شوف تشوف

شوف تشوف

الخيل مربوطة والحمير تزعرط

مثلما يحدث أن يتكلم العامة والدهماء في الشأن العام ويصمت الحكماء والعقلاء، كما هو الشأن في موضوع المفاوضات الحكومية، يحدث أيضا أن تتراجع صادرات المغرب من المواد المعروفة لصالح ارتفاعها من كائن لا يتم ذكر اسمه إلا مقرونا بكلمة حاشاك، وهو الحمار.
وإذا كان الميزان التجاري يعرف اختلالا مزمنا بسبب ارتفاع الواردات وانخفاض الصادرات، فإن حميرنا الأصيلة، لا أتحدث عن تلك التي لديها رجلان بل تلك التي لها أربع، أنقذت هذا الميزان بسبب إقبال الصينيين عليها.
وفجأة أصبح الحمار المغربي الموضوع المفضل للمواقع الاقتصادية، خصوصا بعدما اكتشفت أن الحمير المغربية المصدرة تنعش التجارة الخارجية للبلد.
فقد انتبه المراقبون الاقتصاديون أخيرا إلى أن صادراتنا من الحمير المغربية الأصيلة نحو الصين ارتفعت بشكل ملحوظ بعدما ازداد الطلب عليها مؤخرا، فالصين تستورد سنويا حوالي 80.000 رأس من الحمير بسبب حاجتها لها في الصناعات الطبية التقليدية، خصوصا من أجل استخراج مادة الجيلاتين ومواد طبية تصلح لإيقاف النزيف الحاد وعلاج فقر الدم وانخفاض نسبة الصفائح الدموية.
ومن أجل الاستجابة لطلبات هذه الصناعة الدوائية تحتاج الصين إلى حوالي 1,8 مليون طن من الحمير، مما سيجعل أسعار الحمار المغربي ترتفع وهو ما سيساهم في تغيير النظرة السلبية التي للمغاربة نحو الحمار.
وفي المغرب إذا لم يتم استعمال الحمار «شخصيا» في تصفية الحسابات السياسية كما فعل شباط عندما وضعه في مقدمة مسيرته، فإن صفته هي التي تستعمل، أي «تاحيماريت».
والمغاربة مشهورون بسرعة غضبهم ونزوعهم إلى استعمال الشتائم بسهولة بالغة، وأحيانا بدون مبرر. وأسهل شيء يمكن أن تسمعه من فم المغربي أو المغربية إذا ما «طار» لأحدهما هو «الحمار لاخر»، أو «الحمارة لخرا».
وهذه الشتائم نسمعها أكثر في طرقات المملكة، خصوصا عندما ينشب خلاف مروري على الطريق. وأحيانا لمجرد أنك استعملت حقك الطبيعي في «الدوبلاج». فهناك نوع من المغاربة يكره أن تتجاوزه في الطريق، وإذا تجاوزته فإنه يعتبر ذلك انتقاصا منه واحتقارا لسيارته و«العودان» التي تنام في محركها.
وغالبا عندما يكون زجاج النوافذ مغلقا يمكنك أن ترى شفتي السائق المغربي الغاضب تتحركان بشكل يجعلك تقرأ عليها «على حمار كي داير»، أو «حمارة» إذا حدث فعل التجاوز من قبل امرأة.
وإذا كان البعض يستعمل الحمار لتصفية حساباته السياسية مع خصومه كما صنع شباط في مسيرته «التاريخية» التي تقدمتها الحمير، والبعض الآخر يستعير منها صفة «تاحيماريت» لشتم خصومه وتحقيرهم، فإن حوالي خمسة عشر مليون مغربي يقطنون في القرى والبوادي يعرفون «بحق» الحمير ولا يستطيعون الاستغناء عنها، ببساطة لأن حياتهم بدون الحمير ستتحول إلى جحيم.
والحمار على عكس ما يروج عنه، ليس حيوانا غبيا، بل لديه ذاكرة قوية، ويستطيع أن يتذكر الطرق التي سلكها ويعود عبرها لوحده بدون صاحبه. والذين يشتغلون في التهريب في منطقة «جوج بغال» بين المغرب والجزائر، يعرفون عماذا أتحدث، فوسيلة الاتصال الوحيدة بين المغاربة والجزائريين هي الحمير العابرة للحدود، تذهب الحمير المغربية محملة بالخضر والفواكه وتعود محملة بالغاز ومواد التجميل والقرقوبي.
والحمير تذهب لوحدها بدون حاجة إلى سائق، فهي تحفظ منعرجات الطريق الصعبة بين المغرب والجزائر عن ظهر قلب، ولكي لا تضيع الحمير وقت المهربين في أكل العشب أو التناسل في الجبال فإن أغلبهم يعمد إلى وضع «والكمان» فوق آذانها الطويلة حيث يسجلون لها صوتا أجش في شريط يردد طيلة وقت الرحلة «أرا سير، أرا سير»، هكذا يعتقد الحمار أن هناك راكبا يقوده، أي أن هناك رقابة مفروضة عليه.
تماما مثل ذلك الصوت الذي يسمعه السياسيون في رؤوسهم عندما يهمون بالحديث حول بعض المواضيع، فيمسكون فجأة ألسنتهم عن الخوض فيها مخافة أن ينتقل التهديد من الصوت إلى السوط.
والواقع أن الحكومة مطالبة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بالاهتمام بمصير الحمير، خصوصا وأن لائحة صادرات المغرب نحو الخارج تشير إلى وجود هذه الحيوانات ضمن الأصناف الحيوانية التي يصدرها المغرب.
فالمغرب أصبح من أهم مصدري الحمير في العالم. وحسب إحصائيات مكتب الصرف، فالمغرب يصدر سنويا نحو إسبانيا وفرنسا حوالي 1500 حمار، وليس أي حمير من فضلكم، وإنما الحمير «الأصيلية»، يعني حمار «دوريجين»، فالحمير عندنا مثلها مثل البشر، هناك الأصليون وهناك المزيفون، هذا دون أن نتحدث طبعا عن «الكياضر»، والتي لا أحد يطلبها منا في الخارج فتبقى عندنا في الداخل «تزعرط» في الوقت الذي تظل فيه الخيول مربوطة.
وهناك اليوم في إسبانيا وإيطاليا والكثير من دول حوض البحر الأبيض المتوسط، اتجاه إلى استيراد الحمير لاستعمالها في السياحة الجبلية، وهناك بلديات في إيطاليا أصبحت تشتري الحمير لاستعمالها في التخلص من القمامة، بحيث يتم إطلاق سراحها في الشوارع لكي تأكل الأزبال، عوض الاحتفاظ بها في حدائق الحيوان وصرف الميزانيات الباهظة على إطعامها.
وعندنا في المغرب سبقت البلديات نظيرتها الإيطالية في ذلك. ويكفي أن تتجول في بعض الأحياء بالمدن المغربية لكي تصادف قطعانا من الحمير تدس رؤوسها في «طاروات الزبل» لتقلبها وتلتهم محتوياتها، التي غالبا ما يكون «الميخالا» قد مروا عليها قبلها ونهبوا محتوياتها.
والمغرب يتوفر على احتياطي مهم جدا من الحمير، ولذلك ففي اتفاقية التبادل الحر التي وقعها المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية يحضر الحمار كإحدى المواد التجارية التي يستقبلها الأمريكيون من المغرب.
وإذا كان الحمار المغربي يعاني من الحيف والظلم وتشويه الصورة، فإن الحمار الأمريكي «الديمقراطي» استطاع أن يصل إلى البيت الأبيض، وليس إلى «الفوريان» كما يحدث عندنا.
وربما لهذا السبب ظل الحمار المغربي معفى من الضرائب الجمركية في اتفاقية التبادل الحر بين الرباط وواشنطن والتي عدلتها واشنطن مؤخرا بما يناسب مصالحها.
وفي كل هذه الاتفاقية فـ «الحمار بوحدو اللي طالعا ليه»، فهو لا يحتاج أن يشارك «لا فقرعة، لا يخلص فيزا لا ضريبة»، وليس مثل مئات المغاربة الذين يشاركون في القرعة الأمريكية ويدفعون سبعة آلاف درهم ثمن الملف، وفي الأخير ترفض القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء منحهم التأشيرة لعدم توفرهم على الشروط المهنية المطلوبة.
ترى، من هو الحمار الحقيقي في كل هذه الحكاية ؟

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى