ما وقع لمبديع رئيس بلدية الفقيه بنصالح عندما ترشح لمنصب رئيس لجنة العدل والتشريع بالبرلمان وفاز به يشبه كثيرا ما وقع لذلك الفأر الذي دخل دون أن يدري بارا خاصا بالقطط، وعندما وجد نفسه محاصرا بالقطط من كل جانب أخرج ورقة مالية من جيبه وعلقها على صدر قطة كانت ترقص وسط الحلبة فقالت له “شنو نغني ليك”، فقال لها “غني ليا غناية الزربان على عمرو”.
ولو لم ينزغ الشيطان قلب مبديع ويصور له ذلك المنصب الرفيع والحساس كمنصب سيجعل القضاء يتحرج من استدعائه للمثول أمامه لما انتهى مقتادا من داخل شقته من طرف عناصر الفرقة الوطنية بأمر من النيابة العامة، ولكان ربما استمر في حضور جلسات البرلمان مثل زميله الاستقلالي كريمين رئيس بلدية بوزنيقة الذي دخل الانتخابات ونجح فيها رغم أنه محكوم بالسجن على ذمة ملفات لها علاقة بتبديد المال العام، أو مثل زميله في الحركة الشعبية البرلماني المشهور بهشة بشة مشة الذي يتابع بدوره أمام القضاء بملفات لها علاقة بالمال العام ومع ذلك لديه الوجه لكي يقف في البرلمان ويلقي أمام الملأ خزعبلاته اللغوية.
وهكذا ففي الوقت الذي يحتاج فيه المغرب لمؤسسة البرلمان للدفاع عن مصالحه العليا نجد بعض سكان هذه المؤسسة يسفهون قيمتها ويخربونها من الداخل ويعطون عنها للخارج صورة مخجلة بتصويتهم على شخص تحوم حوله شبهات تبديد المال العام.
ولذلك فقد كان ضروريا تصحيح هذا الخطأ الجسيم بتحريك عجلة القضاء الذي قضى تحت أنظاره ملف مبديع أكثر من سنتين، وذلك بإصدار أمر بإحضاره بعدما استطاب التذرع بالمرض وإرسال الشواهد الطبية والظهور مع ذلك في البرلمان “صح من ظالم”.
هذا الإحضار والتقديم في حالة اعتقال هو أيضا رسالة لكل الوزراء سواء السابقين أو الحاليين مفادها أنه لا أحد منكم فوق المحاسبة، لا المركز ولا السن ولا الظروف الصحية ستشفع لأحدكم إذا ما تورط في المس بالمال العام.
فإلى اليوم تم اعتقال وزيرين سابقين، فبعد محمد زيان وزير حقوق الإنسان الأسبق ها هو مبديع وزير الوظيفة العمومية الأسبق في الطريق.
ونحن لم ننتظر توقيف مبديع من طرف الفرقة الوطنية لكي نكتب عن تجاوزاته، فقد صنعنا ذلك قبل سنوات عندما كان
وزيرا في حكومة بنكيران.
وقد كتبت في هذا العمود عن رئيس بلدية الفقيه بنصالح الذي يمتلك مقاولة للأشغال العمومية تسمى شركة AFRICA TEGE sarl رقمها في السجل التجاري بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء هو 118895، وأوضحت كيف أن محمد مبديع يشغل منصب رئيس هاته الشركة، التي تعمل خصيصا في مجال الصناعة الكهربائية، والمعترف بها من طرف المكتب الوطني للكهرباء، وأن الشرقي جبراني هو المدير العام للشركة.
وفي معرض البحث عن الصفقات العمومية، التي قد تكون الشركة المذكورة حازت عليها بعد استوزار رئيسها، عثرنا في موقع الصفقات العموميةmarchespublics.gov.ma على أن شركة مبديع حازت من المكتب الوطني للماء والكهرباء (فرع الماء) على الصفقة عددAOO 39/DRC/2014 المتعلقة بالتطهير السائل للجماعة القروية الشلالات التابعة لإقليم المحمدية، في الحصة 4 وحصة الخطوط الكهربائية، وذلك بتاريخ 24/11/2014، وهي الصفقة التي تم الإعلان عنها بتاريخ 28/10/2014، بقيمة مقدرة بمبلغ 5.008.854,00 درهما شاملة للرسوم، والتي عرفت تقدم ثلاث شركات فقط للمناقصة من بينها شركة الوزير، التي فازت بالصفقة بعرض قيمته 3.528.247,20 درهما، بمبلغ يقل بأزيد من مليون درهم عن المنافس الثاني.
كما حصلت شركته من المكتب الوطني للماء والكهرباء على رخص (كريمات)؛ الأولى حصل عليها يوم 7 يوليوز 2014، تسمح له بإنجاز دراسات شبكات الكهرباء تحت أرضية، وفي نفس اليوم حصل على “كريمة” ثانية تتعلق بإنجاز دراسات الخطوط الكهربائية، كما حصل على “كريمة” ثالثة يوم 8 أكتوبر 2014، تخص بناء الشبكات الكهربائية.
شركة مبديع هذه كانت قد أثارت ضجة كبيرة بمدينة الفقيه بنصالح، عندما تقدمت مواطنة بدعوى قضائية ضد الوزير. وتثبت وثائق مستخرجة من المحافظة العقارية بالفقيه بنصالح تحت عدد 598597/ف، صادرة بتاريخ 26/11/2014، ملكية شركة باسمAFRICA TEGE sarl للرسم العقاري عدد 23242/10 المتعلق بالملك المتكون من أرض بها محطة للوقود معروفة لدى ساكنة المنطقة باسم “سطاسيون ولد الشاوي”، ودار للسكن في ملكية المشتكية، حسب عقد هبة من والدتها خديجة القنيع وباقي الورثة، ويكشف عقد بيع توثيقي أن صاحبي الشركة المشترية هما محمد مبديع والشرقي جبراني.
طبعا يظل المتهم بريئا حتى تثبت إدانته، وبانتظار ذلك سيكون من الجدي الانكباب على صياغة قانون يمنع المتابعين أمام القضاء بملفات لها علاقة بالمال العام من الترشح للانتخابات سواء كانت بلدية أو برلمانية أو تخص اللجان البرلمانية، لأن قانونا مماثلا سيعفي بلدنا من الحرج الذي يتسبب فيه بعض “قلال النية”.