حسن البصري
ناشدت فصائل «الألتراس» المساندة للرجاء الرياضي، زينب العدوي، رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، وطالبتها بافتحاص مالية فريقها و«معاقبة المفسدين الذين جعلوا من النادي مرتعا للاغتناء». في المدرجات رفعت لافتات تدين المسيرين وتوقظ ضمائر الصامتين.
قبل أن تسقط الرأس في الفاس، وجه منتدى لحقوق الإنسان بالدار البيضاء رسالة إلى رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، يطلب منها حث قضاتها على افتحاص مالية فريق الرجاء الرياضي، والبحث عن لغز صرف سبعة عشر مليار سنتيم في أقل من أسبوعين.
نعم في أقل من أسبوعين تبخرت الملايير، والعهدة على التقرير المالي، وتبين أن تدبير شؤون الكرة يقدم لطلبة مدارس التجارة والاقتصاد دروسا في كيفية صرف المال العام دون حساب.
بالأمس القريب حلت زينب العدوي بالبرلمان، ونشرت غسيل الأحزاب السياسية وكشفت إصرار الكثير منها على ابتلاع المال العام. وفي تقريرها حول الحسابات السنوية للأحزاب السياسية، انبعثت رائحة سوء تدبير الدعم السنوي الممنوح لها، والاختلالات التي ميزت الصرف، وتلاعب أحزاب بكرة الدعم الإضافي المخصص لإنجاز الأبحاث والدراسات، تبين أنه لا فرق بين مالية السياسة والكرة، وأن أولاد عبد الواحد كلهم واحد، جميعهم يسهرون على تدبير قطاع حيوي، لكن أين يسهرون؟ الله وحده يعلم.
غضب البرلمانيون من العدوي ومنهم من قاطع حصتها، كما يقاطع الكسالى حصة الرياضيات، وحين انتهت من تلاوة التقرير المفحم، اكتشفت أن المباراة تجرى أمام مدرجات فارغة في ما يشبه «الويكلو».
لا فرق بين الدعم الذي تقدمه الدولة إلى الأحزاب السياسية والدعم المقدم إلى الأندية الرياضية، الأحزاب تستفيد من ميزانية لتغطية مبارياتها الانتخابية، والأندية تستفيد من دعم لتدبير منافساتها الكروية. كيف يخضع السياسيون للافتحاص ويستثنى الرياضيون منه؟
الفرق الوحيد أن السياسيين يحاكمون بسبب اختلالاتهم ويساقون إلى السجون، ومسيرو الكرة في الملاعب والفنادق ينعمون.
لا يقترب قضاة مجالس الحسابات من مربع عمليات الكرة، خوفا من عرقلة أو «طاكل» سياسي، في زمن أصبحت كثير من الفرق دروعا للأحزاب، لكن الحاجة اليوم ملحة إلى خلق غرفة للرياضة في المجلس الأعلى وفروعه الجهوية، حتى يتوقف «تسمين» المسيرين واللاعبين والصحافيين المستفيدين من نظام «الجمع العام سيد نفسه».
لا فرق بين رؤساء الفرق المغربية والبرلمانيين، فهم يملكون حصانة من صناديق الاقتراع، من المنخرطين والناخبين وحسن أولئك رفيقا.
في ملاعب الكرة يتقاضى اللاعبون والمدربون منحا ورواتب وعلاوات بملايين السنتيمات، دون أن يقترب منهم محصلو الضرائب، ولا تخضع كشوفات حساباتهم للرقابة، بل يحاسبون فقط على فرصة أهدروها أو تمريرة أخطأت وجهتها، أو تشكيلة فقدت توازنها.
في كرة القدم تسقط الكثير من ثوابت التدبير الجاهزة، في ملاعبها وجموعها يذوب «لحساب صابون»، وفي أحسن الأحوال يتحول إلى مرهم يؤجل الآلام ومضاعفاتها، وتصبح المصادقة على تقرير مالي محشو بملايير السنتيمات، تحتاج فقط إلى تصفيقات المنخرطين نيابة عن ملايين المحبين.
حين عادت جحافل الجماهير الرجاوية إلى بيوتها تجتر ويلات الخيبات والنكسات، بعد سلسلة الإخفاقات الميدانية، ركب المسؤولون سياراتهم الفارهة واندسوا وراء زجاج نوافذها المظلم، وعادوا إلى قواعدهم غانمين.
لقد تبين أن الرجاء أصبح خاضعا لحكم ميليشيات تأخذ مواقعها خلف حواسيب، أو في خنادق مجموعات «الواتساب»، وهناك أجندات داخلية خارجية لصالح «حوثيي» الكرة، هناك مذاهب وملل، وهناك فئة ضد تدخل العصبة الاحترافية وأخرى ضد الحكماء وثالثة تحن لرئيس وعد الجماهير بتغيير المحرك ورفع سرعة السير، فانتهى به المطاف أسيرا في بلد «الفولكسفاغن».
الموقف الرجاوي كالعادة يمني النفس بدواء دون كشف، بتغيير دون حساب، فالعلاج بالكي لديه أهون من عملية تستأصل الزائدة الدودية.
من سره زمن ساءته أزمان.