شوف تشوف

سري للغايةسياسية

الريسوني: قررت العودة إلى الحروب لأن المخزن صادر ممتلكاتي في الفحص

يونس جنوحي

ظهر الرجال ببنادقهم، وبعد إطلاقهم النار عدة مرات، غادروا صوب التلال. حاول المدافعون اللحاق بهم، وبينما كان المنزل خاليا من الرجال ولم يبق داخله سوى النساء مجتمعات للاحتماء داخل غرفة بالعلية، تسلل بعض الرجال بصمت من بين الأشجار حيث كانوا يختبئون منذ بداية الهجوم، وصاح أحدهم منبها أخت الريسوني:

«غط نفسك يا سيدتي. نحن أتباع أخيك!».

اقتحموا غرفة الحريم وأخذوا معهم العروس وأمها. عندما رجع الرجال إلى الدار، وجدوا جثتي امرأتين ملقاتين على العتبة. قبل ساعات فقط، قاموا بذبح ثور هناك طلبا للبركة.

لم يخبرني الريسوني أبدا بهذه القصة، ولكن عندما سألتُه لماذا قتل رجاله الفتاة بدلا من إبعادها فقط من منزل صهره، كان جوابه:

«-كان من الأفضل قتلها. لقد رآها رجال أغراب ليسوا من محارمها».

كانت تلك الفتاة، كما أتصور، من بنات القرية الجبليات البدويات الطيبات اللواتي كن يعملن في الحقول مع الرجال بوجوه مكشوفة ويرتدين لباسا محتشما يغطي أجسادهن.

شرح لي الريسوني سبب عودته إلى حياة البرية بتلك الطريقة:

«تعامُل المخزن كان غريبا. عندما أفرج عني مولاي عبد العزيز، لم تكن لدي أي رغبة في القتال وخوض الحروب مستقبلا.

أهل طنجة كانوا يحترمونني باعتباري فقيها وعالِما. كتبتُ عن تفسير القرآن الكريم والشريعة، وهذا شرف كبير في الإسلام. كان لدي الكثير من الطلبة. لكن في أحد الأيام أردت الحصول على المال لكي أوزعه على بعض الطلبة الذين كانوا في حاجة شديدة، بلغ إلى علمي أن المخزن صادر ممتلكاتي في منطقة الفحص. قيل لي إنها مُنحت لصديق للسلطان، بينما أراض أخرى أصبحت في ملكية عدوي عبد الرحمن بن الصدّيق. ناشدت فاس من أجل الإنصاف، لكن لا أحد استجاب ولم أتوصل بأي رد على رسائلي، وممتلكاتي تعرضت للإتلاف والضياع على يد الآخرين.

ما قمت به في إحدى المرات، وقد أقوم به مرة أخرى، أنني عندما عدت إلى الجبال، كان ذلك بنية قتال المولى العزيز. عادت أعلامي لترفرف مرة أخرى في بني مساور، وكان المبعوثون الذين أرسلتهم إلى مناطق «زلاّل» قد تفرقوا على القبائل. كل مناطق جبالة كانت غير راضية على طريقة حُكم السلطان.

كانت هناك مجاعة في فاس، وكان الجنود لم يتوصلوا برواتبهم. الروگي، وقد أخبرتك بقصته سابقا، جاء بقواته إلى أسوار فاس العاصمة، وأرسل السلطان إلى عبد الرحمن بن الصديق طلبا للمساعدة.

انضم إليّ رجال قبائل الجبال، وأصبح لدي جيش أقوى وأعظم من جيش الروگي. جاءت أخبار مفادها أن حاكم طنجة حشد قوة كبيرة لمساندة فاس. كان مقررا أن يصبحوا برئاسة القايد عبد المالك، الذي كانت تكرهه كل القبائل بسبب قسوته وجشعه. وكان عبد الصادق مسافرا مع «المْحلة» لكي يوفر لها الحماية.

كنت سعيدا عندما سمعت هذا الأمر، لأنني اعتقدت أنه يتعين علي جمع أعدائي كلهم في قبضة يدي. انتشرنا على امتداد أحد الوديان، واحتمينا بالشجيرات المنتشرة على طول الطريق. كان قد بقي على الغروب ساعة فقط، حيث كان يصعب أن يميز الرجل بين الخيط الأبيض والأسود.

رأينا المْحلة تقترب تحتنا. لكن من الصعب تحديد من منهم عبد الرحمن بن الصديق. لكن في الأخير تعرفت عليه عندما لمحتُ حصانه وحارسه الشخصي والقايد عبد المالك بجانبه.

ثم أعطيتُ الإشارة، فهجم رجالي مندفعين إلى أسفل الوادي من كلا الجانبين، إلى أن حوصر العدو بينهم كما تنحصر الفاكهة بين الأصابع. قُتل الكثيرون وفر آخرون. لكن عندما ألقينا القبض على القايد عبد المالك، وحاربنا على طول الطريق، التي اكتسحتها الأعلام إلى دار حاكم طنجة، عبد الرحمن بن الصديق، رأينا مجموعة من الناس يركبون الخيل في اتجاه طنجة، ولم ننتبه إليهم ظنا منا أنهم إما خدم أو سكان مخيم».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى