الراقصة واليخت
خلال هذا الأسبوع الذي نودع لا شيء شغل بال جزء كبير من المغاربة على اختلاف طبقاتهم أكثر من سؤال من هم أولئك الرجال والنساء الذين ظهروا في شريط مسرب يرقصون ويشربون في عرض البحر على متن يخت.
وعوض أن ينشغل الناس بصور وأشرطة مسربة من مستشفى ابن زهر بمراكش تكشف وجها مظلما من وجوه المستشفيات العمومية في زمن كورونا، رأينا كيف انشغلوا برقاصة ويخت في عرض المتوسط.
في البدء، وبسبب شبه ظاهر مع شخص في الشريط، انتشر اسم مدير المكتب الشريف للفوسفاط مثل النار في الهشيم وكتبت صفحات منصات رقمية ومواقع تقتات على الشائعات والأخبار الزائفة تعليقات نارية تخلط اسم الرجل بتهم لا حصر لها، قبل أن يتضح أن الخبر زائف.
عدا الرقاصة، التي جابت شهرتها وسمعتها الآفاق، لم يكن وسط هؤلاء القوم وجه معروف، ولو لم يصور أحدهم تلك القصارة البحرية ويتقاسمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لما سمع أحد بالأمر.
وربما لا يعرف من قام بفعل التصوير والنشر أنه يقع تحت طائلة القانون ويكفي أن يضع أحد الذين ظهروا في الشريط شكاية لكي تتم متابعته بالفصل 447 والذي ينص على أنه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 2.000 إلى 20.000 درهم كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها.
شخصيا أرى أنه ليس لأحد الحق في التدخل في الحياة الخاصة للمواطنين، وأن الوحيد الذي لديه الحق في التدخل في حالة ما إذا كانت سلوكيات وتصرفات هؤلاء المواطنين مخلة بالقانون أو الآداب العامة هي الجهة المكلفة بإنفاذ القانون.
وبناء عليه فليس هناك ما يمنع أشخاصًا من ممارسة حريتهم في مكان خاص. المشكلة أن هناك من قرر أن يخرج هذه الخصوصية من إطارها الحميمي إلى العلن لتصبح فرجة عمومية.
هنا يمكن أن نطرح أسئلة حول الدوافع التي حركت النشر والمستهدف من العملية.
أعتقد أن هناك من يبحث لكي يلعب بمادة شديدة الانفجار اسمها الحقد الطبقي.
في المغرب هناك أغنياء قدماء وجدد يعيشون حياة الترف والرفاهية دون إحساس بالآخرين، لكن هناك أغنياء يشتغلون بعرق جبينهم ويشغلون معهم مئات الآلاف من المغاربة ويدفعون الضرائب ويحركون اقتصاد البلد ويساهمون من مالهم عندما يحتاجهم بلدهم.
والفكرة الرائجة التي مفادها أن كل الأغنياء مصاصو دماء وكل الفقراء ملائكة مجنحون هي فكرة خاطئة وظالمة ومضللة.
الأغنياء ضروريون في أي بلد، فهم من يستثمر ومن يخلق فرص الشغل ومن يحرك عجلة النمو. وطالما أن الأغنياء يدفعون ضرائبهم ويلتزمون بالواجبات الاجتماعية التي عليهم مع مستخدميهم فيحق لهم أن يتمتعوا بثرواتهم وأن يعيشوا كما يحلو لهم في إطار ما يسمح به القانون.
لذلك فتصوير الأغنياء كطبقة تعيش خارج الزمن وتحميلهم مسؤولية البؤس والفقر الذي تعيشه طبقات واسعة من المجتمع ليس في صالح أي طرف. خصوصًا في هذه الظروف الصعبة التي يعول فيها الجميع على تضامن الميسورين وكرمهم لتجاوز هذه المحنة.
وهناك نوع من المغاربة لديهم مشكل مع المال، مع من يملكونه تحديدا. فأنت طيب ومحبوب طالما أنك فقير وإمكانياتك محدودة وتستعمل وسائل التواصل العمومية وتعيش في منزل بائس. لكن بمجرد ما تجد وتكد وتنجح في حياتك وتحسن وضعيتك ويصبح لديك منزل وسيارة ووضع اجتماعي جيد حتى تكتشف أن أعداءك زاد عددهم وأنك أصبحت خصمًا هكذا وبدون سبب.
وبشكل عام لدينا مشكل مع النجاح والناجحين، فنحن نعتبر نجاح الآخرين هو سبب فشلنا.
وإذا كان لدينا في المغرب أثرياء يعيشون حياتهم بعيدا عن الأعين فإنه لدينا بعض الأغنياء يتخذون من استفزاز الفقراء رياضتهم المفضلة، فبعض من استطاع أن يتسلق السلم الاجتماعي ونجح في التسلل الطبقي يفكر أول ما يفكر فيه في استعراض ممتلكاته على الناس.
إن الخوف من الفقر والرغبة المرضية في الاغتناء هو ما يدفع الكثير من سكان الطبقة الوسطى إلى اللجوء إلى كل الوسائل الكفيلة بتحقيق طموحهم وطرد هواجسهم، بما في ذلك الوسائل غير النظيفة، وهذا ما يفسر «تربع» المغرب على سلم الفساد والرشوة وباقي الآفات الاجتماعية التي ينتجها الطامعون في الثروة من أبناء هذه الطبقة المتوسطة. لهذا السبب لدينا طبقة وسطى كل هم بعض أبنائها هو الالتحاق بطبقة الأثرياء والركض أكثر ما يمكن بعيدا عن طبقة الفقراء.
ودائما أقول إن الفقراء الحقيقيين في المغرب ليسوا هُم أولئك الذين يمدون أيديهم في الشوارع ويأكلون بالمجان ويسكنون في بيوت عشوائية ولا يدفعون ثمن الكراء ويسرقون الكهرباء من الأعمدة ويشربون الماء من السقاية بالمجان، بل الفقراء الحقيقيون في المغرب هم أولئك الموظفون والمستخدمون الذين يدفعون أقساط كراء شققهم الاقتصادية للبنوك ويؤدون فواتير الماء والكهرباء والضرائب للدولة ومصاريف دراسة الأطفال في المدارس الخاصة ويعالجون في المصحات الخاصة، ويصلون نهاية الشهر وجيوبهم فارغة.
هؤلاء هم الفقراء الحقيقيون الذين تجوز فيهم الصدقة، وليسوا أولئك الذين تراهم يسكنون في الأحياء العشوائية ولا يدفعون الضرائب لأحد ويقضون النهار يجمعون الصدقات، أو يشتغلون في القطاع غير المهيكل، وفِي الأخير عندما تريد السلطات إفراغها يسجلون أنفسهم في لوائح الداخلية ويحصلون على بقع لهم ولأبنائهم، ومنهم من يبيعها وينتقل إلى حي عشوائي جديد لكي يستمر في العيش دون دفع أية فاتورة لأي أحد.
لذلك فتعريف الفقر في المغرب يجب أن يخضع للتدقيق، فليس كل من يتسول فقيرا، فالتسول في المغرب مهنة تدر المال، وليس كل من يقطن حيّا صفيحيا فهو فقير، وكم من ساكن بيت قصديري لديه ممتلكات عقارية يستغلها ولديه أبناء يشتغلون في الخارج يبعثون إليه حوالات كل شهر.
الفقير الحقيقي هو الذي يحسبه الجاهل غنيا من فرط التعفف، وهؤلاء يعدون بالملايين في المغرب، تراهم فتحسبهم أغنياء فيما هم يتقطعون جوعا. هؤلاء هم من يجب على الدولة أن تساعدهم لأنهم فعلا يستحقون المساعدة.