الزلزال لا يمزح مع أحد
لا تدرك بعض المواقع التي تسمى صحفية، للأسف، أنها تقوم بالترهيب والتهويل والتخويف بدل المهمة الأساسية التي يفترض أن تقوم بها وهي الإخبار.
الزلزال أكثر الأشياء جدية ولا يقبل المزاح. واستغلال حدوثه لتسول النقرات والمتصفحين لا يمكن إلا أن يكون نذالة ما بعدها نذالة.
طوال اليومين الماضيين، أصيب الناس خارج المغرب بهلع شديد على عائلاتهم بالحسيمة والناظور والنواحي، لأنهم يعلمون جيدا أن العناية الإلهية وحدها تتكلف بالعباد، لأن الوزراء والحكومة لو اجتمعوا على احتواء الكارثة لن يخرجوا، كما عودونا دائما، إلا بالتوصيات وتشكيل اللجان. وهكذا يصبح الزلزال زلزالين. لا أحد يملك الشجاعة لنزع حذائه الملمع وارتداء حذاء رياضي للنزول إلى الأرض والوقوف على الإجراءات لتجنب وقوع كارثة كما وقع سنة 2004.
تلقى المغاربة إهانة كبيرة بسبب تجاهل الإعلام العمومي لخبر الزلزال، ورأينا كيف أن الإعلام الإسباني تحرك على الفور إلى سبتة المحتلة ونزل إلى الميدان في الوقت الذي واصلت قنوات القطب العمومي نقل الأحداث غير الشيقة للمسلسلات التي لا أحد يعلم متى ستنتهي. ولم يظهر أي أثر للزلزال على شاشة الرباط إلا في نشرة الأخبار.. ليتركوا الإعلام البديل يمارس التأويلات.
لم يقبل مصطفى الخلفي، في رده على الأسئلة بمجلس النواب، أن ينفرد النائب الذي طرح عليه السؤال بخصوص تدابير الحكومة لاحتواء الكارثة التي توقعها الإعلام الإسباني، بـ»الغيرة» الوطنية، ورد الخلفي بأنه هو الآخر لديه غيرة كبيرة على الوطن وأن الحكومة كلها لديها غيرة وقلبها على المواطنين ومعهم. لكن جواب الوزير كان إنشائيا للأسف ويصلح موضوعا لأحد أقسام التعليم الابتدائي، وليس مداخلة لمسؤول يعتبر الناطق الرسمي باسم الحكومة.
الغيرة وحدها لا تكفي، ولو كانت الحكومة تملك ذرة مسؤولية واحدة لاستقال جميع أفرادها احتراما لهذا الشعب الأعزل. إذا كانت لنا حكومة لا تملك إلا أن تغار فهذا مشكل عويص، لأن المطلوب أن تتحرك الحكومة إلى المدن والقرى المهددة ويقف المسؤولون بأنفسهم على التدابير العملية وليس التوصيات فقط.
إننا محظوظون لأن الزلزال ضرب في عرض البحر، ليعطينا على الأقل إنذارا للتحرك. وهكذا نصب الناس الخيام خارج منازلهم، حتى لا تزهق أرواحهم تحت الركام في حال ما إذا قرر الزلزال صلة رحمه مع قلب المدينة من جديد.
الزلزال الأخير كان قويا، لأن أثره وصل إلى أبعد من الحسيمة والناظور بكثير. والحكومة تعاملت مع نتائجه وكأنها تلعب معه مباراة في كرة القدم. الخلفي طوال رده كان يريد التأكيد على أمر واحد فقط، وهو أن الزلزال لم يسجل أي هدف في مرمى الحكومة، لكنه نسي أن الحكومة دورها هو تجنب لعب المباراة مع الزلزال أصلا. لو ضرب بدون سابق إنذار لكانت كارثة حقيقية، لكن بما أن الزلزال بنفسه اختار أن يرسل التحية من بعيد، فإن دور الحكومة هو المسارعة إلى توفير البديل للمواطنين حتى لا تتهدم منازلهم فوق رؤوسهم.
بمجهودات فردية فقط، تمكن الناس على الأقل من قضاء ليلة في الترقب تحت الخيام. وفي الدول التي تحترم مواطنيها، تقوم الجهات المسؤولة بتوفير ساحات واسعة تشرف على نقل الجميع إليها مع ضرورة إفراغ المنازل على الفور، وتشرف أيضا على توزيع المساعدات والإعانات.
تقول بعض وسائل الإعلام إن الزلزال قد يعود ليضرب بقوة في البحر الأبيض المتوسط، وإن هناك احتمالا كبيرا بأن تكون ضربته عنيفة هذه المرة.
وعلى ذكر الزلزال، هناك مفارقة غريبة جدا تستحق فعلا أن نتوقف عندها لبرهة. يظهر أحد الفقهاء في الجزائر، وهو يطمئن الناس أثناء حدوث زلزال خفيف، وبدل أن ينصحهم بالتوجه بانتظام إلى باب المسجد حتى لا يسجد سقفه فوق رؤوسهم، أخذ يردد عبر مكبر الصوت أنهم على الأقل سيحظون بشرف الموت في بيت من بيوت الله. الغريب أنه لم يحاول توجيههم إلى خارج المسجد. هذا هو الفرق بين الدول التي تحتوي الأزمات وتتجنبها، وبيننا نحن الذين ندعو الله كي لا نموت.