أسابيع بعد افتتاح معرض «الرباط تراث للإنسانية»، من طرف الأميرة للا حسناء، رئيسة مؤسسة «المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط»، في إطار الاحتفال بالذكرى العاشرة لإدراج الرباط في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، أصدرت المؤسسة كتابا خصصته للمعرض الحضري المذكور، لكي تسلط بواسطته الضوء على تراث الرباط ومواقعها المصنفة التي تشير المؤسسة إلى أنها ثمانية مواقع.
ومن خلال سلسلة من الصور التي تم انتقاؤها بعناية، تدعو المؤسسة متصفحي الكتاب إلى إلقاء نظرة جديدة على مدينة الرباط وتراثها.
واختارت المؤسسة افتتاح الكتاب / المعرض بمقتطف من خطاب ألقته الأميرة لالة حسناء بمناسبة انعقاد المجلس الإداري لمؤسسة «المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط»، جاء فيه: «هذا التاريخ الغني الذي هو جزء من هويتنا يحتاج إلى الحماية والتثمين، حتى تتمكن الأجيال القادمة من استلامه والاحتفاء به، كما اليوم، بنفس العزيمة والمتعة. ولهذه الغاية، وجب القيام بأعمال الجرد والصيانة ونقله من جيل إلى جيل».
بعدها تم عرض صور تحت تيمة «الرباط تراث للإنسانية»، بدءا بساحة «باب البحر»، حيث ينظم المعرض الحضري، ثم «باب الرحبة» والواجهتين البحرية والنهرية للمدينة العتيقة، فقصبة الأوداية بواجهتيها البرية وتلك المطلة على البحر، ومدخلها وبابها الكبير.
وفي تيمة المدينة الحديثة للقرن العشرين يعرض الكتاب/ المعرض كيف اختيرت مدينة الرباط في عام 1912 لتصبح عاصمة المغرب، نظرا إلى موقعها الجغرافي المتميز بين مدينتي فاس والدار البيضاء، مضيفا أن أول مخطط حضري للرباط أسس لمدينة خضراء ذات خصائص عمرانية متميزة، معتبرا المدينة الحديثة مثالا بارزا للتخطيط الحضري الذي سلط الضوء على فنون الهندسة المعمارية المغربية الأصيلة.
ويعرض الكتاب صورا تبين كيف تم مزج الهندسة المعمارية الحديثة مع الفن التقليدي المغربي.
ويخصص الكتاب/ المعرض حيزا مهما لحي الحبوس وديور الجامع، الذي يقع على بعد مئات الأمتار من باب الحد بمحاذاة شارع الحسن الثاني، والذي شرع في بنائه سنة 1918 ولم ينته إلا في أربعينيات القرن العشرين. ولا شك أن صور حي الحبوس وديور الجامع سـتأخذك في نوستالجيا عميقة، سواء كنت من سكان الرباط أو زائريها على السواء، فالمنازل التقليدية ودور العبادة ومدرسة الحبوس والأقواس والنوافذ وحتى الأبواب هي تحف معمارية حقيقية.
صور حديقة التجارب النباتية تنقل المتصفح إلى إحدى أكبر الحدائق العمومية بمدينة الرباط، التي تم إنشاؤها سنة 1914 وقيدت كمعلمة تاريخية عام 1922.
وتنتظم الحديقة، وهي من تخطيط وتصميم جان كلود نيكولا فوريستيي، حول محور كبير للراجلين يمتد من الشمال إلى الجنوب، ويضم فصيلة رائعة من أشجار التينيات. وتتكون الحديقة من جزأين يفصلهما شارع النصر، كما يخصص جزء من الحديقة لتجارب التأقلم والتكيف لعدة أنواع من نباتات الزينة والفاكهة المختلفة.
وعلى مساحة 90 هكتارا تتربع المدينة العتيقة، بجوار قصبة الأوداية يحيط بها المحيط الأطلسي والسور الأندلسي ونهر أبي رقراق والسور الموحدي. وفي صور يظهر تنوع التأثيرات الأندلسية التي أغنت نسيج المدينة العتيقة المعماري، فمن الملاح إلى زنقة القناصل والمباني الدينية والدور السكنية وزنقة القناصل، فضلا عن الأسوار التاريخية المحيطة بها.. كلها تشهد على قيمة عمرانية متميزة.
مسجد حسان وضريح محمد الخامس يعدان أيقونتين ورمزين حضريين للمدينة، فصور صومعة حسان تظهر عبق التاريخ في فناء مسجد بباحة تتوسطها صفوف من الأعمدة الأسطوانية، فيما زادها بناء ضريح محمد الخامس رونقا، بحضور متسق ومتناغم للفنون الزخرفية المغربية التي تنم عن إبداع فني أصيل وتستلهم معارف ومهارات تطورت وانتقلت عبر قرون.
الأسوار والأبواب الموحدية التي تشكل الآثار المتبقية من رباط الفتح، المدينة العظيمة التي خططت لتأسيسها الدولة الموحدية، كما شكلت القاعدة الأساسية لأول مخطط عمراني لمدينة الرباط الجديدة، بداية القرن العشرين.
يعود الكتاب/ المعرض لقصبة الأوداية أو قصبة المهدية التي تختزل تراثا عمرانيا وثقافيا هاما راكمته على أكثر من ألف سنة، كما تعتبر موقعا خلابا ومقصدا رائعا لعدد كبير من الفنانين التشكيليين، وهذا أمر يلمسه متصفح صور الكتاب، سيما أنه قسم مآثر القصبة إلى عدة فترات تعين القارئ على استجلاء تاريخ المدينة، فنجد مآثر الفترة المرابطية، تليها الفترة الموحدية، فالمآثر الموريسكية ثم العلوية.
بخصوص موقع شالة الأثري يعتبر الكتاب أنه لم يبح بعد بكل أسراره، إذ لم تشمل الحفريات سوى أربعة هكتارات من مساحة المدينة، التي يعود تاريخها إلى الفترة الرومانية، والتي يرجح الباحثون أن مساحتها الإجمالية ربما تبلغ 23 هكتارا تمتد إلى خارج السور المريني.
ويختم الكتاب/ المعرض بصور عن المنطقة العازلة، والتي تشمل المدينة العتيقة لسلا وثلاث مقاطعات تابعة لمدينة الرباط، هي حسان، اليوسفية وأكدال – الرياض.