الريسوني: قطعتُ رأس موظف الضرائب وأرسلتُه إلى حاكم طنجة في سلة فواكه
ترجمة حصرية لمذكرات المغامِرة البريطانية روزيتا فوربس(18)
يونس جنوحي
«لم يكن الأمر صعبا. جيش السلطان مولاي الحسن لم يكن مستعدا للقتال. كان هناك دائما بين الجنود من يقول: إنه يتعين علينا الذهاب إلى المكان الفلاني، احرصوا على أن تكونوا غائبين.
كان لديهم مال وطعام قليل، وفي بعض الأحيان كانوا يبيعوننا ذخيرتهم مقابل قطع نقدية قليلة. وإذا قرر زعيمهم القتال، فإنهم يعودون إلينا ويستعيدون رصاصهم منا بصفقة خاسرة.
في إحدى المرات، ارتدينا ملابس جنود قتلناهم، ووضعنا طرابيشهم الفاسية فوق رؤوسنا، ودخلنا إلى حقول في منطقة المخزن وأحرقنا مساحات شاسعة من أراضي أعدائنا، وأخذنا منهم كل ما له قيمة. وكان الناس يرددون: إنه استبداد مخزني، دعونا لا نتذمر حتى لا يقع لنا ما هو أسوأ.
في هذه الأيام، نعتقل الرجال من المنازل المجاورة لطنجة ونحتجزهم لنطلب الفدية مقابلهم. كل من يضع نفسه ضدي لا يكون في مأمن. وبسبب خوف الناس وتوقيرهم لـ«الشُرفا»، لا أحد يجرؤ على الشكوى أو التذمر.
أخيرا فقط، قام بعض السياسيين الأوربيين في طنجة برفع شكوى إلى السلطان الذي أرسل رسالة إلى حاكم طنجة، عبد الرحمن بن عبد الصادق، يأمره فيها بالقبض عليّ فورا. لقد كتب له السلطان مولاي الحسن قائلا: «إما رأسه أو رأسك». وبدأ سيدي عبد الرحمن يحس بأنه يتقوى بالمخزن ضدي.
القدر مكتوب، لا حاجة أبدا أن يخاف الرجل بخصوص قدره. وإلا فكيف يستطيع الواحد منا أن يعيش؟
كان هناك رجل خارج عن القانون، إلى درجة أن الإسبان أنفسهم لقبوه بـ«الشجاع». اعتقل واحتجز مساجين كثرا، وقتل واغتصب. لكنه في النهاية انتهى مقتولا بخنجر أخيه الذي كان يغار منه. على الأقل مات بسكين نظيف.
أما آخر اسمه «الروغبي» فإنه اعتقل من طرف «محلة» للسلطان مولاي الحسن ووُضع في قفص ضيق صُنع من أعقاب البنادق التي حُجزت لديه، وأخذوه إلى فاس محمولا على ظهر جمل.
تم شنقه بطريقة سيئة إلى أحد الأسوار وبقي معلقا هناك لأيام لكي يراه الناس. والتهمت الأسود ما تبقى منه. كان هذا في المغرب القديم. لقد انتهينا الآن من مثل هذه الترتيبات في العقاب. ما الدافع؟
سيدي عبد الرحمن جرب أمورا كثيرة ضدي. الرجل الحكيم يستعمل كل الطرق والأدوات. لكن أدوات سيدي عبد الرحمن انكسرت بين يديه. لم يستطع حُكم الجبال، ولا السيطرة على قرى السهول المنبسطة، وكلما كان هناك خندق أو شجرة، فإن الريسوني قادر على الاختباء في أمان.
قد يكون هناك صبي يرعى الماعز بين السهول، وإذا رأى جنود المخزن، فإنه يتظاهر كما لو أن ماعز هربت من القطيع ويتبعها راكضا، يصيح ويهش بعصاه عليها لكي تعود، وقد يراه شخص آخر ممدد قرب الوادي، فيضرب حماره ويلوح بيديه إلى الأعلى، ولا أحد يعرف في النهاية إلى أين طار «صقر» منطقة «زينات».
انضم إلي عدد كبير من الناس في تلك الأيام. وازدادت ثروتي. لكني لم آخذ أي شيء من الفقراء. بل منحتهم الكثير وصرت مباركا بفضلهم. أسديت خدمات لبعض الكبار، وأصبح لدي أصدقاء كثر، حتى في صفوف الباشاوات والوزراء. لكن سكان القرى لم يكونوا قادرين على ترك أسوار قراهم. كانوا يرون الريسوني في كل ظل.
بفضل توزيعي للمال، رغم أنف قوات السلطان وجنوده، اشتريت الأراضي، وأصبحت لدي مزارع في أماكن كثيرة، لكنها كانت دائما باسم عائلتي. في أحد الأيام جاء جامع للضرائب إلى أخي وقال له:
هذا المنزل ليس في ملكيتك فعلا. لقد اشتراه مولاي أحمد، وإذا علم المخزن هذا الأمر فإنهم سوف يصادرونه منك. اعطني بعض الماشية والخراف، ولن أقول لهم أي شيء. وحدث أنني جئت إلى المنزل في الوقت نفسه الذي كان فيه أخي يتجادل معه. عندما أخبروني بما يقع، ذهبت إلى جامع الضرائب وشرحت له الشرع المتعلق بالميراث، واستشهدت بآيات من القرآن الكريم وأقوال الأئمة الأربعة. وبعد ذلك، عندما رأيتُ أنه لم يقتنع، قطعت رأسه وأرسلته في سلة من الفواكه إلى سيدي عبد الرحمن. حاكم طنجة بدأ يتساءل ما إن كان رأسه شخصيا سوف يُقطع لاحقا».