الذكرى الـ19 لعيد العرش…سنة حافلة تنضاف إلى 18 سنة من الإنجازات والمشاريع التنموية
الأخبار
تحل اليوم الاثنين (30 يوليوز 2018)، الذكرى التاسعة عشرة لتولي الملك محمد السادس العرش. وأهم ما ميز هذه السنة هو استمرار المشاريع التنموية في مختلف المجالات، لتنضاف إلى حصيلة الإنجازات الكبرى التي تحققت بالمغرب على مدى السنوات الأخيرة، والتي عرفت محطات نوعية في تاريخ المغرب، لإرساء أسس مجتمع ديمقراطي حداثي قوامه التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبدأت هذه التحولات الكبرى مع تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة، مرورا بتعديل مدونة الأسرة، وإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ثم تعديل الدستور سنة 2011، الذي فتح الباب أمام إصلاحات سياسية كبرى شملت جل القطاعات، وأحدثت ثورة هادئة في ظل محيط إقليمي وجهوي مرتبك وغير مستقر.
ترسيخ المسار الديمقراطي وتوطيد النموذج التنموي
تمكن المغرب، خلال السنوات الأخيرة، من ترسيخ مساره الديمقراطي، وتوطيد دعائم نموذج تنموي مندمج ومستدام، يقوم على المزاوجة بين المشاريع الهيكلية، والنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة. وأكد الملك محمد السادس، في خطاب بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، أنه «لا يمكن لأي دولة أن تنتقل، بين عشية وضحاها، من مرتبة إلى أخرى، وإنما باستثمار التطورات الإيجابية التي راكمتها عبر تاريخها»، مضيفا أن الاقتصاد الوطني عرف تحولا عميقا في بنيته، وتنوعا كبيرا في مجالاته الإنتاجية، وحقق نسبة نمو مرتفعة وقارة، وتمكن من الحفاظ على التوازنات الكبرى، رغم تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية.
ومكنت الاستراتيجيات القطاعية من تحقيق نتائج ملموسة، ساهمت في وضوح الرؤية، وفي إعادة تموقع الاقتصاد الوطني على الصعيدين الجهوي والدولي، من قبيل مخطط «المغرب الأخضر» ومخطط «أليوتيس»، اللذين ساهما في حصول المغرب على جائزة المنظمة العالمية للأغذية والزراعة، لبلوغه أهداف الألفية، المتعلقة بمحاربة الفقر والمجاعة، سنتين قبل الموعد المحدد لها، وذلك لما يقومان عليه من توازن بين المشاريع الكبرى، ذات المردودية العالية، وبين تشجيع الفلاحة المعاشية والتضامنية، والصيد التقليدي، واعتبارا لدورهما في تحسين الدخل بصفة دائمة. كما أن مخطط الإقلاع الصناعي، الذي يرتكز على مقاربة مندمجة، بما فيها توفير التكوين المهني المناسب، مدعوما بالنقلة النوعية، التي حققها القطاعان التجاري والمالي، والاقتصاد الرقمي، ساهم أيضا في تعزيز مكانة الاقتصاد الوطني، على الصعيد القاري. وتعززت جاذبية الاقتصاد الوطني، كذلك، بفضل الجهود المتواصلة، لتحسين مناخ الأعمال، وإحداث أقطاب اقتصادية تنافسية، من أهم الدعامات، التي تقوم عليها الاقتصادات الصاعدة، الارتكاز على التنمية المستدامة، والاستفادة من الفرص التي يتيحها الاقتصاد الأخضر. وشهد مجال الطاقات المتجددة نقلة نوعية، نتيجة المشاريع الكبرى التي تم إطلاقها، بالإضافة إلى اعتماد استراتيجية النجاعة الطاقية، وسياسة طموحة لتعبئة الموارد المائية. وبذلك يكون النموذج التنموي المغربي قد بلغ مرحلة من النضج تجعله مؤهلا للدخول النهائي والمستحق ضمن الدول الصاعدة.
الحقل الديني.. إصلاح ضمن الأولويات
أعطى الملك محمد السادس أولوية خاصة لتأهيل الحقل الديني وإحياء دور المساجد وبعث رسالتها في تأطير المواطنين والمواطنات، إذ، بعد إعطاء الانطلاقة لبرنامج محو الأمية في المساجد، سنة 2000، أعطى الملك، خلال السنة الماضية، انطلاقة برنامج محو الأمية في المساجد بواسطة التلفاز والإنترنيت. وواكب الحقل الديني إطلاق أوراش الإصلاح التي فتحها المغرب في شتى المجالات خلال العشر سنوات الأخيرة، ومنها خطة الإصلاح الديني، حيث شكلت الاستراتيجية التي أعلن عنها الملك محمد السادس سنة 2004، البداية الحقيقية لتأهيل الحقل الديني وتجديده، تحصينا للمغرب من نوازع التطرف والإرهاب وتحفظ له هويته المتميزة بالوسطية والاعتدال والتسامح، ليكشف سنة 2008 عن محاور خطة لإصلاح الحقل الديني، وإعادة النظر في خريطة المجالس العلمية المحلية ليجري تعميمها ليكون لكل إقليم أو عمالة مجلسها العلمي بهدف الحفاظ على خصوصيات وتقاليد أهل كل منطقة والتجاوب مع تساؤلاتهم الدينية، لتتوج خطط إصلاح الحقل الديني بالظهير الشريف المتعلق بتنظيم مهام القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم.
المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.. ورش متواصل
تعتبر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من أبرز المشاريع الملكية الكبرى التي عرفها المغرب خلال السنوات الأخيرة. وينبثق هذا الورش الملكي المفتوح باستمرار عن منظور شامل لبناء مغرب حديث يتمحور حول التنمية البشرية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فبالنسبة للنتائج التي جرى تحقيقها، استطاعت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، منذ انطلاقتها، وبفضل تضافر جهود مختلف الفاعلين، تحقيق نتائج إيجابية كانت في مستوى التطلعات، كما دشنت نمطا جديدا للحكامة من خلال هندسة تنظيمية متميزة تعتمد على لجن جهوية وإقليمية ومحلية للتنمية البشرية، تتشكل من المنتخبين والفاعلين الجمعويين وممثلي الإدارات والمصالح الخارجية بنسبة الثلث لكل فئة. وتعمل مختلف هذه اللجن على انتقاء المشاريع، التي أفرزتها المقاربة التشاركية التي عبر من خلالها السكان المستفيدون عن أولوياتهم واحتياجاتهم، حيث مكنت المبادرة من تعبئة كافة الفاعلين في مجال التنمية، وإدماجهم في مختلف مراحل اتخاذ القرار واختيار المشاريع وإنجازها وتتبعها. ومن خصوصيات حكامة المبادرة ثقافة الشفافية والمحاسبة، وتعزيز آليات التتبع والمراقبة، وتقييم المشاريع وتبني التخطيط التصاعدي، والمشاركة وبلورة علاقة جديدة بين السلطات والمنتخبين والمصالح الخارجية والنسيج الجمعوي، مع العمل على تحقيق التكامل والانسجام بين البرامج القطاعية ومخططات التنمية الجماعية مع مشاريع المبادرة، بالإضافة إلى توسيع مشاركة النساء والشباب والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في أجهزة الحكامة. ونظرا للوقع الإيجابي لهذه المبادرة في مرحلتيها الأولى والثانية، تم إطلاق المرحلة الثالثة، وهذا يدل على أهمية الرهان وحجم التحديات التي تواجهها المبادرة، التي تتسم بتعبئة موارد مهمة، وتوسيع قاعدة الاستهداف المجالي والفئوي ومجال الاختصاصات.
المغرب تحول إلى أوراش اقتصادية مفتوحة
منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999، تم تجسيد رؤية متجددة للشأن الاقتصادي للمملكة، بدأت بإحداث المراكز الجهوية للاستثمار، وتوالت في ما بعد الاختيارات الاستراتيجية التي هيكلت الشأن الاقتصادي بالبلاد، مع الحرص على إدراج السياسات الاقتصادية في إطار أفق استراتيجي يحقق أهداف التنمية، والإنتاج والتشغيل بعلاقة كذلك بمصالح المغرب الخارجية، عبر توطيد العلاقات الاقتصادية مع أبرز شركاء المغرب سواء في الشمال، مثل الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، أو مع المحيط الجنوبي المتمثل في الدول الإفريقية. وبتقييم كل ما تم إنجازه، يمكن استخلاص الأشواط الكبيرة والمهمة التي قطعها المغرب، وهو ما جعله يكتسب مع الوقت مناعة أكبر مقارنة مع دول الجوار.
تحول المغرب إلى بلد يحتضن أهم أوراش المهن العالمية، وذلك من خلال برنامج الإقلاع الاقتصادي، حيث حدد عددا من المهن العالمية الجديدة للمغرب، التي تتوخى الرفع من القيمة المضافة الصناعية بما يثمن الصادرات المغربية ويقلص من عجز الميزان التجاري، بناء على إمكانيات المغرب التنافسية. وأعطى الملك، خلال السنة الماضية، الانطلاقة الرسمية للبرنامج الوطني لتسريع الإقلاع الصناعي، وهو الذي يتوخى اعتماد مقاربة اندماجية بين المقاولات الكبرى والصغرى والمتوسطة، مع تأهيل وتطوير الصناعات الكلاسيكية للمغرب على غرار الصناعات التحويلية، وهو ما ينتظر منه تقوية مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام.
اهتمام كبير بالفلاحة والفلاحين
يعتبر مخطط «المغرب الأخضر» من أبرز أدوات التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر وضمان الأمن الغذائي، خاصة أن القطاع الفلاحي يعد أحد المحركات الأساسية للاقتصاد الوطني، كونه يمثل 19 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ويشغل 40 في المائة من السكان النشطين، كما يعد مصدر دخل لـ 80 في المائة من السكان القرويين، ويساهم سنويا بنسبة 11 في المائة من القيمة الإجمالية للصادرات.
ونظرا للأهمية القصوى التي يحظى بها هذا القطاع، باعتباره دعامة أساسية للتنمية القروية، وبهدف استغلال كل المؤهلات الفلاحية الوطنية، تم إطلاق مخطط «المغرب الأخضر» سنة 2008 تحت إشراف الملك محمد السادس، ويهدف إلى تعبئة ما يقارب 150 مليار درهم كاستثمار إجمالي في أفق سنة 2020، مع مضاعفة القيمة المضافة للقطاع بـ 2.5. وتتلخص تحديات هذا المخطط في التنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر والأمن الغذائي، مع الأخذ بعين الاعتبار التدبير المستدام للموارد الطبيعية.
وتحظى الفلاحة التضامنية بعناية خاصة في إطار هذا المخطط، عبر بلورة عدة مشاريع تضامنية تخص جميع سلاسل الإنتاج، أخذا بعين الاعتبار الظروف الطبيعية والمؤهلات الفلاحية للمناطق الهشة والجبلية والواحات والهضاب والسهول شبه الجافة، وكذا المواكبة عن قرب للفلاحين المستفيدين. ولبلوغ الأهداف المسطرة في إطار مخطط «المغرب الأخضر»، تمت برمجت 545 مشروعا تضامنيا على مستوى مختلف أقاليم المملكة في أفق 2020، باستثمار إجمالي يقدر بـ 20 مليار درهم لفائدة 855.000 فلاح صغير.
وتهدف الإجراءات الأفقية في إطار مخطط «المغرب الأخضر»، إلى تحسين الظروف الإطار لمواكبة تنمية السلاسل النباتية والحيوانية في المناطق الهشة وتحسين دخل الفلاحين. وفي هذا الإطار، تم اعتماد نظام التجميع الفلاحي حلا أساسيا للإشكالية العقارية للفلاحة الصغرى، وإعطاء انطلاقة عمليات كبرى لتعبئة مياه السقي لفائدة صغار الفلاحين، وإصدار قانون التنظيمات البيمهنية الذي ينظم مجالات تدخل كل الفاعلين على مستوى سلاسل الإنتاج ويمكن من الإدماج الفعلي لصغار الفلاحين، وكذا إبرام عقود البرامج بين الدولة والتنظيمات البيمهنية، ووضع آليات تمكن صغار الفلاحين من الولوج للأسواق.
مراجعة النموذج التنموي.. رغبة ملكية ملحة
أكد الملك محمد السادس أن النموذج التنموي لم يعد قادرا على الاستجابة للمطالب والحاجيات المتزايدة للمواطنين، ولا على الحد من الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية، وبالتالي على تحقيق العدالة الاجتماعية، مشيرا جلالته إلى أن النموذج ساهم في تحقيق العديد من المكاسب والمنجزات الاقتصادية والاجتماعية الملموسة.
ودعا الملك، في رسالته التي وجهها إلى المشاركين في أشغال المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية، والذي نظمه مجلس المستشارين، إلى التطلع لبلورة رؤية مندمجة للنموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي ببلادنا، ولمنظومة الحكامة المركزية والترابية، في كل أبعادها، بما في ذلك المنظومة القانونية التي تؤطره، رؤية كفيلة بإعطائه دفعة قوية، وتجاوز العراقيل التي تعيق تطوره، ومعالجة نقط الضعف والاختلالات التي أبانت عنها التجربة. ودعا الملك كافة الفاعلين، إلى الأخذ بعين الاعتبار التغيرات المجتمعية التي يشهدها المغرب، وذلك عبر وضع مسألة الشباب في صلب النموذج التنموي المنشود، والتفكير في أنجع السبل من أجل النهوض بأحوال شبابنا، باعتبارهم الرأسمال الحقيقي لبلادنا، وثروته التي لا تنضب.
وقبل ذلك، وجه الملك محمد السادس، بمناسبة الدخول البرلماني، خطابا حازما وطليعيا يقطع مع جميع المقاربات الضيقة للمبادرات العمومية من أجل إرساء سياسة تستلهم من الحاجيات الحقيقية للمواطنين. وشدد الملك، في هذا الخطاب التوجيهي للعمل البرلماني والحكومي، على أن جميع الفاعلين مدعوون للتحلي بالموضوعية، وتسمية الأمور بمسمياتها، دون مجاملة أو تنميق، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، دون أن ننسى أهمية إصلاح يندرج ضمن السيرورة الزمنية، ويبتعد قدر الإمكان عن الطرق التقليدية المعتمدة حتى الآن. ورسم الخطاب الملكي، القائم على مفهوم المسؤولية، معالم مسيرة جديدة لمغرب الغد. هذا المغرب الجديد الذي يريده جلالة الملك بلدا تسوده المساواة والعدالة الاجتماعية لفائدة جميع المغاربة، بدون استثناء، بلدا تختفي فيه الفوارق على مستوى التنمية البشرية والاجتماعية والترابية.
وحث الملك محمد السادس، بقوة، الحكومة على المبادرة من أجل تجاوز العقبات التي تعرقل تطور النموذج التنموي الوطني وتقديم الحلول للاختلالات التي تحد من فعاليته. كل ذلك، مع التشبث بمبادئ الديمقراطية التشاركية، حيث تجد الكفاءات من جميع الآفاق والقوى الحية للأمة مكانها، إلى جانب ممثلي المؤسسات الوطنية، وقال في هذا الصدد: «إننا نريدها وقفة وطنية جماعية، قصد الانكباب على القضايا والمشاكل، التي تشغل المغاربة، والمساهمة في نشر الوعي بضرورة تغيير العقليات التي تقف حاجزا أمام تحقيق التقدم الشامل الذي نطمح إليه».