الدرس التركي
تستحق الزيارة التي يقوم بها الرئيس الإسرائيلي لدولة تركيا بدعوة من الرئيس طيب رجب أردوغان، أن تكون درسا مكتملا في تفسير معنى بحث الدول عن مصالحها القومية التي تتفتت أمامها كل الشعارات الرنانة والخطابات الطوباوية. لقد أوضحت الزيارة بما لا يدع مجالا للشك أن كل علاقات الدول، مهما كانت العقائد الإيديولوجية والسياسية التي تحكمها، باتت محكومة بلغة المصالح العليا والمنافع الاستراتيجية، وهي التي تدفع دولة مثل تركيا إلى تخصيص استقبال مهيب لرئيس إسرائيل التي لطالما نعتتها بأبشع النعوت، ومتى ما انقضت تلك المصالح سرعان ما ستختفي تلك العلاقة ويتحول كل طرف إلى عدو يحاول الإجهاز على خصمه والتجييش الإعلامي ضده وكشف المستور عنه وتشويه صورته والتشهير به أمام الملأ إلى أن تستجد مصلحة جديدة في سياق جديد فتنشأ علاقة ديبلوماسية بخطاب وتبريرات جديدة تتناقض تماما مع قاموس الصراع والتناقض الذي كان متداولا بالأمس.
إن ما قام به أردوغان هو عين العقل وقمة النفعية السياسية، فلا يمكن مؤاخذة رجل دولة يدافع عن المصلحة القومية لبلاده، لكن الغريب أن يتحول، عند أتباع أردوغان، عقد علاقات ديبلوماسية واقتصادية وأمنية مع إسرائيل إلى مجال محفوظ لهاته الدولة دون غيرها، بينما ترمى دول أخرى بأبشع الأوصاف وتتعرض لحملة تشهير إعلامية ودينية من طرف من يقدمون اليوم التبريرات للزعيم أردوغان بأن لقاءه مع الرئيس الإسرائيلي هو لمصلحة الأمة وليس لمصلحة تركيا، فلا يعقل أن تكون العلاقات الإسرائيلية- التركية حلالا في قاموس الأتباع والمريدين وحراما حينما تقوم بها دولة مثل المغرب أو الأردن أو البحرين أو الإمارات أو مصر أو غيرها من الدول العربية.
ومن حسن حظنا أن الدولة المغربية بنت، منذ عقود، علاقاتها مع القضية الفلسطينية على أسس الواقعية والصراحة بعيدا عن منطق الاتجار بالقدس والتفاوض بأهلها لكسب مراكز تفاوضية مع الكبار، لذلك ظل التوجه المغربي في القضية الفلسطينية منسجما مع ذاته، توجه يسمح للديبلوماسية المغربية بمساحات أكبر للدفاع عن حقوق المقدسيين، حيث سمحت الخلفية الدينية والتاريخية والعلاقات الإنسانية لملك المغرب في عهد الملك الراحل الحسن الثاني أو في عهد الملك محمد السادس أن يخاطبا القادة الفلسطينيين ويلتقيا مع صناع القرار في دولة إسرائيل دون أن يكون ذلك على حساب الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس، وهنا بالضبط يظهر تميز المغرب وانفراد تعاطيه مع القضية الفلسطينية التي ستبقى بالنسبة لبلدنا قضية وطنية شاء من شاء وأبى من أبى.