديدها، فيما جرت متابعة المتهم الثاني (ب.ك) ذي الـ 42 سنة، بتهمة جنحة اختلاس أموال عمومية وتبديدها.
الملف الذي انتصبت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمدينة القنيطرة طرفا فيه، عصف بالإطارين المتهمين (ز.س) البالغة من العمر 46 سنة، وهي متزوجة وأم لطفلين، و(ب.ك)، ذي الـ 42 سنة، المتابعين بتهم ثقيلة، قرر قاضي التحقيق، تكييفها وفقاً لما يتضح من خلال قرار الإحالة المتعلق بالملف عدد 13/2623/9.
فالمتهمة (ز.س)، التي كانت متابعة في حالة اعتقال، وقضت حوالي 16 شهراً داخل أسوار السجن، قبل إطلاق سراحها، بعد قبول ملتمس متابعتها بالسراح المؤقت، التحقت، وفق معطيات الملف، بعملها في الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمدينة القنيطرة، سنة 1992 ككاتبة، بالنظر إلى أنها حاصلة فقط على شهادة الباكالوريا، مكلفة بالكتابة في المصلحة القانونية، تستقبل بشكل يومي عدداً من الوثائق من مختلف مصالح الوكالة الأخرى، وتحيلها على رئيسها في العمل، ومن بينها شيكات زبناء تحال عليها من قبل مصلحة المحاسبات، من أجل إخضاعها للإجراءات الواجب اتباعها، والمتعلقة أساساً بالشيكات التي يؤدي بها الزبناء فواتير استهلاك الماء والكهرباء، وواجب الاشتراك والرسوم والماء والتطهير، غير أنه يتم إرجاعها من قبل المؤسسة البنكية بدون أداء، وهو ما يلزم الإطار، التي وجدت نفسها في ما بعد وراء القضبان أزيد من سنة، بإخبار الزبون المعني بالأمر، واتخاذ إجراء فصل تزويد الماء والكهرباء عن بيته أو العقار الذي يتعلق به الأمر، إذا لم يسو صاحبه وضعيته في ظرف 48 ساعة، لتقوم الوكالة في ما بعد بتتبع المسطرة القانونية عبر محاميها. غير أن الموظفة المتهمة كانت لديها رؤية أخرى تختصر هذه الطريق، وتدر عليها، وفق الملف، أرباحاً من حين لآخر، إذ تستغل في ذلك علاقاتها «المتينة» مع عدد من الزبناء الذين يفضلون هم أيضاً، اتباع الصيغة التي تقترحها عليهم (ز.س)، دون ولوج متاهات أخرى، خصوصاً إذا تعلق الأمر بجرهم إلى المحاكم، التي يخشون ولوج ردهاتها، وانتظار إجراءاتها التي تطول بهم، إلى أجل غير مسمى.
إجازة مرضية «فاضحة»
تقول تفاصيل الملف إنه تفجر بعدما ولج موظف مكتب (ز.س) لتعويضها في العمل، بعد تغيبها عنه، إثر إجازة مرضية، فوقف بالصدفة عند مجموعة من الاختلالات، ما جعل الإدارة تجري بحثاً بشأن الموضوع، وتبين لها من خلاله، غياب تطابق بين الوضعية العامة للشيكات الواردة على الوكالة، وتلك التي يجب أن تبت فيها المصلحة القانونية بعد إرجاعها دون أداء، إذ جرت العادة أن ترجع من البنك إلى مكتب الضبط في الوكالة، فتتم إحالتها على المصلحة المحاسباتية، ثم يستلمها القسم القانوني، الذي كانت فيه المتهمة، ليحال في ظرف يومين على الأكثر، على المحامي ليكمل المسطرة القانونية بشأنه. غير أن الموظفة كانت تعمد إلى ربط الاتصال بالزبناء، فتنهي السلسلة عندها، بتسلمها مبالغ مالية منهم دون أي سند قانوني، على أساس أنها سوت وضعيتهم القانونية، ولم يعودوا معنيين بإشعارات الوكالة التي تصلهم من حين لآخر من أجل تسوية وضعيتهم القانونية والمادية إزاء الوكالة، غير أن ذلك كان مجرد خطة، وفق ما أشارت إليه وثائق الملف، من الموظفة، ورطتها في جريمة مالية لم تكن تخطر ببالها أبداً، ولم تكن في حسبانها.
وتبرز وثائق الملف، الذي (حصلت عليه «الأخبار»)، أنه بناء على تقرير متعلق بنتائج افتحاص أجرته مفتشية تابعة للوكالة ذاتها، جرت العادة أن تقوم به نهاية كل سنة، تم العثور في دولاب مكتب (ز.س)، على لائحة شيكات بمبالغ مالية مهمة تعود لزبناء لم يؤدوا مستحقات فواتيرهم، قدمتها الوكالة في 21 غشت 2008. ولما تم الاتصال بالمتهمة لإخبارها بالأمر، وإيجاد إجابة لديها بهذا الشأن، أغلقت هواتفها واختفت عن الأنظار، ما جعل الوكالة تتقدم بشكاية لدى الشرطة القضائية في ولاية أمن القنيطرة، والتي حررت مذكرة بحث وطنية في حق الموظفة. وبعد عملية بحث طويل، جرى اعتقالها ليتبين للمحققين، أثناء إجرائهم البحث التمهيدي معها، وخلال الاستماع إلى الزبناء الذين توجد الشيكات المذكورة في أسمائهم، من بينهم (ن.ح) و(ب.ح) (ف.س) و(ع.ع)، أنها أخذت مبالغ مالية من هؤلاء، نظير تسوية وضعيتهم المالية المتعلقة باستخلاص ذعائر التأخير المترتبة على عدم أدائهم الفواتير الشهرية، التي تبلغ قيمتها أزيد مما تتضمنه الشيكات التي لم ترجعها لأصحابها، وهي الوقائع التي أكدها الزبناء، باعتبارهم شهوداً، أثناء الاستماع إلى تصريحاتهم من قبل الضابطة القضائية، وكذا من قبل قاضي التحقيق في الغرفة الخامسة، خلال كل مراحله، سواء الإعدادي أو التفصيلي، والذي بنت عليه الهيأة القضائية التي يترأسها القاضي محمد كشتيل، وتضم مستشارين آخرين معه، مناقشتها له بتفصيل، واستماعها من جديد إلى إفادات المتهمين ومرافعات دفاعهما، في ما يخص هذا الملف.
وبررت المتهمة أفعالها، بحسب معطيات الملف، الذي (تتوفر «الأخبار» على تفاصيله)، بالنظر إلى قربها من المعنيين بالأمر، وفقاً لما صرحت به كذلك أمام الهيأة القضائية، مؤكدة أنها كانت تضع الشيكات في مكتبها، نافية أن تكون حصلت على تلك المبالغ نقداً، قبل أن تعترف أمام المحكمة، بعد مواجهتها بكل الأدلة والقرائن، بأنها كانت تتصل هاتفياً بكل من رجع شيك باسمه، فتخبره بذلك، وتؤكد له أن بإمكانها تسهيل المسطرة الإدارية أمامه، وتجنيبه إجراءات المحكمة التي قد يحال عليها، وذلك بخصمها جزءاً من المبلغ الإجمالي الواجب أداؤه، والذي يتضاعف كلما تأخر الزبون عن أداء ما بذمته إلى الوكالة، إذ بلغ مجموع ذلك أزيد من 120 ألف درهم، منذ بدأت الموظفة تستعمل دهاءها، بحسب وثائق الملف، وهي التي ولجت المؤسسة سنة 1992 وغادرتها في 2007، في ظروف غامضة، قبل وقوعها في أيدي العدالة.
«الصحراوي» يسقط مدير وكالة..
تبرز مراحل الملف، طيلة حولي سنتين ونصف منذ تفجره إلى حين إصدار حكم بات فيه، أنه بعد إصدار الوكيل العام للملك في المحكمة ذاتها، أمراً للشرطة القضائية باعتقالها، بناء على إفاداتها أثناء البحث التمهيدي معها، من قبل الضابطة القضائية، اتضح أن الموظف (ب.ك)، الذي جرى توظيفه في الوكالة عينها سنة 2006، قبل أن تتم إحالته في ما بعد على ملحقة الوكالة بمدينة المهدية، ضواحي القنيطرة، تسبب هو الآخر في اختفاء 19 شيكاً، على الرغم من أن لا علاقة له بها، إذ إن القابض في المصلحة المحاسباتية، هو الذي يتكلف بالأمر، غير أنه تطاول على مهام غيره، وسوى وضعية زبون متعلقة بشيك ذي قيمة 14 ألف درهم، بشكل غير قانوني، قبل أن يصرح أمام الهيأة القضائية أنه عمل على جمعها حتى تعود الموظفة (ز.س) من إجازتها المرضية، ويمنحها لها بحكم تخصصها في الوكالة، لتكمل المسطرة بشأنها، غير أن توقيعه عليها ورطه، ما جعل تهمة اختلاس أموال عمومية وتبديدها تلتف حول عنقه.
ومن بين المعطيات الأخرى، التي تورط المتهم (ب.ك) الذي توبع في حالة سراح، تلك المتعلقة بوقائع جرت بعد تعيينه رئيساً لملحقة الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالمهدية، مرتبطة بالعلاقة المشبوهة التي كانت تجمعه بمقاول يدعى (ح.ع) ومعروف في المنطقة بـ«الصحراوي»، والذي يشتغل في قطاع العقار، ما يجعله دائم التردد على الوكالة الملحقة، من أجل تزويد شقق العمارات التي يشيدها بالماء وربطها بالكهرباء، إذ اعترف الإطار المتهم بأن المقاول المذكور على صلة جيدة بكل موظفي الملحقة، ولم ينف أنه كان يزوره في مكتبه من حين لآخر، ويأتي لهم بوجبات الغداء بشكل يومي ويمنح قروضاً لكل من رغب فيها، وأنه أخذ منه مبلغاً مالياً قدره 2250 درهما بسبب ضائقة مالية ألمت به، فيما أورد الزبون أنه منح الأخير مبلغاً مالياً قيمته أربعة آلاف درهم، من أجل تيسير أموره في الوكالة، وتسهيل العمليات التي يشوبها تعقيد في غالب الأحيان، على اعتباره أنه زبون قديم للوكالة، وأن بعض الموظفين يعرقلون مسار الإجراءات، منهم موظف يشتغل بالنظام المعلوماتي للوكالة، الذي تعطل وتسبب له في التوقيف، وهو ما سمح للمتهم بتسهيل الإجراءات لزبونه.
قسم جرائم الأموال يحكم بالسجن والغرامة على إطاري الوكالة
ملف (ز.س) و(ب.ك)، الإطارين في «لارديك»، تم تسجيله في غرفة الجنايات الابتدائية بقسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط في 17 شتنبر 2013، وجرى تعيين أولى جلساته في 21 أكتوبر من السنة نفسها، وتم الحسم فيه من قبل الهيأة القضائية في التاسع من شهر نونبر الماضي، والتي أصدرت حكمها فيه، مباشرة بعدما فرغت النيابة العامة وهيئة الدفاع من مرافعتيهما فيه، ومنحت المتهمين فرصة أخيرة للإدلاء بآخر إفاداتهما في الملف والتهم الموجهة إليهما، قبل إدخاله إلى المداولة، إذ حكمت على المتهمة (ز.س) بسنتين اثنتين حبساً نافذاً في حدود سنة واحدة، وموقوفاً في الباقي وغرامة نافذة قدرها 10.000 درهم، وعلى المتهم (ب.ك) بأربعة أشهر حبساً نافذاً وغرامة نافذة قدرها 5000 درهم، وطوت الملف في مرحلته الابتدائية، قبل فتحه من جديد منذ أيام في مرحلته الاستئنافية..