شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

الدليمي كان يمارس سلطته على حكام الكرة واللاعب السحاسح بريء من دم المهاجم العرابي

قضاة الملاعب عبد الكبير الناجيدي (حكم دولي سابق)  

بدأت أولى خيوط العلاقة بين الفتى عبد الكبير والكرة من عمق المدينة القديمة بالدار البيضاء، وتحديدا في درب العميين، هناك فتح عينيه على الكرة فداعبها مع أبناء الأحياء المجاورة في ملاعب الشوينطي وفي ملعب المعرض الدولي وكل الفضاءات التي تسمح بممارسة كرة القدم.

حسن البصري

 

متيم بالراك يتحول إلى عاشق للصفارة

في طفولته كان عبد الكبير عاشقا للراسينغ البيضاوي، لم ينجذب صوب الوداد أو الرجاء بل اختار فريقا كان أغلب عناصره ومسيريه يتقاسمون معه الحي الذي يقطنه، بل إن نباهته المبكرة جعلت منه كاتبا متطوعا في «الراك» حيث كان يساعد جاره «مسعود»، عضو المكتب المسير للراسينغ البيضاوي، في كتابة أسماء اللاعبين وبياناتهم الشخصية على الرخص كما كان ينجز بعض الأعمال الإدارية بفضل امتلاكه خطا رفيعا ويقظة سابقة لأوانها، وبين الفينة والأخرى كان يقود مباريات فرق الحي بروح تطوعية نادرة.

في سنة 1965 سيدخل عبد الكبير عالم التحكيم بشكل رسمي، حيث عهد له بقيادة مجموعة من المباريات، خاصة على مستوى عصبة الشاوية التي كانت تمتد جغرافيا إلى بني ملال جنوبا، وذلك تحت إشراف الحكم مصطفى صبري والد الحكم أحمد صبري، وجد الحكم الدولي كريم صبري.

لقي الفتى الناجيدي كل التشجيع من الرعيل الأول من الحكام وهو في بداياته، كما دعمه حكام تلك الحقبة، أمثال بلفقيه والحبيب، والمديني وبن جلون وغيرهم من الأسماء.

وجد في التحكيم ضالته وعهد إليه بقيادة مجموعة من مباريات السد الحارقة، لإيمان لجنة التحكيم الجهوية بأن هذا النوع من المباريات يحتاج لحكم يقرر ما تراه عيناه لا ما تسمعه أذناه.

سيكون عام 1972 فأل خير على عبد الكبير الناجيدي، فقد حقق فيه ثلاث أمنيات كبرى ظلت تشغل باله. في هذا العام حقق مبتغاه الوظيفي حين عين موظفا في البنك الشعبي، وحقق مبتغاه الحياتي حين اختار دخول القفص الذهبي ليكتمل مشروع الحياة.

دخل عبد الكبير محك التجربة وسط مجموعة من الحكام شبه المتطوعين، فقد كانوا يمارسون التحكيم ابتغاء متعة وهواية تسكنهم، لم يعتمدوا يوما على مدخوله البسيط لبناء أسرهم، إلا أنهم حملوا الصفارة وجابوا أرض الوطن طولا وعرضا. في محيط الدار البيضاء جمعته البذلة السوداء بحكام أشداء منهم من لقي ربه ومنهم من ينتظر، لكن الناجيدي كان يصر على تطبيق القول المأثور: «لي فاتك بليلة فاتك بحيلة» فمشى في موكب حكام السبعينات من القرن الماضي وارتقى تدريجيا في سلم الوجاهة التحكيمية من حكم للشرط إلى حكم للساحة.

أول مباراة خاضها الحكم الناجيدي، وهو يحمل صفة حكم فيدرالي، كانت في مدينة خريبكة على ملعب مترب، كان حكما مساعدا لحكم الوسط العباسي الذي يتقاسم معه الانتماء لعصبة الشاوية. «المتعب في هذه المباراة أنها كانت شبه ديربي بين أولمبيك خريبكة واتحاد الفقيه بن صالح، والأصعب أنها جرت في ملعب مترب، وعلى الساعة العاشرة صباحا، وكلها عوامل كافية لمعرفة الأجواء التي دار فيها هذا النزال»، يقول الناجيدي.

نجح عبد الكبير في أول اختبار وأصبح يتطلع لقيادة مباريات من موقعه حكما للساحة، وهو ما تأتى له مع مرور السنوات بعد أن اكتسب خبرة من توالي المباريات.

 

حكما دوليا.. بعد طول انتظار

على امتداد مساره التحكيمي ظل الرجل حريصا على استلهام أفكاره من خبرات من سبقه في الميدان، كان يحسن الإصغاء، قليل الكلام صارما في قرارته، كانت تأتيه النصائح ممن سبقوه إلى حمل الصفارة، حيث يحرص على ضبط مواعده لأنها أساس نجاح كل حكم، وضبط لوازم التحكيم وترتيبها.

يقول الناجيدي: «أذكر نصيحة لازالت راسخة إلى الآن في ذهني، كان يرددها على مسامعنا الحكم بلفقيه رحمه الله، حيث يحثنا على تخصيص قسط من تعويضات التحكيم على قلتها لزوجاتنا، ويطلب منا أن نرتب نحن ملابس التحكيم ولوازمه ولا نترك لزوجاتنا هذه المهمة، حتى يعرف كل حكم ما وضع في حقيبته ولا يلقي باللوم على زوجته».

في كل سنة كان عبد الكبير يخلف الوعد مع الشارة الدولية، وكأن صفة حكم فيدرالي تصر على الالتصاق به، مرت أربع عشرة سنة وهو يرفل في ثوب الحكم الفيدرالي، إلى أن أفرج عنه ونال الشارة الدولية، وكأنه كان يطارد خيط دخان، إلا أنه لم ييأس ولم يتمرد ضد الماسكين بخيوط التحكيم، بل آمن بأن القدر يخفي له في منعرج ما تلك الصفة، لذا سجل، وهو حكم فيدرالي، مواقف مشهودا لها في سجل الكرة المغربية.

في فترة إشراف الحكم الدولي محمد بن علي على قطاع التحكيم رئيسا للجنة التحكيم بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وعضوا بلجنة التحكيم في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، كان الرجل يؤمن بسياسة ملء الفراغات، فالحكم القادر على إنهاء المباريات الهامة دون مشاكل يستمر في قيادة المباريات الوطنية دون الحاجة لترقيته أو توقيفه مادام يفي بالغرض المطلوب.

لعب ضمن طاقم تحكيم عبد العالي الناصري حوالي ثماني مباريات حكما مساعدا، واستأنس بأجواء المباريات الدولية حين عهد إليه بقيادة عدد من المواجهات الودية والرسمية. وفي عهد اتفاقية الشراكة المغاربية قاد ديربيات حارقة بالجزائر وتونس بين أندية العاصمة، كالترجي والنادي الإفريقي، وبين مولودية الجزائر واتحاد العاصمة.

«أبرز مباراة دولية قدتها ولازالت عالقة في ذهني أجريت في القاهرة، حيث عينت حكما رئيسيا لمباراة جمعت بين المقاولون العرب المصري ونهضة تشاد، كانت المباراة غير متكافئة بين الطرفين حيث بسط الفريق المصري سيطرته على مجريات المباراة وتمكن من تسجيل ثلاثة أهداف في الجولة الأولى تبين أن المباراة ستنتهي بهزيمة مذلة للتشاديين لكنهم سرعان ما استغلوا بطاقة حمراء أشهرتها في وجه أحد لاعبيهم بسبب تدخلات خشنة، حتى غادروا الملعب بشكل جماعي. كانت الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم تضرب بقوة على يد المنسحبين، حيث حرم الفريق التشادي من المشاركة في المنافسات القارية لمدة عامين».

 

السحاسح مدافع الكاك بريء من دم العرابي مهاجم الرجاء

يصر حكمنا الدولي على تصحيح بعض الآراء والمواقف التي تدين طرفا على حساب طرف آخر. في واقعة الكسر الرهيب الذي تعرض له مهاجم الرجاء البيضاوي في السبعينات محمد العرابي، تعد شهادة الحكم الدولي الناجيدي قيمة وذات مصداقية باعتباره شاهدا على الحدث، حين كان حكما لمباراة جمعت النادي القنيطري بالرجاء البيضاوي على أرضية الملعب البلدي بالقنيطرة.

أسالت تلك المباراة مدادا غزيرا، خاصة وأنها وضعت نقطة نهاية لمهاجم الرجاء محمد العرابي الذي تعرض لكسر على مستوى الركبة، حول ما تبقى من المباراة إلى مواجهة بلا روح، ما أثار استغراب الرجاويين هو أن الحكم الناجيدي لم يبادر إلى طرد السحاسح لاعب النادي القنيطري.

«للتاريخ وللأمانة فإن لاعب النادي القنيطري عبد الله السحاسح لم يتعمد ضرب مهاجم الرجاء محمد العرابي، كل ما في الأمر أن قلب هجوم الرجاء كان يخضع الكرة لتغطية ويحاول حجب الرؤية على مدافع الكاك، هذا الأخير دفع بقدمه نحو الكرة فجر رجل العرابي والتصقت القدم بالعشب فحصل التواء رهيب في الركبة، لا أحد استطاع رؤية هذا المشهد، الأخطر في الواقعة أن سيارة الإسعاف لم تكن في الملعب وبعد الاتصال بها لم تحضر إلا بعد أن قام بعضهم بلف ركبة اللاعب في قطعة ثوب والاستعانة بقطع من خشب حتى تظل رجل اللاعب ممددة، لقد كنت قريبا جدا من العملية وعلينا أن نبرئ السحاسح رغم مرور عقود على هذه المباراة».

على امتداد مساره كان الحكم الناجيدي يجد في الحكم الفرنسي، روبرت ويرتز، مثلا يقتدى به، كيف لا وهو الذي ظل على امتداد عشر سنوات ما بين 1970 و1980 يحصل على «حكم السنة» فضلا عن مشاركاته الدولية، في زمن كانت فيه دورات التحكيم والمناظرات والاختبارات البدنية مجرد حلم.

كان حسن الصفريوي عضوا بالمكتب المديري للجامعة، كما أنه كان رئيسا للجنة المركزية للتحكيم، وفي عهده بدأت هيكلة قطاع التحكيم وأصبح الحكام يخضعون لدورات تكوينية ويخضعون لاختبارات سنوية، إلا أن الناجيدي يصر على أن اللجنة المركزية للتحكيم عرفت إشعاعا وديمقراطية أكثر مع سعيد بن منصور.

«كنا نعيش التحكيم الهاوي، وكنا نحصل على تعويضات أستحي من الكشف عنها، ولكن للأمانة فإن اللجنة المركزية للتحكيم في عهد سعيد بن منصور عرفت تحولا جديدا في قطيعة مع الماضي، فضل سعيد علي كبير فهو الذي عينني لقيادة مباراة نهائي كأس العرش سنة 1977 جمع بين الجيش الملكي والمغرب الفاسي وانتهى بفوز الماص، أذكر أنه قال لنا في اجتماع رسمي: «من هو الحكم الدولي الذي لم ينل شرف قيادة نهائي كأس العرش؟ طرح السؤال واستنتج أن الحكام الذين كانوا بارزين في تلك الفترة قد قادوا النهائي، على غرار الطويل والشافعي، وأبو القاسم والعباسي وغيرهم، وبكل ديمقراطية عينت لقيادة المباراة النهائية التي جرت في رفع ستارها نهاية أخرى بين الوداد وأولمبيك خريبكة».

في علاقته بالديربيات التي تعد قمم البطولة الوطنية، أسندت للناجيدي مهمة قيادة أربع محطات، لكن أبرزها تلك التي جرت في ملعب “الأب جيكو” سنة 1978 وانتهت بفوز الخضر بثلاثة أهداف مقابل هدفين. كانت المواجهة حارقة على أرضية الملعب لكن المدرجات كانت تعرف احتفالية بين جماهير الفريقين، ولم تسجل أية حالة شغب أو شتم من المتفرجين، قبل أن يتقرر الفصل بين مناصري الفريقين ويصبح الاحتقان شعار الديربيات.

في تلك الحقبة الزمنية كان تعيين حكم بيضاوي لقيادة مباراة للوداد أو الرجاء، أو نجم الشباب أو الاتحاد البيضاوي أو الراك، أمرا عاديا بل ومستحبا، سواء تعلق الأمر بمباريات داخل الدار البيضاء أو خارجها، قبل أن يمنع على حكام العاصمة الاقتصادية قيادة مباراة أحد طرفيها من المدينة ذاتها. وحسب الناجيدي، فإن الغاية من وراء هذا القرار هي فسح المجال لحكام العصب الأخرى لقيادة الديربي.

لم يكن من السهل على حكام السبعينات والثمانينات قيادة مباريات فرق أغلبها برعاية خدام الدولة وكبار المسؤولين الحكوميين والأمنيين، فقد عانى الكثيرون من السلطات الواسعة للقائمين على بعض الفرق، على غرار نهضة سطات والكوكب، والفتح والجيش، والرجاء والوداد، والمغرب الفاسي والوداد الفاسي والاتحاد القاسمي.

«تحضرني واقعة في سيدي قاسم، فقد انتهت المباراة بشكل طبيعي، لكن خسارة الفريق القاسمي جعلت رئيسه لحسن الدليمي يمنع طاقمنا التحكيمي من مغادرة رقعة الملعب، أصر على أن نبقى واقفين وسط الميدان، لم تنفع توسلات رجال الأمن فقد أصر الدليمي على معاقبتنا بهذه الطريقة فكان له ما أراد، تصور طاقم تحكيم أنهى المباراة وبقي في الملعب لأزيد من ساعة، من كان يجرؤ على الكلام؟ إنهم يطلبون منك أن تنهي المباراة بأقل المشاكل أما ترقيتك فكلام آخر ربما لا علاقة له بمردودك».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى