شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

السائق المهني “الرقمي”

 

 

يونس جنوحي

 

الكل يتابع صراع مهنيي النقل مع تطبيقات النقل. حرب مُعلنة، بعد أن بدأت خفية فقط. وقائع تصلح للعرض في قنوات الرعب و”الهروب الماكر”.

غابة مشاكل قطاع النقل في المغرب لا تتحمل أن يشتغل قطاع رقم مواز يحصل على “الگريمة” من الهاتف الذكي، ولا يحتاج السائق سوى الإدلاء برخصة سياقة وسيارة لكي ينضم إلى “عائلة” السائقين الرقميين.

لدينا مشكل عويص في المغرب مع الرقمنة. في أغلب دول العالم، ومنذ ظهور الأنترنت وثورة الاتصالات، ينتقل المهنيون التقليديون إلى العالم الرقمي دون ضجيج يُذكر.

لكن عندما يتعلق الأمر بنا نحن، تدور دائما حرب ضروس بين القدامى والجُدد وتتطاير الأشلاء في كل اتجاه.

في الصحافة مثلا، ويا لسخرية القدر، عندما ظهرت المواقع الإلكترونية، انتقلت صحف الولايات المتحدة إلى النسخة الرقمية دون ضجيج يُذكر، بل وحولت أرشيفها كاملا، والذي يعود إلى سنة 1840 -وهناك صحف بدأت النشر قبل هذا التاريخ- وصار سهلا تصفح الأعداد القديمة “أونلاين” بعد أن كان الأمر يتطلب الانتقال إلى المكتبات الوطنية. وظهرت أيضا صحف رقمية جديدة، أسسها صحافيون أو مستثمرون أوكلوا تسييرها إلى صحافيين فضلوا الانتقال من عالم “الورق” إلى الأنترنت. عند هؤلاء الأقوام، هناك صحافة واحدة، وطرق نشر متعددة.

ماذا وقع عندنا نحن مع بداية ظهور الأنترنت وانتشار الولوج إليها؟ ظهرت المواقع الإلكترونية التي أسسها أناس لا علاقة لهم نهائيا بالصحافة. وبقي الصحافيون المهنيون يتفرجون على ما يقع، واستمروا في إنتاج صحفهم الورقية، دون أن ينفتحوا على عالم الأنترنت. وبدل أن يتوجه صحافيون مهنيون إلى العمل في الجيل الجديد من الصحف، تولى إدارة المواقع الإلكترونية شعب من الهواة الذين لا خبرة لهم في الصحافة. وبدل أن ينشأ نقاش مغربي صحي حول الممارسة المهنية، انقسمت قبيلة الصحافيين إلى “صحافة ورقية” وأخرى “إلكترونية”. تقسيم لا يوجد إلا في دول العالم الثالث.

والمثير فعلا للسخرية أن هناك أناسا لا يزالون يقدمون أنفسهم اليوم على أنهم “صحافيون إلكترونيون”، رغم أنهم يأكلون ويشربون مثلنا ولا يربطهم أي “خيط” بالأنترنت ولا بتيار الكهرباء.

مهنيو النقل يسيرون في نفس الاتجاه الذي سارت إليه الصحافة قبل قرابة عقدين من اليوم. لماذا لا نسمع عن توجه للسائقين المهنيين، الحاصلين على رخص الثقة، إلى العمل في قطاع تطبيقات النقل؟

ألم يخرج نقابيو النقل للشكوى من تعسف أصحاب المأذونيات وفرض الإتاوات وغيرها من المشاكل التي يتخبط فيها القطاع؟

بدل أن تُعلن هذه الحروب في الطرقات، والتي يتضرر منها زبائن اتضح أن أحدهم دبلوماسي، كان حريا أن ينتقل مهنيو النقل، خصوصا الذين يفرض عليهم أرباب مأذونيات النقل شروطا مجحفة، إلى العمل في إطار تطبيق منظم، مع أداء الضرائب للدولة وخلق فضاء جديد يرقى بجودة خدمات النقل.

الممارسات التي تُرتكب ضد سائقي تطبيقات النقل تضر بسمعة النقل العمومي في المغرب، وتُظهر كم يحن بعض من يُسمون مهنيين إلى زمن “شرع اليد”.

ورغم أن المغاربة يلجؤون إلى هواتفهم الذكية ويدفعون مقابل الرحلة بالبطاقة البنكية، إلا أن الشوارع التي يتنقلون بينها، لا تزال تُسير بعقلية “الزطاط” في زمن السيبة. عندما كان التنقل من مكان إلى آخر، يحتاج إلى صاحب هراوة يقرر إما أن يسمح لك بالعبور، أو يُعيدك من حيث أتيت، على طريقة القرن التاسع عشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى