شوف تشوف

الرأي

الدراسة مْنْ بْعد..

يونس جنوحي

لماذا لم تُنجز أي دراسة استباقية لتنقلات المغاربة خلال عيد الأضحى؟
الدول التي تحترم مواطنيها تُنجز دراسات استباقية لاحتواء الأزمات. والمغاربة جميعا يعلمون أن أكبر حركة تنقل داخل البلاد، وأضخم رواج تجاري في المغرب يعيشه المغاربة خلال مناسبة عيد الأضحى. ورغم ذلك لا أحد حرّك ساكنا، إلى حدود الساعة السادسة مساء من يوم الأحد الماضي، لتعم البلاد حالة من الفوضى والتسيب.
المشاهد التي تم نقلها وتوثيقها من قلب الطريق السيار في محيط مدينة الدار البيضاء، توحي بأن فيلما سينمائيا عن القيامة جرى تصويره ذلك المساء. لكن الحقيقة أن تلك المشاهد غير مفبركة، ولم يحتج مُخرجوها إلى مؤثرات بصرية. لقد تكلف الارتجال بكل شيء.
هناك الآن حالة من السخط الشعبي على أداء رئيس الحكومة. وهذا أمر طبيعي ما دام الناس كانوا ينوون التنقل يومي الأربعاء والخميس، ككل سنة، لكي يقضوا يوم الجمعة مع أحبائهم، فإذا بهم يفاجؤون بدون سابق إنذار بأن المدن الكبرى الحيوية في المغرب أغلقت منافذها ومخارجها في وجه الراغبين في السفر، ومنهم من رتبوا أمورهم على هذا الأساس.
هل يُدرك رئيس الحكومة، حجم القصص الكارثية التي عاشها المغاربة خلال يوم الأحد الأسود؟ هناك من لم ير أبناءه وأمهم منذ السنة الماضية، والتزم فعلا بالحجر الصحي، ويعيش السنة كلها لكي يوفر ثمن تذكرة قرب نافذة الإغاثة في أول حافلة متجهة نحو مداشر المغرب المنسي لكي يكون بمقدوره عيش أسبوعين يعتبر نفسه خلالها مواطنا محترما كامل الحقوق لديه زوجة وأبناء قبل أن يعود إلى الواقع للعمل في شروط مزرية بالمدن الكبرى، بحيث لا تسعفه ظروفه لإحضار أسرته الصغيرة للعيش معه في الغرفة الضيقة التي بالكاد يستطيع تحمل سومتها الشهرية.
وبعيدا عن العاطفة، أليس من واجب الحكومة، في مختلف القطاعات، إجراء دراسات استباقية لكي تكون جاهزة لكل السيناريوهات؟ نحن نتحدث عن مناسبة دينية لها حضور قوي جدا في حياة المغاربة. ورغم ذلك لا أحد تداول ما يمكن القيام به خلال تلك الأيام. لماذا رفعت الحكومة الحجر الصحي ودخلت في إجراءات التخفيف، وتركت الجميع يستعدون للعودة للحياة العادية ويتحضرون للسفر في مختلف الاتجاهات. حتى أن هناك آلاف الأسر المغربية تفرق أفرادها فوق الخريطة في انتظار أن يجتمعوا في نقطة ما للاحتفال بعيد الأضحى، لكي يجدوا أنفسهم يوم الأحد الماضي، مفرقين، بنفس الطريقة التي فرّق بها جدار برلين الألمان بعد الحرب العالمية الثانية.
خلال السنوات الماضية، سُجلت كوارث حقيقية تتحمل فيها وزارة النقل والتجهيز مسؤولية كبرى. إذ أن كل تلك الكوارث والحوادث يعود سببها إلى غياب إجراءات احترازية واحتواء الإقبال الكبير على وسائل النقل العمومي والطرق السيارة ومحطات الاستراحة. وفي الأخير يدفع المواطن الثمن من حياته وحياة أقربائه.
ورغم أن الحكومات تعيش كل سنة مشاكل تنقلات المغاربة خلال مناسبة عيد الأضحى، إلا أن رئيس الحكومة ربما نسي أن المغاربة ليسوا إلا مقيمين بشكل مؤقت في المدن، وأن أرواح ثلثي المغاربة تتجه نحو القرى في عيد الأضحى من كل سنة.
غاب عن السيد سعد الدين العثماني، الطبيب النفسي يا حسرة، أن المغاربة لديهم ارتباط قوي بأصولهم، وأن “كورونا” لن تثني أغلبنا لكي يتجهوا نحو مسقط الرأس لإحياء احتفالات عيد الأضحى. لو أن الحكومة أجرت دراسة في آخر ماي أو يونيو لكي تقدر جحم ما ينتظرها من تحد على مستوى الإجراءات لما وقع ما وقع.
لقد قام المواطنون، على طريقة لاجئي المخيمات، بإزاحة الموانع من الطريق لاقتحام منعرجات “تيشكا”. وهي إشارة إلى الحكومة.. لا أحد يستطيع وقف زحف البشر.
يتحدثون دائما عن الدراسة عن بُعد، واللوجيستيك. بينما الوضع الحقيقي في هذا البلد يلخص كل شيء: الدراسة تأتي دائما “مْنْ بْعد”..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى