ماريا معلوف
لم يخطئ المراقبون أبدا عندما توقعوا تلك السخونة التي سيحملها مطلع العام 2024 على فصول الانتخابات الرئاسية الأمريكية آخر العام، فالسخونة الانتخابية هي العنوان اليومي المتجدد الذي انطلق مع بدء حملات الترشح للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، الاثنين، في انتخابات يطاردها التميز في كل تفاصيلها، بدءا من كونها تحمل الرقم 60 في التاريخ الأمريكي.
وبالرغم من هذه الأجواء العاصفة في الطقس، وبالرغم من أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستجري في نهاية العام، إلا أن من يتابع الشأن الأمريكي في الداخل يشعر أن الانتخابات لا يفصله عنها سوى أيام قليلة، بل باتت مهمة التنافس بين المرشحين المحتملين أقرب إلى أفلام الإثارة التي تأسر المشاهد لحظة بعد لحظة.
بداية أقول إن سباق الانتخابات يبحث هذه الأيام عن التبرعات مجددا خدمة لحملات المرشحين، دون توقف عند التأثيرات الممكنة على (النزاهة الديمقراطية) في هذه الحالة، أو عن قضية التداخل بين المال والسياسة.
وبدءا من الاثنين رأينا إنفاق مليارات الدولارات على مؤتمرات تعقد في كل أمريكا، تصاحبها نشاطات لا تنتهي، ذلك أنه إلى جانب الـ180 مليون دولار التي يسمح بها القانون للمرشح من أجل إدارة حملته، هناك إنفاق مستقل لـ(لجان العمل التابعة للمؤسسات الاقتصادية) وتسمى (لجان العمل السياسي) ولا حدود لإنفاقها.
ولن تؤثر تلك الأوضاع الاقتصادية – في رأيي- على الداخل الأمريكي، ومن يرى تلك السخونة التي تحملها هذه الانتخابات غير المسبوقة، فسيكون على قناعة مطلقة بأن إجمالي الإنفاق الخاص بها سيزيد حتما على الذي أنفق على انتخابات 2020 وهو 14 مليار دولار، وإلى أن تنتهي الانتخابات لن تكون المحكمة العليا قد حسمت ما يسمى في الانتخابات الأمريكية بـ(أزمة التبرعات) ولن تضع معايير حاسمة لها، إذ إن هذا الأمر يتصادم كثيرا مع قوانين الدستور الحالي للأمة الأمريكية .
وإذا انتقلنا إلى القضايا القانونية للرئيس ترامب، فحتما ستزيد هي الأخرى من سخونة هذا الانتخابات، واللجان السياسية الخاصة بالرجل باتت هي الأخرى بحاجة إلى مبالغ طائلة للإنفاق على الدفاع القانوني عنه، وهي إن استطاعت جمع تلك الأموال من التبرعات للحملة الانتخابية، فإن ذلك قد يصطدم بتوجهات المستشار الخاص الذي عينته وزارة العدل للإشراف على التحقيقات مع ترامب، وإلى الآن لا يمكن معرفة مصير الدعاوى القضائية تجاه الرجل .
ترامب صاحب الأفعال العشوائية في رأي كثير من المراقبين، بات هو (حياة الحزب الجمهوري ويومياته)، وهو بلا شك يملك تأثيرا مذهلا في الشؤون الاقتصادية داخل أمريكا، بسبب ثروته، بالإضافة إلى جاذبيته غير المسبوقة التي تمنحه عناصر لا تتوافر لبقية المرشحين.
وهنا لا بد من التوقف عند توجهات الشركات الأمريكية الكبرى (المؤدلجة) والداعمة لأحد الحزبين، والتي سنرى من خلال نشرها لأرقام التبرعات ذلك التوجه الذي يسير فيه الاقتصاد الأمريكي دعما للسياسات المختلفة ببن الحزبين.
كذلك هناك (سخونة التداعيات الصحية) للرئيس بايدن، والتي ستلقي بظلالها على الانتخابات من هذه اللحظة.
أما إذا تحدثنا عن وجود الكثير من المحفزات لدخول مرشح ثالث للسباق بشكل جدي مستقبلا وليس على شكل ديكور مؤقت، فإن ذلك الأمر لن تكون له تلك (السخونة الانتخابية)، بعدما حسم ترامب الفوز في ولاية أيوا وبات الجمهوري الأقوى، وأما بايدن فلن يكون من مؤثر على احتمالية ترشيح حزبه له سوى وقوع حالة مرضية قوية له، وبالتالي فنظرية (المرشح الثالث) والذي يريد كثيرون أن يكون (حصان طروادة) باتت إرهاصات تلاشيها تكبر يوما بعد يوم.
السخونة الانتخابية باتت تدخل فيها مصطلحات لم يعهدها الناخب الأمريكي، حيث أصبح استحضار الأمور العقائدية وربطها بتوجهات الناخبين ديدن بعض المرشحين.
ويمكنني القول هنا إن سخونة الانتخابات وتعدد المرشحين الذين لا يملكون الحظوظ الانتخابية في المرحلة النهائية، يبقى الهدف منه توحيد الحزب حول مرشح نهائي.
وكانت أطروحات المرشحين الآخرين تهدف من غير تعمد إلى إكمال النواقص التي تحملها السياسات الخاصة بذلك (المرشح النهائي).
السخونة الخارجية هي كذلك تنطلق اليوم من مخاوف كثيرة من وصول ترامب إلى الرئاسة مجددا، فأوروبا على قناعة أنه سيطلب منها إنفاق نسبة تزيد على 2 في المائة من الناتج المحلي على التسليح، كونها في حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا تدرك أن أمريكا باتت تشعر بحرج شديد من البطء في حل أزمتها، ناهيك عن الصين والشرق الأوسط الملتهب، وحتى المهاجرون على الحدود الجنوبية لا يشكون مطلقا في أن فوز ترامب يعني ترحيلهم، والخصوم السياسيون لا ينسون تصريحه بأنه سوف يستخدم سلطاته ضدهم في حال فوزه، وحتى أنصاره باتوا يخشون من أن تنعكس المحاكمات وفصولها التي لا تنتهي على شخصية الرجل خلال شهور الانتخابات، عبر حالات من التوتر والألفاظ الشعبوية التي باتت تغزو أمريكا الجنوبية وأوروبا، ناهيك عن التخوف من السلوكيات غير المنضبطة وربما التصريحات غير المسؤولة لمرشحهم.
نافذة:
سخونة الانتخابات وتعدد المرشحين الذين لا يملكون الحظوظ الانتخابية في المرحلة النهائية يبقى الهدف منه توحيد الحزب حول مرشح نهائي