الديبلوماسية الروحية
حسن البصري
توصل مندوبو وزارة الشؤون الإسلامية بمذكرة تدعو إلى حياد المساجد والقائمين عليها في الجانب السياسي، كما دعت المذكرة القيمين الدينيين إلى تفادي الدعاية السياسية لفائدة حزب أو شخص. ونبهت من ترشيح أحد من القيمين الدينيين للانتخابات، والتعجيل بإعفائه من مهام الخطابة والإرشاد، إذا ظهرت عليه أعراض «البوليتيك» وأصبح مخالطا للمرشحين.
وقبل هذه المذكرة بسنوات صدر ظهير يمنع اختراق السياسة للمساجد، ويمنع خطباء المساجد من الخوض في أمورها، كما أعقبته قرارات الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، التي تصدت للبرامج الدينية التي يتجاوز فيها الإفتاء حدود نواقض الوضوء إلى نواقض السياسة.
لكن المرة الوحيدة التي سمح فيها للقائمين على الشأن الديني في المغرب بتسييس خطب الجمعة، تعود إلى عام 2011، حيث تم إلزام الأئمة بشرح مزايا الدستور في خطبهم ومنتدياتهم.
لكن الجارة الشرقية أصبحت تمارس اليوم نوعا من الديبلوماسية الروحية، مستغلة منابر صلاة الجمعة لتواصل تحرشها بقضية الصحراء، وضبط عقارب أدمغة الخطباء على معاداة الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
راسلت وزارة الأوقاف الجزائرية أئمة المساجد في عموم التراب الجزائري من أجل الحديث عما أسمته «العداء القادم من الغرب»، وفق ما تبرزه وثيقة رسمية، ربطت فيها السلطات قضية فلسطين بنزاع الصحراء، متمسكة بالخط نفسه للعداء للمغرب.
تشير الوثيقة بالغمز واللمز إلى المغرب، الذي اعتبرته «بلدا استعماريا»، وهو الخطاب نفسه الذي يتبناه حكام الجزائر وجبهة البوليساريو في مختلف المحافل الدولية. لكن ليست هذه المرة الأولى التي يورط فيها عساكر الجزائر رجال الدين ويقحمونهم في معارك خاسرة، بل إن المناهج التعليمية للابتدائي تتضمن اليوم دروسا تزرع بذور العداء في صفوف الناشئة.
الحرب الدينية بين البلدين وصلت مداها، حين قرر الرئيس «المحنط» عبد العزيز بوتفليقة بناء مسجد يفوق علو صومعته منارة مسجد الحسن الثاني، كان حلمه أن يحاكي الملك الراحل ويحمل مسجد كبير اسمه، لكن الحراك الشعبي ركله خارج معترك الحكم، وكاد المسجد أن يحمل اسم الرئيس الحالي لولا الألطاف الربانية وتنبيهات المستشارين، ليحمل أخيرا اسم «مسجد الجزائر»، بل إن الألطاف الربانية ذاتها حالت دون حضور تبون في ليلة التدشين، حيث كان في ضيافة كورونا.
لم يبن هذا الصرح الديني للشعب الجزائري، بل أريد به النفخ في مجمر السياسة، حيث أراد عبد العزيز بوتفليقة من خلاله «منافسة الجار المغربي، وإدراجه كإنجاز في سيرته الذاتية»، خاصة حين لاحظ أن كل بعثة رياضية تحل بالدار البيضاء، إلا وتصر على زيارة مسجد الحسن الثاني، حتى أضحى مزارا للجزائريين.
الغريب في هذه النازلة، ما صرح به بوزيد بومدين، الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر، حين قال: «سنحاول الاستفادة سياسيا من هذا الصرح الديني، وتوحيد الفتوى بعدما كنا نستورد الفتاوى ذات الطابع السياسي». لقد شهد شاهد من أهلها وأكد ضلوع النظام الجزائري في استيراد الفتاوى السياسية من الخارج، في غفلة عن الجمارك.
وأضاف الأمين العام للمجلس الديني أن «الجامع سيلعب دور الدبلوماسية الروحية التي ترافق عمل وزارة الخارجية»، نعم وزارة الخارجية وليس وزارة الشؤون الدينية الجزائرية، هذا هو الشخص «الذي كنا ننتظر بركاته فدخل الجامع ببلغته».
حين فاز المنتخب الجزائري بكأس أمم إفريقيا لكرة القدم، خصص خطيب جمعة بأحد مساجد الدار البيضاء حيزا من خطبته لتهنئة المنتخب الجزائري على أدائه المتميز، وسبق للخطيب أن هنأ المنتخب المغربي على أدائه في مونديال روسيا، كما نوه بمردود الجزائر الكروي في كأس العالم بالبرازيل، واعتبر الخطيب مثل هذه التظاهرات فرصة «لرص الصف العربي والإسلامي»، ورد الاعتبار للحضارة العربية التي كانت تضيء العالم.
تبين أن الخطيب لا يختلف كثيرا عن محلل رياضي في فضائية رياضية، إلا بلباسه الأفغاني ورائحة المسك المنبعثة منه.