شوف تشوف

الرأي

الزر 3

شعرَتْ هبة ببعض الهدوء والثقة، وكأن مشاهدتها لتلك الأنامل رفيعة المستوى، قد مكنتها من استرداد بعض الجمل المفيدة من لغتها الضائعة، كما منحتها القدرة على مواجهة تلك النظرات الجبارة، التي لا تؤمن بالعتق.. نظرَتْ إليه بابتسامة الدلال التي تتقنها عندما تشاء، ثم أردفت قائلة:
ــ قطعة الشوكولاته لك.. خذها أرجوك، هي بطعم زهر البرتقال، أتمنى أن تتذوقها.. ــ سأتذوقها بكل تأكيد، زهر البرتقال إذا امتزج بعطرك، فسوف يجعل الشوكولاته بنكهة السحر لا محالة.. ــ شكرا.. هذا لطف منك.. عادت هبة إلى تبعثرها من جديد وهي تتلعثم في ترديد عبارات إطراء، كانت توقن بعدم جدواها في مثل هذه المواقف، بل إنَّ عباراتٍ من مثل هاته، تجعلها تشعر فقط بتفاهتها، وبأن سرعة البديهة تخونها في مواقفَ انتظرتها مثلما يُنتظرُ الغيثُ في مواسم الحرث. قضَمَ منتصر قضمةً صغيرة، وهو يستمتع بطعم اللحظة التي ضمختها ألوان الشاعرية المغموسة في الظلام، وكم تمنَّتْ هي أن تطول هذه اللحظة، كانت تردد في قرارة نفسها: «لو آخذُ من عمري وأزيد في عمر لحظة لا تقدر عندي بكنوز الأرض.. لو استطعتُ لأفرغت حياتي كلها بين يدي رجلٍ قد جمع كل ما بي من أماني.. ليتَ هذا الممر يصير جسراً نحو أغلى الأمنيات وأجمل البدايات…». ولأن السيد منتصر كان بارعا في صنع الإثارة وفارسا بالسليقة، فقد مد يده نحو ثغرها لكي يقتسم معها قطعة الشوكولاته وقطعة السعادة، التي لا يسعه إلا أن يتمسك بكل تفاصيلها وجزئياتها، وتذوق كل نكهاتها.. بالنسبة لهبة، كل شيء يسير وفق ما اجتهدَ خيالُها في إبداعه، حتى إنها بدأت تُصدق بالفعل أن الآتي سوف يكون أروع مما تتوقع. هذا ما جعلها تغمض عينيها وهي تقترب برشاقة الغصن المائدِ، حينما تدغدغه ريح الصَّبا… تُسعفها أنوثُتها الطاغية، التي بدأت تسرق الأضواء المُغيَّبة في الظلام. فوراً تبادر إلى ذهنها إعلانات الشوكولاته التي تقدمها عارضات الموضة العالمية أو بطلات السينما، كان يستهويها دائما شكل بطلة الإعلان وهي تتغنج أثناء تذوقها لقطعة الشوكولاته، كانت تتأمل كيف تفتح الشفتين ببطء مثلما تتفتح الورود، وكيف تذوب الشوكولاته فوق اللسان ناعمةً نعومة الحرير. لم تَجِدْ هبة أية صعوبة في تقمص دور بطلة الإعلان، لقد تفننت في تذوق الجزء المتبقي من تلك القطعة، أما الحرارة التي كانت تنبعث من دواخلها، فقد كانت كافية لإذابة الشوكولاته قبل حتى أن تتمكن من طعمها، فلم يَتبقَّ شيءٌ عدا أناملهِ التي أصَرَّتْ على إتمام طعم المتعة والاختلاف.. في الواقع ما كان لها أن يتحقق أكثرَ مما يحدث الآن، السيد منتصر ليس شخصا عادياً، فبِغضِّ النظرِ عن مركزه الاجتماعي ووسامته، وحضوره الكاريزمي الساحر، فهو رجلٌ رصينٌ ذو كبرياء وأنفة، وأقصى ما تمَنَّتهُ، كامرأةٍ عنيدةٍ، تهوى تسلق الأعالي وخوض المتاعب، أن تستطيعَ اختراق صمته بكلمة أو كلمتين أمام باب المصعد.. تَشعرُ الآن بنشوةٍ لا تُضاهى، لأنها قلَّصتْ المسافة بينهما قبل أن يدخلا المصعد، الممر كان خطوة أولى، والأكيد أن المصعدَ سوف يكون مسرحاً لمشهدٍ أكثرَ إثارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى