شوف تشوف

الرأي

الخلفي ولعنة الثرثرة السياسية!

ليس غريبا أن ترتفع درجة الحرارة ويبلغ الهذيان مداه لدى رئيس الحكومة ابن كيران وقياديي حزبه من مسؤولين نقابيين وبرلمانيين ووزراء، خلال هذه الشهور القليلة المتبقية من عمر حكومته، في إطار الاستعداد لخوض غمار المعركة الكبرى ليوم السابع من أكتوبر 2016.
فهذا مصطفى الخلفي وزير الاتصال «الثرثار» الرسمي باسم الحكومة، من فرط الغرور الذي تملكه منذ استوزاره وقلة خبرته، أصيب بلعنة الثرثرة السياسية ووقع في عديد المطبات. وصار لا يتورع عن التضليل والمغالطات في تلميع وجه الحكومة، ولا يخجل من مراكمة الزلات والأخطاء التي سارت بذكرها الركبان، نخص بالذكر منها: حديثه إلى محطة إذاعية فرنسية، بلغة ركيكة أثارت سخرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي. توجيه رسالة طافحة بالأخطاء النحوية والإملائية إلى «كنيث روث» رئيسة «هيومن رايتس ووتش»، ردا على ما اعتبرته الحكومة تقريرا مغرضا. وساطته في توظيف نجل الحمداوي، الرئيس السابق لـ «حركة التوحيد والإصلاح». تشبيه دولة المكسيك بـ «ماخور»، حتى كاد أن يتسبب في خلق أزمة سياسية بين البلدين. فضلا عن تحويل قطاعه إلى ساحة للمعارك الحزبية والسياسوية، وتواصل خلافاته مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية…
وإذا كان ابن كيران صرح في نهاية الأسبوع الأول من شهر ماي 2016، خلال لقاء جمعه بطلبة أحد المعاهد التعليمية الخاصة، بأن المجال الوحيد الذي لم يستطع معالجته، هو مشكل حوادث السير، وأنه في حالة رفض المركزيات النقابية مساعدته في «إصلاح» التقاعد، سيقوم بتمرير القانون ضدا عن إرادتها، مما ينم عن نزعة التحكم وضربه لمبدأ التوافق والمنهجية التشاركية. فإن مريده الطيع الخلفي، أشار خلال حضوره تجمع شبيبة الحزب بـ «المهدية» في إطار ملتقاها الإقليمي، إلى أن البلاد كانت تسير صوب الهاوية، بيد أن مجيء الحكومة استطاع إنقاذها بمشيئة الله وتضامن المغاربة، وأن الحكومة تمكنت بدورها من تجاوز ضربات خصوم مصلحة الوطن، ومعرقلي مسار الإصلاح ومحاربة الفساد. وأنه في ظل سياسة القرب للحزب، وما تقتضيه من شفافية ووفاء بالالتزامات، جاء لعرض إنجازاتها، خاصة ما يرتبط بالشق الاجتماعي: رفع قيمة منحة الطلبة، إصلاح صندوق المقاصة، تخفيض أثمان بعض الأدوية، راميد، رفع الحد الأدنى للتقاعد، دعم المطلقات والأرامل وبرنامج تيسير. واسترسل في هذيانه، مدعيا فرضها الحكامة بعدد من المؤسسات الوطنية، ربط ولوج الوظيفة العمومية بإجراء مباراة، الحد من الإضرابات في التعليم والصحة والمحاكم، وتأمين الاستقرار وجلب الاستثمار. وفي ذات الوقت أقر بوجود إكراهات: البطالة والفساد والرشوة وضعف الخدمات، وأن حزبه عازم على مواصلة المسار إلى حين تحقيق الانتصار. يا سلام !
فما يتباهى به الحزب الحاكم وكتائبه الإلكترونية من إنجازات «خارقة»، ليست في واقع الأمر إلا أسطوانة مشروخة، لا ترقى إلى مستوى تطلعات الشعب، ولا تصمد أمام عواصف القرارات الجائرة والمدمرة، عبر إلغاء صندوق المقاصة دون إيجاد بديل لدعم الفئات المعوزة، تحرير أسعار المحروقات، الزيادات المتواترة في أثمان المواد الأساسية، الرفع من فواتير الماء والكهرباء والضرائب، باعتماد سياسة الليبرالية المتوحشة، والاقتطاع التعسفي من أجور المضربين دون تنزيل القانون المنظم للإضراب، تجميد الأجور وتهميش مقتضيات الدستور، تقليص فرص الشغل و»إصلاح» التقاعد على حساب الأجراء… ثم بالله عليكم، كم هي نسبة المستفيدين من مجموع التلاميذ والطلبة والأرامل والمطلقات، من برنامج تيسير والمنح الدراسية والدعم المادي الهزيل؟ ولم لم يتم تعميم الاستفادة على جميع المحتاجين دون قيود؟ وما جدوى الحصول على بطاقة «الراميد»، إذا لم تكن مراكز الاستشفاء تتوفر على بنيات الاستقبال والتجهيزات والأطر الطبية الضرورية؟
فرئيس الحكومة، الذي لا يتوقف عن خلط الدين بالسياسة، أساء التقدير وأخلف وعده بمحاربة الفساد، حيث تشير التقارير الوطنية والدولية، إلى أن التسيب والرشوة في تفاحش مطرد بالإدارات والمؤسسات العمومية، منذ عفوه العلني الشامل عن المفسدين. وأن حكومته فشلت في النهوض بالعالم القروي، وتحقيق العدالة الاجتماعية وكسب رهان مكافحة الفساد، لغياب الانسجام والإرادة السياسية. والغريب في الأمر، أنه لم يتم الإفراج عن «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد»، إلا على بعد خمسة شهور من موعد الانتخابات التشريعية !
كفى من لوك الكلام ومحاولة تزييف الواقع، فالوضعية الاقتصادية وفق ما تؤكده عدة مؤشرات، تنذر بتهديد الاستقرار وتفجير الأوضاع، جراء التدبير السيء وتعاظم الاختلالات. إذ بلغ عجز المديونية العامة 81 في المائة من الناتج الداخلي الخام، فيما فاقت البطالة عتبة 10 في المائة ولن يتجاوز معدل النمو 1 في المائة مما جعل «الباطرونا» تبدي تشاؤمها من مناخ الأعمال ومستقبل التشغيل والاستثمار…
فكيف للخلفي وحزبه التفاخر بإيجابية الحصيلة الحكومية، في ظل تنامي الاحتجاجات والإضرابات، ولجوء أشخاص إلى إحراق أجسادهم، وغياب مأسسة الحوار الاجتماعي وتدبير الاختلاف مع النقابات، تراجع مستوى الخدمات في التعليم والصحة، حرمان معطلي محضر 20 يوليوز من التوظيف المباشر، تعرض الأساتذة المتدربين إلى مجازر رهيبة، لمطالبتهم العادلة بإسقاط المرسومين «المشؤومين»، القاضيين بفصل التكوين عن التوظيف وخفض قيمة المنحة إلى نصفها، السماح بتشغيل القاصرين ابتداء من 16 سنة، ارتفاع نسبة الفقر وتعدد مظاهر العنف والجريمة، استمرار تمتع المحظوظين من الريع السياسي والاقتصادي، عدم مراجعة الأجور العليا لكبار الموظفين وتعويضات الوزراء والبرلمانيين، منع التظاهرات وقمع الاحتجاجات السلمية، عزل القضاة النزهاء والتضييق على حرية الإعلام، إخضاع الصحافيين للقانون الجنائي وإثقالهم بالغرامات…؟
إن المغاربة ليشعرون بالإحباط وخيبة الأمل، وأوشكوا على فقدان الثقة نهائيا في العمل السياسي، بفعل تنصل المنتخبين من تعاقداتهم وإخلالهم بوعودهم، ويئسوا من الديماغوجية والثرثرة السياسية… أفلا يعتبر المسؤولون بقوله تعالى: «وقل اعملوا فسير الله عملكم ورسوله والمؤمنون»؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى