شوف تشوف

الرأي

الرباط ومعرض الكتاب..

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

لا حديث هذه الأيام في عالم الكتب إلا عن نسخة المعرض الدولي للكتاب، الذي لن تُضاف الدار البيضاء لشعاره لأول مرة، لأن المسؤولين قرروا نقله هذه السنة إلى الرباط.

نقطة أخرى في سجل انتقادات أهل الدار البيضاء لأناس الرباط، فبعد «مؤاخذات» كرة القدم، والطباع واتهامات تضليل الغرباء، جاء الدور على المعرض الدولي للكتاب.

هل سبق أن نظمت نسخة من المعرض خارج الدار البيضاء؟ كل النسخ السابقة احتضنتها المدينة بصدر رحب. مكان المعرض، المجاور للبحر، وهو بناية عتيقة لا أحد للأسف شغل نفسه بمعرفة تاريخها. ورغم أن نسخ المعرض تشرف عليها وزارة الثقافة التي ترفع شعارا كل سنة تكرم فيه دولة تنصبها ضيفة على المعرض، إلا أننا لم نر أي توثيق لقصة هذا المعرض الدولي ونسخته الأولى ومن كان وراء إطلاقه ولا حتى قصة البناية الكبيرة التي تستضيف أروقته وزواره وكتبه كل عام.

أقدم نسخة تتوفر عنها معلومات، هي دورة سنة 1987، حيث تم إحياء سُنة المعرض الدولي للكتاب. لكن الحقيقة أن أول نسخة من هذا المعرض تعود إلى سنة 1951 واستمر لسنوات طويلة قبل أن يتوقف في «ظروف غامضة» من تلك الظروف التي تطمس كل ما هو فكري وثقافي، ليعود إلى الحياة مرة أخرى.

 إذ إن المسؤولين الفرنسيين في الدار البيضاء قرروا تنظيم معرض لبيع الكتب، ووجهوا الدعوة إلى الناشرين الفرنسيين وناشرين من العالم العربي. وتحت سقف البناية التي تحولت خلال فترة الحجر الصحي إلى مستشفى ميداني ساهم كثيرا في التقليل من آثار كورونا، كانت كبريات دور النشر الفرنسية، بداية الخمسينات، تبيع الروايات والموسوعات والكتب العلمية والأدبية والفكرية، وحتى كتب الترفيه والتسلية التي تروج لشمال إفريقيا على أنها مجرد مقاطعة فرنسية أخرى.

وقتها لم يكن هناك مجلس لمدينة الدار البيضاء، بل إدارة فرنسية، وتجربة خجولة سابقة لإشراك بعض الأعيان المغاربة في تدبير الشأن العام سرعان ما انتهت بالفشل وحلّها المقيم العام ليترك موضوع تدبير مدينة الدار البيضاء للإداريين الذين جاء بهم بنفسه من باريس.

خلال نسخ معرض الدار البيضاء للكتاب منذ 1951، كانت دور النشر الفرنسية تتنافس لبيع إنتاجاتها للرعايا الفرنسيين في المغرب. أما الزوار المغاربة فكان المعرض فرصة بالنسبة لهم لاقتناء الكتب الفكرية التي يقرأون عنها في الصحف والمجلات الثقافية القادمة من الشرق. وكان المعرض بالنسبة لهم موعدا ثقافيا حقيقيا ينتظرونه كل عام لاقتناء منشورات بيروت والقاهرة ودمشق وبغداد. وطبعا لم يكن مسموحا أبدا ببيع الكتب القومية المناهضة للاستعمار.

ففي الفترة نفسها التي كان يُنظم فيها معرض الكتاب، كان المثقفون المغاربة الحقيقيون يقبعون في المنافي سواء داخل المغرب أو خارجه. إذ إن رموز الحركة الوطنية الذين كانوا يكتبون في المجلات الثقافية العربية، مُنعوا من الكتابة في المغرب بقرار من المحاكم الفرنسية، بل أرسلوا إلى السجن لسنوات ومنهم من ماتوا في سجن القنيطرة المركزي أو سجن الرباط. وهناك آخرون تم نفيهم إلى قرى بعيدة عن المدن والمناطق التي يحظون فيها بشعبية كبيرة.

كانت الكتابة وقتها أمرا «جللا». ميلاد ديوان كان لا يختلف في شيء عن ميلاد حزب سياسي في بلد نال الاستقلال للتو. أما إصدار مجلة أو صحيفة سياسية، فكان يشبه دخول حرب أو مفاوضات لعقد هدنة مع بلد عدو. ورغم ذلك كان معرض الدار البيضاء «عرسا ثقافيا حقيقيا».

الآن وقد تقرر نقل المعرض إلى الرباط في نسخته المقبلة، يتساءل المهتمون بالكتب، والذين ينظر إليهم أغلب الناس كما لو أنهم كائنات فضائية غريبة، ما إذا كانت الرباط سوف تتبنى المعرض بشكل نهائي، أم أن الأمر يتعلق فقط بعطلة «مُستحقة» عن سنوات الخدمة الطويلة التي قضاها المعرض فوق أرضية الدار البيضاء المطلة على المحيط. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى