الرجاء والوداد الوجه السياسي والاجتماعي لـ«ديربي» يحبس الأنفاس
كواليس ومواقف طريفة في معارك الكرة بالدار البيضاء
حسن البصري
يتوقف نبض الدار البيضاء وتتحول إلى مدينة نحاس خلال زمن مباراة كرة القدم، ويمتد الموت الإكلينيكي للمدينة فتتحول إلى مدينة أشباح.
تستطيع مواجهة بين الوداد والرجاء أن تعيد ترتيب أثاث العاصمة الاقتصادية على نحو آخر، وتزرع في شوارعها علامات تشوير تجعل المنع قاعدة والسماح استثناء، ولأن الرجاء والوداد قد تحولا إلى طوائف ومذاهب فإن كل الوزارات تصبح معنية بمباراة الكرة، ابتداء بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تستنفر خطاب الجمعة ليدسوا في خطبهم ما تيسر من تحذير، ضد «ديربي» يزرع الفتن ليحصد الأهل المحن، وانتهاء بوزارة الداخلية التي تستعد لمباراة كرة أكثر من استعدادها لتجمع سياسي، لأن الوداد والرجاء يتفوقان على أعتد الأحزاب السياسية في الاستقطاب الجماهيري، مرورا بوزارات أخرى كالصحة والرياضة والتجهيز.
لطالما افتخر الغريمان التقليديان الرجاء والوداد بتجذرهما في عالم السياسة، ولطالما كان الفريقان مقصدا لشخصيات سياسية، جاءت إلى عالم الكرة هروبا من السياسة، أو للركوب على صهوة الرياضة. لكن القاسم المشترك بين الناديين أنهما معا خرجا من صلب الحركة الوطنية، وعاشا في كنف العمل السياسي سرا وعلانية، قبل أن تفرق بينهما المصالح والأهواء.
قبل مباراة «الديربي» كان الوزراء وكبار النقابيين يحفزون اللاعبين بامتيازات بوظائف بريع كبير أو صغير، وكان الجميع يؤمن بأن القضية تتجاوز مباراة في كرة القدم، لأنها أضحت شأن الكبار.
في كواليس مباريات الغريمين قصص تستحق أن تروى، حكايات تتقاطع فيها الفرحة بالأحزان، ويتبين أن ما يستقطبه لقاء في كرة القدم تعجز عن استقطابه كل الأحزاب السياسية.
«الديربي» البيضاوي مارس جاذبيته على القذافي وعلى كثير من الزعماء، بل إن العقيد التمس من الحسن الثاني استضافة الحدث في طرابلس ليعيش حلاوته، فكان له ما أراد.
في هذا الملف الأسبوعي تنبش «الأخبار» في «ديربي» يجعل الدار البيضاء في حالة استنفار قصوى.
الوداد.. من الشورى والاستقلال إلى «البام»
تأسس الوداد الرياضي على يد أقطاب حزب الشورى والاستقلال، الذي كان محمد بن جلون أبرز قيادييه على مستوى الدار البيضاء والنواحي، لكن أثناء التأسيس لم يكن للرجل أي انتماء إلا صفة وطني، ومع بزوغ فجر الاستقلال اقتحم الوداديون الحزب التقليدي، وأصبح العديد من مسيريه يدينون بالولاء للوداد ولهذا الحزب المنشق عن حزب الاستقلال، على غرار الدكتور عبد القادر بن جلون التويمي الذي ترأس الوداد بعد انتهاء ولاية محمد بن جلون، كما أسندت إليه حقيبة وزارة المالية في عهد أول حكومة للمغرب المستقل بقيادة البكاي. كما حمل عبد السلام بناني، وهو الذي أسس المغرب الفاسي وترأس الوداد الرياضي، وعصبة الفرق الحرة لسنوات، اللون السياسي لحزب الاستقلال، إلى جانب عبد اللطيف بن جلون وهو أول من وضع مسودة القانون الداخلي للنادي، رغم أنه طبيب وليس رجل قانون. وتناوب الاستقلاليون على الوداد ومنهم من فضل التعاطف مع هذا الحزب، بدل الارتماء في أحضانه على غرار عبد الرزاق مكوار الذي وقعت عريضة المطالبة بالاستقلال في بيت عمه الاستقلالي بفاس، وأحمد لحريزي، الرئيس السابق للنادي، والطيب الفشتالي الذي دخل الانتخابات باسم حزب علال الفاسي.
وهناك قيادات ودادية اختارت قبعات أخرى، كالطاهري الجوطي الذي كان وزيرا للشبيبة والرياضة، وتقلب بين حزب الأحرار والحزب الوطني الديمقراطي، والعلوي المحمدي، القيادي في حزب الرجاويين الاتحاد الدستوري، ثم نصر الدين الدوبلالي الذي لبس أكثر من معطف سياسي، وحده أحمد الزاكي، رئيس المكتب المديري السابق للوداد، الذي ظل حريصا على موقعه في الصف التقدمي لحزب التقدم والاشتراكية.
لكن في الآونة الأخيرة هيمن منتمون إلى حزب الأصالة والمعاصرة على المكتب المسير للوداد الرياضي، لكن سيطرة حزب الأصالة والمعاصرة لا تلغي المواقف السياسية لكثير من الوداديين الذين ظلوا على ارتباط بالحركة الوطنية، فمؤسس النادي محمد بن جلون كان من شبيبة الحركة الوطنية، وقد عرف بمواقفه البطولية كطالب في ثانوية مولاي يوسف بالرباط، حيث استطاع سنة 1933 إقناع جميع الطلبة الداخليين بالإمساك عن الطعام يوم 16 ماي، وصيام ذلك اليوم احتجاجا على ذكرى إصدار الظهير البربري. وكان عدد من لاعبي الوداد يشاركون بشكل كبير في تحركات وأعمال الحركة الوطنية.
نقابة المحجوب بن الصديق ترعى الرجاء
حينما فاز الرجاء البيضاوي بأول لقب لكأس العرش في تاريخه سنة 1974، قرر مسؤولو الفريق إهداء الكأس إلى أول زعيم نقابي في تاريخ المغرب، وهو المحجوب بن الصديق، الأمين العام السابق للاتحاد المغربي للشغل، وكان حينها في زنزانته داخل السجن، وهي إشارة على ارتباط النادي بهذه النقابة العريقة، التي كانت تعتبر الفريق الأخضر ذراعها الرياضي وضامن شعبيتها، بل إن الفريق كان يتنقل بين الفينة والأخرى على متن حافلة تابعة للاتحاد المغربي للشغل، حسب رواية المرحوم عبد العزيز المسيوي، كما ظل ملعب الرجاء بالوازيس يحتضن نهائيات الكؤوس العمالية المنظمة من طرف التنظيم النقابي، فضلا عن وجود العديد من المسيرين الذين شغلوا مهام في النقابة وفي الرجاء آخرهم عبد السلام حنات ومصطفى دهنان، وقد شغلا معا منصب رئيس الجامعة العمالية لكرة القدم المحسوبة على الاتحاد المغربي للشغل.
وحين غادر المحجوب السجن نظم له المكتب المسير للرجاء حفلا كبيرا، جعل كثيرا من الوداديين المنتمين لنقابة الاتحاد المغربي للشغل يراجعون انتماءهم لهذا التنظيم النقابي.
لكن هذا التوجه النقابي لم يمنع الفريق من استقطاب كفاءات سياسية ذات انتماءات مخالفة، بل إن حميدو الوطني أحد مؤسسي الرجاء كان استقلاليا، فضلا عن وجود أمين عام لحزب الشورى والاستقلال في مكتب الرجاء في شخص الرئيس السابق عبد الواحد معاش.
إكراميات الحسن الثاني للاعبي الوداد
كان ولي العهد الأمير مولاي الحسن محبا للوداد، وقال اللاعب السابق للنادي الأحمر مصطفى هريرة: «كنت أراه في معسكرات الفريق في ضواحي مدينة ابن سليمان حيث يطمئن على أحوالنا، ويمكننا من كثير من الإكراميات التي تصل إلى مقر الوداد في شاحنة موفدة من طرف ولي العهد حينها قبل أن يصبح ملكا للبلاد»، ويضيف: «أذكر أنه كان يجلس ساعات مع الأب جيكو يناقشه في كثير من المواضيع، بل إن الرجلين سافرا معا إلى أوربا بدعوة من «الفيفا» الذي نظم حفلا على شرف كبار المدربين، سافر الحسن الثاني والأب جيكو على متن نفس الباخرة، وحين عاد المدرب سألته لماذا لم يطلب من الملك أي امتياز؟ فرفض وقال إن كرامته تمنعه من ذلك».
مات الأب جيكو الذي كان وراء مجد الوداد والرجاء في ظروف مأساوية، يقول اللاعب الزهر: «كنت أزوره في أيامه الأخيرة، فتقول لي أخته إنه باع كل أثاث البيت ومقتنياته من أجل الوداد والرجاء».
يعود لاعب الوداد الراحل هريرة، ليروى موقفا وطنيا للوداد في الجزائر: «لا أنسى موقفا وطنيا لهذا الرجل، حين رفض في الجزائر أن نخوض مباراة دولية ضد سيدي بلعباس، لأن العلم المغربي لا يرفرف في الملعب، وحينها نزل محمد بن جلون من المنصة الرسمية واستفسر عن الأمر، ولم يعط الحكم الانطلاقة إلا بعد أن جيء بالعلم المغربي». ورفض الحارس عبد القادر جلال الوقوف في المرمى، إلا بعد أن رفع العلم الوطني.
عندما حاول رئيس الرجاء اغتيال الحسن الثاني
بعد عودة الملك محمد الخامس من منفاه، استقبل في الملعب الشرفي بالدار البيضاء محمد بلحسن العفاني الملقب بـ«الأب جيكو»، ووشحه بوسام الرياضة، قال الرجاويون هذا أول رجاوي يوشحه الملك، وقال الوداديون إن محمد الخامس وشحه بوسام بصفته وداديا، دار جدال قوي بين الطرفين، ولحسن الحظ أن محمد الخامس وشح في اليوم نفسه وداديا اسمه عبد الرحمان بلمحجوب، ولحسن الطالع أيضا أن مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن لها وجود في تلك الفترة الزمنية.
لكن الحسن الثاني كان ينظر للرجاء بحذر، فقد ذكر في كتابه «ذاكرة ملك»، واقعة بطلها كريم حجاج الذي سيصبح في ما بعد رئيسا لفريق الرجاء البيضاوي، حيث كان ولي العهد آنذاك في مرمى بندقية حجاج، لكن السياسة مدت جسور الود بين الحسن وكريم، بعد عفو ملكي.
رغم كل هذا يبقى أقوى حضور سياسي في تاريخ الرجاء من نصيب رئيسه الراحل كريم حجاج، الذي ورد اسمه في «ذاكرة ملك»، إذ تقول الروايات التاريخية إن المهدي بن بركة، القيادي القوي في حزب الاستقلال وقتذاك، جلب عباس المسعدي قيادي جيش التحرير إلى الدار البيضاء بالقوة، ونظم عملية «اختطاف» للمسعدي على يد مجموعة مكونة من خمسة أشخاص يتقدمهم شخص يدعى حجاج. وبعد أن قام المختطفون بإدخال عباس المسعدي إلى السيارة بالقوة لنقله إلى الدار البيضاء، انطلقت «رصاصة» من مسدس حجاج لينتهي مسار المسعدي، وينتهي، بعده مباشرة، مسار جيش التحرير. بل إن الملك روى في «ذاكرة ملك» عن محاولة قتله من طرف حجاج على مشارف مدينة الحاجب.
غضبة محمد الخامس من الأب جيكو حين رفض منصب وزير للرياضة
غضب القصر من محمد بلحسن التونسي الشهير بلقب الأب جيكو، والذي كان عضوا في المكتب المسير للوداد ومدربا للفريق الأحمر. سبب الغضبة الملكية عدم استجابة هذا الأخير لدعوة من الملك الراحل محمد الخامس ولبعض أعضاء المكتب المسير للوداد، من أجل رأب التصدع الذي عرفه النادي والخلاف الدائر بين مسيرين استقلاليين وآخرين ينتمون إلى حزب الشورى والاستقلال. وكان الأب جيكو شوريا متشددا رفض في أكثر من مناسبة التنسيق مع الاستقلاليين، وتعرض لمحاولة اغتيال خلال فترة الصراع الدامي بين الاستقلاليين والشوريين مباشرة بعد الحصول على الاستقلال.
تلقى عرضا من ولي العهد آنذاك الحسن الثاني بالانضمام إلى حكومة سنة 1956 أو ما يعرف بحكومة البكاي بن مبارك الثانية، هي ثاني تشكيلة حكومية في المغرب بعد استقلاله عن فرنسا سنة 1955. وتم التفاوض في شأن تأسيس المجلس الحكومي برئاسة البكاي بن مبارك لهبيل، وباقتراح من الملك وضع اسم محمد بلحسن العفاني كمسؤول على حقيبة الشبيبة والرياضة، إلا أن الرجل رفض الاشتغال مع الاستقلاليين، سيما وأن الحكومة عرفت تقليصا واضحا للحقائب الشورية من ست إلى أربع، كما رفض عرضا بتعيينه مديرا للشبيبة والرياضة، وهو المنصب الذي أسند إلى عمر مزور من 27 أكتوبر 1956 إلى 23 يونيو 1961، وكان تابعا لوزير التربية الوطنية المرحوم عبد الكريم بنجلون، رغم ذلك جدد محمد الخامس الطلب بإشارة عابرة حين وشح الأب جيكو بوسام شرفي سنة 1957، قبيل انطلاق نهائي كأس العرش بالملعب الشرفي، حين قال له: «تمنيت لو كنت إلى جانبي في المنصة الرسمية».
لكن وعلى الرغم من القلق السلطاني، على الأب جيكو الرافض لمنصب حكومي، فإن محمد الخامس طيب الله ثراه، لم يرفض توشيح الأب جيكو بوسام شرفي سنة 1957، باقتراح من محمد بن جلون بالرغم من الفيتو الذي أعلنه مولاي عبد الحفيظ العلوي، وزير التشريفات والقصور والأوسمة، بدعم ومساندة من الاستقلاليين الذين كانوا يرفضون توشيح أسماء شورية.
في سنة 1970 انتابت الرجل نوبة مرض، فانقطع عن الكرة وعاش عزلة قاسية، لاحظت زوجته زهرة أن عينيه تدمعان وهو يتابع مباريات كأس العالم بالمكسيك بمشاركة المنتخب المغربي، فقال لها: «الآن حققت أمنيتي أن أرى لاعبي الوداد والرجاء في كأس العالم، مرحبا بالموت الآن».
أول معركة «ديربي» في تاريخ الوداد والرجاء
في حوار مع حميد بهيج رحمه الله، يتحدث الرجل بصفته شاهدا على العصر، باعتزاز عن مباراة ليست ككل المباريات، كان فيها مجد الوداد في مواجهة لطموح الرجاء، مواجهة انتهت لفائدة الرجاويين ضد كل التوقعات حتى المفرطة في التفاؤل.
كانت الاستعدادات الرجاوية عادية في الملعب الذي كان موجودا بالقرب من شارع 2 مارس غير بعيد عن درب السلطان، وهو الملعب الذي توجد فيه الآن ثكنة الدرك الملكي.
«كان الوداديون يسخرون منا ويقولون إن الفوز سيكون حليفهم بحصة لا تقل عن عشرة أهداف، والذي دفعهم إلى التفاؤل أكثر هو انتصارهم قبل مباراة «الديربي» بحصة كبيرة وهزيمتنا في وجدة أمام المولودية الوجدية بستة أهداف لصفر، وهي نتيجة جعلت أطماع الوداديين تكبر، دون أن يعرفوا أن المولودية في تلك الفترة كان قاهر جميع الفرق المغربية».
كان مدرب الرجاء هو الأب جيكو رحمه الله، الذي كان يعرف أشد المعرفة الوداد ويوصي اللاعبين كل على حدة بما يجب القيام به للحد من خطورة الوداديين.
كان الجو خريفيا مساعدا على إجراء مباراة في كرة القدم، وكان المغرب في بداية عهد الحرية والاستقلال. في يوم الأحد على أرضية ملعب فيليب سنة 1957، جرت أول مباراة «ديربي»، كانت كل التكهنات تعطي الامتياز للوداد نظرا لتاريخه وعناصره القوية، ولأنه شارك في منافسات كأس فرنسا وانهزم بصعوبة أمام سانت إتيان بهدف لصفر. كانت تشكيلة الوداد تتكون من أسماء من العيار الثقيل، كالحارس رفقي والتيباري وولد لبحيرة وهريرة وبلحسن والعفاري والزهر وغوميز وغيرهم من نجوم تلك الحقبة، وكان المدرب هو ماصون الذي كان محترفا في أولمبيك مارسيليا، أما تشكيلة الرجاء فأغلب عناصرها لم تكن معروفة لدى الجماهير كالحارس الخلفي وبوشعيب والروداني والفيلالي والوجدي وموسى وميلازو وعسيلة، لاعب الوداد سابقا، والوجدي وبهيج، بينما جلس الأب جيكو لأول مرة على كرسي الاحتياط بعد أن ارتبط طويلا بالوداد، تمكن الرجاء من الانتصار بهدف لصفر. إذ ضد مجرى اللعب، تمكن اللاعب الوجدي من تسديد قذيفة قوية عن بعد 35 مترا اخترقت مرمى الحارس رفقي، المعروف بلقب الصوبيس. منذ ذلك الحين بدأت حكاية ثأر لا ينتهي.
الغريب أن مسجل الهدف اللاعب الوجدي والحارس رفقي صديقان حميمان يقطنان في نفس الحي، أي درب الشرفا، وتقول الروايات إن رفقي والوجدي حلا سويا بملعب فيليب قبل المباراة، لكن الهدف فرق بينهما وجمد علاقتهما.
رئيس الوداد يحرم من «الديربي» بسبب حرب الرمال
حين دقت طبول حرب الرمال بين المغرب والجزائر في أكتوبر 1963، لم يعد أمر المعركة منحصرا في القوات المسلحة الملكية، فكل الفصائل الأمنية أضحت معنية بالحرب، سواء مخازنية أو دركيين أو شرطة أو وقاية مدنية، الجميع مطالب بتلبية نداء الواجب، خاصة وأن القضية تتمثل في اختراق حدود المملكة.
تم تعيين رئيس الوداد بوبكر جضاهيم، الذي كان رئيس مفوضية الشرطة «الساتيام» في تويست بوبكر، هي نقطة حدودية غير بعيدة عن بوعرفة، وتضم منجما له أهميته وثكنة عسكرية، وجبالا يمكن استعمالها في الجانب الحربي، «قصة دعوتي للالتحاق بهذه النقطة فيها نوع من الطرافة وتستحق أن تروى، حيث إن الجنرال محمد أوفقير الذي كان يتابع الموقف في القيادة العليا، قال في حديثه مع كولونيل الدرك الملكي، بدر الدين الخطيب، إن تعيين الضابط الفكيكي في منطقة فكيك أمر طريف لتطابق اسم الضابط مع المدينة، وحين كان الجنرال والكولونيل بصدد الحديث عن نقطة تويسيت بوبكر، قال له مازحا «هل تعرف اسم ضابط نعينه للإشراف على هذه النقطة يكون اسمه بوبكر، قال له الخطيب «هناك كوميسير في «الساتيام» اسمه بوبكر اجضاهيم، فرد على الفور وجهوا إليه الآن برقية ليحضر غدا»، يقول اجضاهيم.
رياضيون عديدون تخلفوا عن «الديربي» لوجودهم في جبهة القتال، «كنت مسؤولا في الوداد البيضاوي إلى جانب بدر الدين الخطيب، وكان في مدينة وجدة عمر دومو، شقيق رئيس النادي القنيطري السابق، إضافة إلى العديد من الوجوه الرياضية في الجيش الملكي، أغلبهم موزعون بين تندرارة ووجدة وفكيك وتويست. قضيت هناك فترة من أكتوبر 1963 إلى نهاية يونيو من السنة نفسها، حيث زال التوتر، شخصيا لم أقض المدة كاملة، بل كان مرض والدتي وراء عودتي إلى الدار البيضاء».
القذافي ينقل «الديربي» إلى طرابلس
في 20 فبراير حطت طائرة «البوينغ» التابعة للخطوط الجوية الليبية على أرضية مطار طرابلس الدولي، أفرغت ما في جوفها من لاعبي ومسيري وصحافيي الوداد والرجاء البيضاويين وأفريكا سبور الإيفواري، كان الجميع مدعوا للمشاركة في دوري الصقر الوحيد المنظم من طرف الساعدي القذافي، رئيس نادي الاتحاد الليبي والفتى المدلل للكرة الليبية، حين كان والده معمر يحكم ويسود.
عبر نجل الزعيم وهو يستقبل الوفود المشاركة في الدوري، عن رغبته في مشاهدة «ديربي» المغرب بين الرجاء والوداد من مقصورة ملعب طرابلس بدل الدار البيضاء، ووعد باستضافة أشهر «ديربيات» العالم في ملعب المدينة الرياضية بطرابلس، في إطار تقريب المباريات الكبرى من الليبيين.
حقق الساعدي القذافي أمنية تقريب «الديربي» المغربي من الليبيين، ولأنه كان يريد أن تكون المباراة بجميع توابلها فقد وجه دعوة إلى معلق مصري شهير وطالبه بوصفها، مع مراعاة ظروف النص وأسباب النزول، وقال له: «لا تنس أن الصقر الوحيد هو معمر القذافي».
لعب منخرط رجاوي له شبكة علاقات مع ليبيا دور متعهد الحفل، وهو من أقنع الوداد والرجاء بإجراء المباراة في العاصمة الليبية طرابلس، وهو من اختار الصحافيين الذين اعتمدوا لتغطية حدث كروي مغترب، وهو الذي امتلك حصريا برنامج الرحلة وتفاصيلها، الشيء الوحيد الذي سقط من مفكرته هو ريع المباراة.
لم يقتصر الساعدي على استضافة «ديربي» الدار البيضاء وجره إلى طرابلس، بل جلب مجموعة من اللاعبين المغاربة إلى الدوري الليبي.
أولى صفقات الانتقال بين ضفتي الوداد والرجاء
عمليا يعتبر قاسم قاسمي أول ودادي ينتقل إلى الرجاء، لكن لا كلاعب، بل كمدرب حيث أشرف إلى جانب عبد القادر العزبة، الذي كان حارسا بدوره للوداد على تكوين النواة الأولى لفريق يلعب في قسم الكبار، بل إن قاسم هو من قاد الرجاء إلى الصعود للقسم الأول، وفي نهاية المواجهة اختفى المدرب وغاب عن الرجاء إلى الأبد بعد أن تلقى عتابا من الوداديين، قبل أن يخلفه المدرب الأب جيكو الذي أصر على أن يبني فريقا جديدا بنمط كروي يجعله المنافس الأول للوداد داخل الدار البيضاء.
إلا أن أول صفقة مقايضة في تاريخ الغريمين، تأخرت إلى سنة 1973، حين اتفق رئيسا الناديين عبد الرزاق مكوار والمعطي بوعبيد، على تبادل الكفاءات والموافقة على مقايضة تحول بموجبها لاعب الوداد عبد العزيز أنيني إلى مدافع في صفوف الرجاء، مقابل ضم الوداد للاعب الوسط الرجاوي عزالدين عبد الرفيع، بعد أن ظل هذا الأخير خارج حسابات المدرب الأب جيكو.
يرى بعض الوداديين أن «تصدير» أنيني نحو القلعة الخضراء له مسبباته، كالخوف من النزعة النقابية لهذا اللاعب الذي حمل شارة عمادة الوداد ومنتخب الشرطة لمدة طويلة، وعرف بمواقفه الرافضة لقرارات المكتب المسير، وبسبب مطالبه التي لا يطيقها المسيرون والتي تذهب إلى حد مقاطعتهم. ناهيك عن الرغبة في تكسير شوكته. وتقول فعاليات ودادية إن قرار التفويت اتخذ في أكادير خلال دوري نظم من طرف رجاء أكادير، وما تلاه من نزاع مع العربي أحرضان والحارس عبد القادر، ثم عبد الرزاق الزرقطوني..
أما عبد الرفيع عز الدين فقد كان ينتمي إلى المدينة القديمة، ويعتبر من اللاعبين القلائل الذين يمثلون قلعة الوداد داخل الرجاء، لذا كان الفتى يرفض صفة اللاعب البديل ويصر على أهميته ضمن تشكيلة الأب جيكو الذي ألح على الرئيس بتفويت عز الدين، رغم أن أنيني يقطن بدوره في المدينة العتيقة.
ومن الصدف الغريبة أن أول مباراة للوداد كانت ضد «الراك»، وتمكن خلالها عز الدين القادم من الرجاء من سجيل هدف جميل من ضربة خطأ، في الدورة نفسها كان الرجاء يواجه شباب المحمدية في لقاء سجل فيه أنيني المنتقل من الوداد إلى الرجاء هدفا لا يقل جمالا، كان بمثابة شهادة حسن الأداء.
على امتداد تاريخ الناديين ظلت الطريق الرابطة بين ملعبي الفريقين في الوازيس، معبرا للاعبين ومدربين قرروا تغيير الألوان بحثا عن الأمان.
حين قرأ جمهور الرجاء والوداد الفاتحة جهرا
شاءت الأقدار أن يسلم المعطي بوعبيد الروح لبارئها ليلة مباراة «الديربي» البيضاوي، المواجهة التي كان يتحاشى متابعتها ميدانيا ويحرص على سماع نتيجتها بعد أن يعلن الحكم عن نهايتها، في ليلة الفاتح من نونبر 1996 لفظ المعطي آخر أنفاسه، وفي اليوم الموالي كان الجميع على موعد مع «الديربي»، إذ توجه مئات مشيعي جثمانه من المقبرة إلى مركب محمد الخامس، حيث لأول في تاريخ «الديربي» اجتمع جمهور الفريقين وقرأ الجميع الفاتحة على روح الفقيد، الذي شكره الحسن الثاني من بين جميع الوزراء على كل ما قدمه للوطن.
ظلت لبابة زوجة المعطي توصي ابنها سعد بعدم الشرب من نفس كأس الكرة التي شرب منها والده، وتحذر من مغبة الانصهار كليا. حين مرض الرجل وتسلل الألم إلى جسده، غضب الملك الحسن الثاني من زوجة بوعبيد، لأنها أخفت المرض عن القصر، وقال لها: «الرجل ملك للمغرب وليس ملكا لك وحدك». كان من ثمار هذه العلاقة الزوجية ابن وبنت، سعى جاهدا إلى تلبية طلباتهما بالرغم من زحمة التزاماته واختناق مواعده، مما جعل الأم أقرب الناس إليهما، لكنه لم يكن يخلف الوعد معهما حين تظهر فسحة في أجندته، إذ يقضي معهما إجازة قصيرة بين البحر أو الغابة.
الملك لبوعبيد: من يضبط الرجاء يسهل عليه ترؤس الحكومة
سبق للمرحوم عبد العزيز المسيوي، القيادي السابق في حزب الاتحاد الدستوري، أن كشف عن فحوى اجتماع عقده الملك الحسن الثاني مع المكتب السياسي للحزب برئاسة المعطي بوعبيد في نونبر 1996، عندما كان الملك الراحل يخطط لتجربة التناوب التوافقي، «حضرنا كمجموعة محددة ولم يحضر كل المكتب السياسي، وتناول معنا الملك الراحل مواضيع كثيرة وصارحنا، ومن جملة ما قال للأستاذ المعطي بوعبيد إننا كفريق لا يمكن أن نلعب مباراة كبيرة، وأضاف الملك موجها كلامه لبوعبيد أنا سأتحدث معك بلغة كرة القدم بما أنك تهتم بهذا المجال، فريقك في حاجة إلى تدريب ونفس طويل للدخول في المعارضة ليصبح فريقا قويا، أما الآن فإن لديك فريقا لا يمكن له إلا أن يشارك في شوط واحد من المقابلة».
في بداية الثمانينات أعطى الملك الحسن الثاني أوامره لوزيره المعطي بوعبيد بالتوجه إلى مطار الرباط سلا، لاستقبال رئيس وزراء دولة إفريقية، علما أن الطائرة ستتأخر عن موعدها لمدة نصف ساعة، لوحظ أن الغضب يتسلل إلى المعطي الذي كان يعتزم التوجه، بعد انتهاء مراسيم الاستقبال رفقة عبد اللطيف السملالي، وزير الشباب والرياضة السابق، إلى مدينة القنيطرة لمتابعة مباراة إياب تصفيات كأس العرش بين النادي القنيطري والرجاء البيضاوي، ظل يترقب وصول الطائرة التي تأخرت عن موعدها، وحين كان يقف في طابور المستقبلين لاحظ السملالي أنه منشغل أكثر بنتيجة المباراة التي انطلقت في حدود منتصف النهار، بل إنه كان يستعجل نهاية جلسة الضيف في قاعة الشرف بالمطار كي يتمكن من السفر إلى القنيطرة، وما أن غادر المسؤول قاعة الضيافة، حتى هرع الوزيران بوعبيد والسملالي نحو سيارة للدرك الملكي وطالبا الدركي بالاتصال فورا بسرية الدرك في القنيطرة، لمعرفة النتيجة النهائية للمباراة، وحين تبين أنها انتهت بفوز الرجاء تعانقا.
وأخر المعطي بوعبيد رحلة رسمية إلى كوبا، كانت مقررة في فاتح شتنبر 1979 إلى هافانا، عاصمة كوبا، للمشاركة في مؤتمر دول عدم الانحياز، بساعة كي يتمكن من التعرف على نتيجة مباراة هامة كان يخوضها الرجاء برسم البطولة الوطنية، قبل أن يعطي موافقته على إقلاع الطائرة ويطلب من الربان تمكينه من النتيجة النهائية للمباراة عبر اتصالاته مع برج المراقبة، الذي أخبره بالنتيجة والطائرة لم تغادر بعد المجال الجوي المغربي.
سياسيون ومسؤولون عشقوا الوداد
كان عاشق الوداد البيضاوي، عبد القادر بن جلون، حاضرا في أول حكومة للمغرب سنة 1955 أو ما يعرف بحكومة البكاي بن مبارك، وهي أول حكومة في المغرب بعد استقلاله عن فرنسا، عين عاشق الوداد وزيرا للمالية دون أن يقدم للفريق دعمه المالي بالرغم من انتظارات الوداديين. كما عشق الوداد أول وزير للصيد البحري في تاريخ المغرب بنسالم الصميلي، الذي اشتغل إلى جانب المعطي بوعبيد على الرغم من اختلافهما الكروي، فالوزير الأول السابق كان رجاويا وبنسالم عرف بعشقه للوداد، وهو أول مدير للجمارك بالمغرب سنة 1960، ثم رئيسا مديرا عاما لـ«كوماناف» وعاد في السبعينات إلى الجمارك، بل إنه كان وراء إقناع عبد الرزاق مكوار برئاسة الوداد.
لكن الوزير الأكثر حبا للوداد وإصرارا على معرفة نتائجه حتى خلال مهامه الخارجية، هو أحمد العسكي، الذي كان عاشقا للفريق الأحمر رفقة أفراد أسرته بالمدينة العتيقة للدار البيضاء، وحده شقيقه عبد اللطيف الذي خرج عن الإجماع العسكي وأصبح مسؤولا في الغريم الرجاء.
ويبدو أن الوداد كان أكثر الفرق استقطابا لكبار المسؤولين، من خلال مجموعة من رجال السلطة أبرزهم عبد العزيز العفورة، الذي مازال وفيا للفريق الأحمر، حريصا على حضور اجتماعات قدماء لاعبيه ومسيريه، والعامل السابق عزيز دادس الذي كان منخرطا في النادي، ناهيك عن سفراء كأحمد لشهب، سفير المغرب في روسيا، الذي ما زال يسأل عن أحوال الوداد واتحاد وجدة.
رجال سلطة متيمون بحب الرجاء
لا يتردد الرجاويون في الافتخار بانتماء رجالات الدولة للفريق، ويصرون على أن محمد حصاد، وزير الداخلية السابق، متيم بحب الرجاء البيضاوي، لكن العارفين ببواطن الأمور يؤكدون أن بداية الحب ترجع لفترة تعيينه في الدار البيضاء مديرا لمكتب استغلال الموانئ في الفترة ما بين 1985 و1993، المؤسسة التي كانت راعية للفريق الأخضر والتي شغلت في عهده العديد من اللاعبين، وتوطدت العلاقة بين الرجل والكرة بفضل وجود عدد من المسيرين الرجاويين الذي يتقاسمونه الانتماء لمنطقة سوس، على غرار امحمد أوزال وعبد الحميد الصويري ومحمد الضور، علما أن حصاد الذي شارك الفريق في كثير من احتفالاته من مواليد تافراوت، وله علاقات قوية مع المكون الأمازيغي داخل الرجاء.
وارتبط اسم صلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية والتعاون السابق، بفريق الرجاء الرياضي، فالرجل الذي لعب كرة السلة في المنتخب الوطني، ومارس مهمة مدير عام للنادي، بل وانخرط في فرع كرة القدم، إذ حضر الجموع العامة للفريق وصوت على الرؤساء المتعاقبين على تسيير دفة الرجاء، كما أنه يحضر بين الفينة والأخرى إلى معسكرات الفريق قبل أي بطولة أو مسابقة مهمة.
وهناك رجال سلطة آخرون عشقوا الرجاء كمحمد حلب الذي اشتغل واليا للدار البيضاء، ورافق الفريق في نهائي كأس عصبة الأبطال الإفريقية إلى تونس، وامحمد العطفاوي، عامل إقليم أزيلال.