شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الرجل الذي راقب الهلال

يونس جنوحي

كلما تعلق الأمر برؤية الهلال لتحديد أول أيام صيام رمضان في الدول الإسلامية، يعود النقاش حول تصنيف المغرب أفضل منطقة لرؤية الهلال بدقة، وهو ما يجعل التقويم في بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى محط عدد من الملاحظات.

المغاربة الأولون تفوقوا جدا في مسألة الحساب الفلكي، وذلك بحسب ما رصده العالم الكبير المختار السوسي في موسوعته التي جمع فيها أسماء العلماء المغاربة، من تفوق مغربي في علم الفلك خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر. والحقيقة أن التفوق المغربي في علم الفلك يعود إلى عهد الموحدين والمرابطين، حيث وصل صيت هؤلاء العلماء إلى أوربا ونسخ العلماء في إسبانيا وفرنسا مخطوطات مهمة جدا عن شروحات حركة القمر. وفي العقود الأخيرة تفوق المغاربة في الحساب الفلكي. لكن تحديد تاريخ بداية اعتماد هذا الحساب الذي يقدم بدقة موعد إمكانية رؤية الهلال من الموقع الجغرافي، لم يتم تحديده بدقة.

أحد العلماء المغاربة الذين برعوا في علم الفلك، ووصلت مؤلفاتهم إلى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا جامعتي كولومبيا وكاليفورنيا، هو العالم محمد بن عبد الوهاب المراكشي، الذي وُلد في مراكش سنة 1906، لأب من أصول أندلسية وأسرة من العلماء قضوا حياتهم متنقلين بين فاس ومراكش لطلب العلم والتدريس في الشرق والمغرب.

تعلم هذا العالم المغربي، الذي جمع تجربته في علم الفلك في مؤلف فريد بعنوان «العذب الزلال في مباحث رؤية الهلال»، أصول علم الحساب الفلكي في مراكش، حيث تلقى بها تعليمه الأولي وحفظ القرآن الكريم، وفي سنة 1927، أي عندما أصبح الملك محمد الخامس سلطانا للمغرب، انتقل هذا العالم إلى مدينة فاس لكي يقوي معارفه في علم الفلك ويستفيد من كنوز مكتبة القرويين. وكانت وقتها منافسة كبيرة جدا بين علماء فاس ومراكش. الفاسيون يستعرضون مخطوطات مكتبة القرويين ويثابرون في إظهار حفظهم للفهارس والمتون، بينما المراكشيون يفتخرون بأنهم سبقوا أهل فاس للعلم وأنهم سلالة تلاميذ العلماء المغاربة المراكشيين الكبار منذ عهد يوسف بن تاشفين.

المثير أن هؤلاء العلماء في فاس، قبل تسعين عاما كانوا يقيمون مناظرات في علم الفلك ويحضرها مئات المتابعين للتفرج على المبارزات الفكرية والكلامية التي يخوضها علماء الفلك المغاربة مستحضرين «النبوغ المغربي» الذي تحدث عنه العالم المغربي عبد الله كنون، والذي تطرق للتفوق الأدبي لدى عدد من العلماء المغاربة، بينهم علماء في علم الفلك.

لكن تجربة محمد بن عبد الوهاب تبقى استثنائية لأنه تخصص أصلا في علم الحساب والفرائض بعد أن ضبط علم الحساب الفلكي وألف فيه.

هذا العالم المغربي الكبير، تفوق في الرياضيات ووصل صيته إلى الفرنسيين الذين كانوا يعيشون في المغرب، وقرروا أن يغلقوا له مدرسة شيدها في مراكش، يدرس فيها بنفسه مادة الرياضيات، وهو الفقيه الذي لم يكن يرتدي غير الجلابة المغربية.

لم يستوعب الفرنسيون أن ينافسهم فقيه مغربي في علم الرياضيات فقرروا إغلاق المدرسة التي أسسها في مراكش، وكان مصيره السجن، حيث أرسل إلى سجن بمدينة تارودانت رفقة علماء آخرين من بينهم المختار السوسي ومحمد الدباغ، وعبد الجليل بلقزيز وأحمد بن فضيل. وهؤلاء كانوا من نخبة الوطنيين المغاربة في الجنوب، وبالكاد نعرف اليوم أن بعض هؤلاء، كانوا على قيد الحياة أيام الحماية الفرنسية ولا يوجد أي احتفاء بما قدموه من إسهامات فكرية أو وطنية.

بعد تجربة طويلة في التنظيم لعلم الحساب الفلكي، سوف يأمر الملك الحسن الثاني وزير الأوقاف سنة 1965 بأن يشرف  محمد بن عبد الوهاب، هذا العالم المغربي الكبير،  على تكوين أساتذة في علم التوقيت والفلك.

ترك هذا العالم سلسلة من المقالات التي نشرت في دوريات ومجلات في المغرب وخارجه، تطرق فيها لأخطاء رؤية الهلال، وأسرار الحساب الفلكي التي تعطي بدقة مواعد رؤية الهلال، وبفضل حنكته وتفوقه، جنب المغرب مرات كثيرة، خصوصا في زمن ضعف إمكانيات مراقبة الهلال واستحالة ربط الاتصال بين نقاط مراقبة الرؤية قبل إعلان شهر رمضان، الوقوع في أخطاء وقعت فيها دول أخرى، صامت يوما قبل الهلال، أو صامت يوم العيد!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى