الخوراج في الحديث النبوي (2)
إلياس بلكا
في الحلقة الماضية توصلنا إلى نتيجة مهمة، وهي ضرورة الفصل بين هذه الحالات الثلاث: الخروج، والخوارج، والبغي.
والآن نطرح سؤالا آخر: هل جاء في القرآن والحديث تعيين بعض الفرق المبتدعة والمنحرفة في تاريخنا الإسلامي؟ بالنسبة للقرآن الكريم لم يجئ من هذا شيء، بحسب الظاهر، وإن تحدّث الكتاب الكريم عن حالات الانحراف العَقَدي والسلوكي وأسبابه وآثاره، خاصة عند الأمم السابقة كبني إسرائيل والنصارى. وهذا موضوع بِكْر للدرس والبحث، أعني كيف يمكن أن نستخرج من القرآن ما يتعلق بتفرّق الأمة وظهور الطوائف والمذاهب فيها، ونربط بين ذلك وبين ما وقع في التاريخ وما يقع الآن من صراعات مذهبية وفكرية، إلخ.
لكن بالنسبة للسنة الشريفة ورد في الأخبار ذكر خمس فرق على سبيل التعيين:
الفرقة الأولى: الزنادقة، وهم خليط من معتقدي الديانات القديمة ومن الملحدين واللادينيين والباطنيين.
عن أنس عن رسول الله قال: (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في الجنة، إلا فرقة واحدة. قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: الزنادقة) وهذا حديث موضوع، أي مكذوب على نبينا ولا يصحّ.
الفرقة الثانية: القدرية. أي الذين ينكرون القضاء والقدر، ويقولون: الإنسان هو الذي يخلق أفعاله خَلْقاً.
في سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي: (القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم) قـال الذهبـي في أحاديث ذم القدرية: «هذه الأحاديث لا تثبت لضعف رواتها» لذلك قال أهل هذا الفن: الصحيح أنها موقوفة. أي من أقوال بعض الصحابة أو التابعين.
الفرقة الثالثة: المرجئة. أي الذين يقولون: الإيمان بالقلب واللسان، والتطبيق العملي ليس شرطا فيه.
عن ابن عباس أن الرسول قال: (صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية) رواه الترمذي. قال المقبلي صاحب العَـلم الشامخ: «الأحاديث الواردة في ذم المرجئة، لم يصحّ منها حديث عند المحدثين».
الفرقة الرابعة: الرافضة. أي الشيعة متوسطي الغلوّ، كالإمامية.
جاء في دواوين السنّة بعض الأخبار في التصريح باسم الرافضة، فعن علي بن أبي طالب: عن رسول الله: (يظهر في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام) رواه أحمد في مسند علي، وهو ضعيف، كما قال الشيخ أحمد شاكر. وعن ابـن عبـاس: قال: ( كنت عند رسول الله، وعنده علي، فقال: يا علي! سيكون في أمتنا قوم ينتحلون حبنا أهل البيت، لهم نبز، يسمون الرافضة، فاقتلوهم فإنهم مشركون) وهذا رواه الطبراني وابن عدي وأبو يعلى، لكنه واه، أي شديد الضعف، ويوجد غير هذه الأخبار، قال ابن تيمية في كتابه «منهاج السنة»: كل الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة لا تصحّ.
الفرقة الخامسة: الخوارج. والأحاديث فيهم مشهورة، من الصحيح فقط عشرة أحاديث، روى البخاري منها ثلاثة، وأخرج مسلم سائرَها. وإنما سُموا بالخوارج، لقوله عليه السلام: تخرج في أمتي، ولذلك اختلف العلماء في حكم الخوارج، هل يُكفّرون أم لا. والأكثرية أنهم مسلمون لكن يُقاتَلون ولا يُتركون.
منها حديث أبي سعيد الخدري الذي أخرجه البخاري ومسلم قال: بعث عليّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من الذهب، فقسمه بين أربعة رجال حديثي عهد بالإسلام، وانزعج بعض أهل قريش والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا، قال عليه السلام: إنما أتألـَّــفهم. فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كثّ اللحية محلوق، فقال: اتق الله يا محمد، فغضب نبينا وقال: من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنونني. فاستأذن خالد بن الوليد نبيَّـنا أن يقتله لكنه منعه، فلما ولىّ قال عليه السلام: إن في عَقِب هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرَهم، يمْرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد.
النتيجـة:
إن الخوارج هم الفرقة الوحيدة التي جاء الإخبار بها وتعيينها صراحة في النصوص الشرعية. وما عدا ذلك لم يصح منه شيء، لا في المعتزلة أو القدرية، ولا في المرجئة، ولا في أي فرقة من فرق الشيعة.
والسؤال الأول: لماذا حرص النبي عليه الصلاة والسلام أن يحذرنا من الخوارج؟ والسؤال الثاني: لماذا لم يخبرنا أيضا عن الشيعة، رغم أن بعض الشيعة لم يكونوا أقلّ ضررا في تاريخنا من الخوارج؟
طرحت هذين السؤالين على نفسي منذ حوالي سبع سنين. أما الجواب عن السؤال الأول فقد توصلتُ إليه في السنة الماضية، أما السؤال الثاني فلم أجد له جوابا بعد. لذلك ستكون الحلقة القادمة إن شاء الله في الجواب عن إشكال الخوارج.