يونس جنوحي
في مثل هذه الأيام، من شهر نونبر، لكن في سنة 1773، قرر المغاربة والبرتغاليون أن يعودوا أصدقاء بعد حرب انهزم فيها البرتغاليون شر هزيمة.
آخر انتصار مغربي “مُدو” على البرتغال، كان في دورة كأس العالم الأخيرة المقامة في قطر. بكى النجم العالمي “رونالدو”، كما بكى أجداده عندما ركبوا سفنهم ورحلوا عن “مازاگان”.
بحسب الأرشيف البرتغالي، فإن البرتغاليين رحلوا عن المدينة سنة 1769، بعدما حاصرهم المغاربة فيها لأشهر. 75 ألف رجل مغربي، عملهم الوحيد هو تطويق “مازاگان” ومقاومة إغراء الرشاوى التي حاول أغنياء البرتغال منحها لهؤلاء الجنود لكي يسمحوا لهم بمغادرة المدينة برّا. يتحدث المؤرخون البرتغاليون عن إلقاء أكثر من 2000 قنبلة ألقاها الجنود المغاربة فوق رؤوس البرتغاليين، وهو ما جعلهم يسارعون إلى الاستسلام. وعندما غادر البرتغاليون بحرا، كتبوا في مراجعهم يقولون إنهم فضلوا مغادرة “مازاگان” لأن خزينة الدولة عندهم لم تعد تتحمل مصاريف تدبيرهم للمدينة، فقرروا تسليمها للمغاربة! لقد زور الرسميون عندهم التاريخ بمجرد ما جفت قمصانهم من مياه المحيط الأطلسي مباشرة بعد وصولهم إلى لشبونة. ووحدهم المؤرخون أصحاب الضمائر ممن كانت آذانهم لا تزال طرشاء بسبب دوي قنابل الجيش المغربي فوق رؤوسهم، كتبوا الأحداث كما هي. غضبت عليهم “النُخب”، لكنهم ربحوا ضمائرهم في النهاية.
يقول هؤلاء المؤرخون البرتغاليين إنهم مباشرة بعد إعلان استسلامهم رسميا، منحهم السلطان المغربي مهلة ثلاثة أيام لكي يرتبوا أمورهم ويغادروا البلاد. لكنهم بدل البكاء على الحياة التي ألفوها في “مازاگان” وتبخر الحلم البرتغالي بجعلها مقاطعة أو منتجعا سياحيا للبرتغاليين، عمدوا إلى جمع أثاثهم وإحراقه كليا في الساحات العامة، بل إن بعضهم زرعوا قنابل في المنازل التي كانوا يحتلونها لكي تنفجر في وجه المغاربة العائدين إلى مدينتهم المُسترجعة.
ومن مفارقات التاريخ أن البرتغاليين قرروا إعادة الدفء إلى العلاقات مع المغرب أربع سنوات فقط بعد كل هذه الأحداث.
لكي يُظهر البرتغاليون الرسميون حُسن نية تجاه المغرب، جاؤوا في الأسبوع الثاني من نونبر 1773 مُحملين بهدايا ضخمة خلق وصولها الحدث وجاء المغاربة من كل صوب لمشاهدتها. جداريات مغطاة بالأثواب، رفع السلطان بنفسه عنها الستار. وهذه الجداريات كانت عبارة عن ساعات جدارية.
وقد أشار مؤرخون مغاربة مثل ابن زيدان إلى تسجيل المغرب توصله بهذه الساعات الحائطية الضخمة، وجرى توزيعها على البنايات والمساجد، ورُكبت حسب الحسابات الدقيقة، وأشرف عليها فلكيون مغاربة من النوابغ، لكي توضع في المكان المناسب تحت أشعة الشمس، ويسهل قراءة التوقيت من خلال الظل الذي تعكسه فوق اللوحة.
بعث القصر مولاي عبد السلام، أخ السلطان، لكي يمثل الدولة في الاجتماع مع الوفد الرسمي البرتغالي. طُويت الصفحة بقبول الهدايا القيمة، ونُسيت المشاكل السابقة ولم يعد البرتغاليون يفكرون في احتلال أي مدينة مغربية أخرى. وانكب الحاضرون على كتابة بنود الاتفاق التاريخي. ذكّر مولاي عبد السلام نظراءه بأن المغرب كان دائما يحترم الحرية الدينية للبرتغاليين وسيبقى كذلك.
وجرى الاتفاق أيضا على مناصرة المغرب للبرتغال في حالة تعرضها لاعتداء يستهدف سيادتها وأن يقوم البرتغاليون بالمثل مع المغرب.
لا يزال البرتغاليون يحتفظون بنص الاتفاق الذي وقعوه مع المغرب، باللغتين البرتغالية والعربية. وهناك نسخة باللغة العربية في رفوف الخزانة الحسنية بالرباط. لكن الله وحده يعلم مصير تلك الساعات الجدارية التي لا تُقدر بثمن.. هناك ساعات تاريخية لا تزال قائمة في بنايات تاريخية مهمة، لكن القصور المهملة والبنايات التي لم يجر ترميمها، لا شك أنها كانت تضم ساعات مماثلة، ولا يُستبعد أن تكون ضمن الساعات التي أهداها البرتغاليون للمغرب ذات “ساعة” صفو دبلوماسي..