الرق بصيغة أخرى
حسن البصري
باسم «الميركاتو» الصيفي يسابق القائمون على أندية كرة القدم عداد الزمن من أجل بيع وكراء وتفويت اللاعبين والمدربين. يوقع الرؤساء قبل بداية كل موسم رياضي على قرارات إعارة فائض اللاعبين لفرق أخرى تعاني من خصاص بشري وعوز مالي، وذلك حتى يتمكن اللاعب المعار من تفادي بطالة كروية تعطل أطرافه وتهددها بالترهل.
أغلب اللاعبين المعارين يصطفون أمام إدارة النادي في طوابير، قبل أن يتلو على مسامعهم إداري الفريق قرارات تعيينهم، حسب قانون العرض والطلب وحسب كفاءة كل لاعب، بينما يفضل لاعبون آخرون البحث عن ملاذ لهم دون الحاجة لوساطة النادي، ويرددون على مسامع الإداري المثل الشعبي «إلا طلقتيها متوريهاش دار باها».
لا توجد متابعة لهؤلاء اللاعبين الشباب الذين يحالون على المجهول، بدون سند أو توصية، وحدها دعوات الوالدين تشيعهم إلى مثواهم الجديد، وحين يلتحقون بمقر النادي يعاملون كقوى عاملة قابلة لسد الفراغ مقابل الحد الأدنى من الكرامة، وقبل أن يوقَّع عقد الإعارة يخضعون لاختبار استدراكي أمام نظرات مدرب يذكرهم بلازمة «عند الامتحان يعز اللاعب أو يهان».
يتفق رؤساء الفرق على نظام الإعارة وعلى أسماء المعارين ويبحثون في صحيفة سوابقهم التأديبية عن تاريخ الانفلاتات، وحين يحصل التوافق تتحول الموهبة المعارة إلى زكاة يسدد بها الرئيس ما تقدم وما تأخر من ذنوب.
مع بداية كل موسم رياضي، يكشف الرئيس عن حنينه لزمن الرق، فيجهز أسطول لاعبين أخطأتهم عيون مدرب أجنبي يؤمن باللاعب الجاهز والراتب الجاهز و«الساندويش» الجاهز، ويقول لهم «هيا انتشروا في أرض الله الواسعة»، وقبل أن يغادروا مقر النادي يعلن فيهم خطبة طارق بن زياد «العدو أمامكم والبحر وراءكم فليس لكم والله إلا التوقيع أو الموت».
يسمي رئيس الفريق نفسه عنترة زمانه، ويعتبر النادي مجرد شقة مفروشة يجمع إيجارها ويسكر طول الليل على أبوابها، كما قال نزار قباني يوما، وحين يستفيق يقرأ صحفا تتحدث عن مكرمات عنترة ومعجزاته، وفي الجموع العامة ينصت المنخرطون لعزف على القانون من تأليف عنترة. أما اللاعب المسكين فيرضخ لأمر كان مفعولا ويضع «صاكه» على كتفيه المنهكين وقبل أن يرسل نظرة وداع للوالد الحزين يشحنه بنصائح مستوحاة من برنامج «الدين والمعاملات» ثم يصلي استخارة دون أن ينشرح قلبه للإعارة.
في كثير من البلدان العربية صدرت فتاوى تحريم إعارة اللاعبين، وتعتبرها ضربا من الرق الجديد وتعارضا مع حق اللاعب في اختيار النادي الذي يتناسب وطموحاته. فالسودان، مثلا، حرمت الإعارة الكروية واعتبرت مسانديها دعاة لنظام عبودية جديد، خاصة وأن أغلب المدربين يرفضون التعامل مع اللاعب المعار لأنه مجرد عابر سبيل، بل إن كثيرا من المدربين يعتقدون أن المعار لا يختلف كثيرا عن طفل عامل في ورشة ميكانيك خلال العطلة المدرسية، فيستبيحون تدفئة قفاه بصفعات وضربه بركلات ترجيح وتجريح.
لكن القضية تجاوزت حدود إعارة لاعب من فريق إلى آخر، إلى وضع مشجعين رهن آخر إشارة فريق آخر على سبيل السلف، لذا تستحق حكاية هشام العزوزي، الملقب بـ«الكربة»، أن نتوقف عندها قليلا لأنها إعارة عابرة للقارات، جعلت شابا يضع خبرته في مدرجات الملاعب المغربية رهن إشارة فريق بلون آخر، وفق شروط تعاقدية تجعل هشام وطبله وحنجرته وقوافيه في خدمة العين التي لا تعلو على الحاجب.
على قضاة جطو أن يبحثوا في ملفات إعارة اللاعبين، أكيد سيعثرون على صفقات تتم تحت جنح الظلام، سيكتشفون أرقاما فلكية تسقط من التقارير المالية للفرق، وسيعرفون أن إعارة لاعب لها مقابل مالي لا يمر عبر قنوات الأبناك.
لو توقف قضاة المجلس الأعلى للحسابات أمام بوابة ملعب سيخرج الرؤساء من الباب الخلفي، رجاء يا جطو زر ملاعبنا ثم مت.