الراهبات الفرنسيات كُن يزوجن نزلاء دار الأيتام بتارودانت
يونس جنوحي
تارودانت، عاصمة سوس. وتعكس روح التاريخ العاصف للمنطقة. حوالي عشرة آلاف شخص يعيشون خلف أسوارها الساحرة، المبنية بالتراب البُني-
عند حلول ساعة الغسق، يتغير لون الأسوار من لونها الشبيه بلون أبقار منطقة «جيرسي»، ليتحول إلى ما يشبه لون الشوكولاتة الداكنة- لكن قبل أزيد من قرن، كان عدد السكان يتجاوز الخمسين ألف نسمة.
المنطقة معروفة بأنها أرض تُنتج اليد العاملة في فرنسا -الرجال المحليون هنا لديهم سُمعة جيدة جدا باعتبارهم عمالا في حقل التنقيب عن المعادن أو المناجم، والآلاف منهم يُهاجرون إلى فرنسا- أعداد منهم يعودون، رغم ذلك، أحيانا، بزوجة فرنسية.
في المغرب، مُعدل الأجور أقل من المعدل الفرنسي. لكن في فرنسا، يحصل المغاربة على الأجر المحلي الاعتيادي. وهكذا، يمكن للمغربي أن يربح ما مقداره خمسة وخمسين ألف فرنك شهريا. يعيش ببساطة، ويُرسل خمسة وثلاثين ألف فرنك شهريا لبلده، وبعد ثلاث أو أربع سنوات، يعود إلى سوس لكي يشتري مزرعة.
العدد المتضائل لسكان تارودانت يعني أنه رغم وجود تجمع واحد من الشوارع الضيقة التي توجد بها المنازل، إلا أن الأسوار تُحيط بالأشجار والحدائق، وهو ما يبعث على الارتياح.
كان فناء الفندق، الذي استضافني، عبارة عن كُتلة مزدحمة من خُضرة العشب والألوان. لم أفاجأ عند معرفة أن البناية كانت في السابق قصرا للسلطان. وأن غُرفتي كانت تسكن بها شابات جناح الحريم.
الجذب السياحي لتارودانت لم يكن مميزا لكن المرافق السياحية تُشكل مجالا مفيدا للدراسة. كان هذا المكان نموذجا جيدا لمدينة صغيرة في الأرياف. وكان بها عدد من المدارس الابتدائية، ومدرسة واحدة للمهن، يدرس بها 525 تلميذا، معظمهم من أبناء المدينة، وبعضهم فرنسيون. وهؤلاء يتخصصون في دورات تعلم الحرف اليدوية. يشتغلون على الخشب والمعدن، وفي معظم الأنشطة الزراعية.
ثم هناك مجهود تعليمي آخر أكثر إثارة للاهتمام. هناك راهبات وأخوات فرنسيات، من نظام «الفرانشيسكان»، يستقرن بدار للأيتام، ويعتنين بالأطفال الذين فقدوا آباءهم أو تخلوا عنهم. وهؤلاء المُتخلى عنهم مثيرون فعلا للشفقة، إذ إنه من النادر أن يتم التخلي عن طفل، ما لم يكن هناك عيب خطير به.
يتم الاحتفاظ بالبنات، ويتلقين تعليمهن، إلى أن يصلن إلى سن الزواج، فيما يتم الاحتفاظ بالأولاد إلى أن يصبحوا قادرين على كسب قوتهم بأنفسهم.
ليس من النادر أبدا أن يتزوج الأيتام في ما بينهم، في ما بعدُ، إذ إن السمعة المحلية لدار الأيتام كبيرة جدا، لأن الشاب يأتي إلى الأم الموقرة، ليطلب منها أن تختار له زوجة. وهي، رغم ديانتها المسيحية، إلا أنها تتبع التعاليم الإسلامية وتُلبس الفتاة الحجاب. ورغم ذلك فإنها ترفض السماح بإجراء الزواج «الأعمى». يلتقي الشابان وهي حاضرة معهما، عدة مرات قبل إجراء أي اتفاق.
حدث مرة أن زُرت المستشفى المحلي. يتوفر مستشفى تارودانت على 200 سرير، كلها مخصصة للمغاربة. المرضى الفرنسيون عليهم أن يذهبوا إلى أكَادير. ظروف الاشتغال كانت بسيطة. لكن بالنسبة إلى أغلب المرضى، تكون تلك المرة الأولى التي ينامون فيها فوق الأسِرة، وتحت الملاءات. طبيبان فرنسيان يعملان لساعات طويلة مُحاربين تقريبا كل الأمراض المعروفة.
يقول أحدهما:
«باستثناء معظم الأوبئة الكبرى، فإنه حدث أن أهلك التيفوس والطاعون السكانَ دوريا. لكننا سيطرنا عليهما الآن.
لقد كانت عودتهما خلال الحرب قوية. عندما كان السكان لا يتوفرون على الصابون، وملابس قليلة، وقلة من الإمدادات الطبية. وبالتالي أصبح هناك الكثير من الطفيليات. ومنذ ذلك الحين، فقد حققت منظمة DDT، بعض المعجزات الصغيرة».