شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الخطر النووي

بعد أيام من إعلان روسيا عن الترتيب لوضع أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، المجاورة لأوكرانيا شمالا ولبولندا العضو في حلف الناتو شرقا، أعلنت أمريكا عن وقف إرسال تحديثات بيانات أسلحتها النووية إلى روسيا.

يأتي القرار الأمريكي، كما صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، في سياق رد الفعل القانوني على إعلان روسيا في وقت سابق تعليق العمل باتفاقية «ستارت» الجديدة بين القوتين النوويتين الأكبر في العالم لضمان الاستقرار الاستراتيجي. لكن توقيت القرار الأمريكي يشير إلى تصعيد ملحوظ، رغم تطمينات واشنطن بأنها لن تغير موقفها النووي ولا ترى تصرفا من جهة روسيا يستدعي ذلك.

وبما أن السلاح النووي، لدى الدول التي تملك ترسانة منه، هو أساسا للردع وليس للهجوم منذ حتى أيام الحرب الباردة، فمن الطبيعي أن تتشارك الدول النووية الكبرى المعلومات التي تحول دون تصعيد قد يؤدي إلى حرب نووية، وكذلك لتفادي ردود الفعل الكارثية على أي خطأ محتمل. لكن الحرب في أوكرانيا وما أدت إليه من صراع واضح بين الغرب وروسيا والصين، زادت من حدة الخطر النووي.

صحيح أن الدول النووية الكبرى تدرك التهديد الوجودي للبشرية المتمثل في الخطر النووي، لكن في ظل الصراع الحالي واحتمالات دخول أطراف أخرى فيه، يصعب التكهن بما يمكن أن يحدث.

ولنأخذ بعض الشواهد على أن الخطر النووي لم يعد أمرا مفترضا، بل يقترب من أن يصبح تهديدا حتى لو كان ضئيل الاحتمال. فالصين تعزز ترسانتها النووية، وتعرب عن انزعاجها الشديد من صفقة الغواصات النووية الأمريكية/ البريطانية لأستراليا وتعتبرها تهديدا مباشرا لها، رغم أن إنتاج تلك الغواصات وتسليمها إلى أستراليا سيتطلب وقتا.

في الوقت نفسه، تتهم روسيا بريطانيا بإمداد أوكرانيا باليورانيوم المنضب وتتحدث عن أدلة على استخدامه في الحرب. ومع أن اليورانيوم المنضب، على خطورته وتأثيراته طويلة الأمد، ليس سلاحا نوويا استراتيجيا، إلا أنه في النهاية استخدام نووي. وسبق أن استخدم الأمريكيون والبريطانيون اليورانيوم المنضب في ضرب العراق، حسب تقارير كثيرة وما زالت أضراره على البشر تظهر حتى اليوم.

في الوقت نفسه، يزيد زعيم كوريا الشمالية من اختبارات أسلحته النووية ويصعد من لهجته، حتى أنه قال إن على العالم الاستعداد لاحتمال استخدام الأسلحة النووية. ومع أن العالم قد لا يأخذ كلام الزعيم الكوري الشمالي على محمل الجد دوما، إلا أن التوتر العالمي الحالي، والتوسع في استخدام سلاح العقوبات الذي أصبح يخنق الاقتصاد الروسي ويتم تصعيده ضد الصين، يجعلان العالم مضطرا إلى التفكير مرتين في أي تهديد لفظي.

هناك كثيرون في دوائر السياسة والاستراتيجية حول العالم يقللون من أهمية الخطر النووي حاليا، لكن من الصعب تجاهل أي تصعيد، وإن كان في نطاق «تسخين الردع النووي»، يمكن أن يجعل أبسط الشرر مفجرا لحرب نووية. ولعل بدء تخفيض مستوى الاتصالات والشفافية النووية بين القوى الكبرى، من أخطر إجراءات «تسخين الردع النووي». ولعل البعض يتذكر فيلم الستينيات الشهير «دكتور تسرينجلوف»، بطولة النجم بيتر سيللرز وإخراج العبقري ستانلي كوبريك. وكيف أن تصرف قائد قاعدة جوية أمريكية كاد أن يشعل حربا نووية تدمر البشرية، لولا أن الاتصالات بين واشنطن وموسكو نجحت في احتواء الأمر. كانت الاتصالات وقتها أقل تقدما مما هي الآن، لكن الثقة بين الرئيسين الأمريكي والسوفياتي (وقتها) كانت الأهم.

تلك الثقة بدأت في التدهور الآن، ليس بين روسيا وأمريكا فحسب، بل بين عدة دول رئيسية في العالم. ثم إن هناك ما هو أخطر من مسألة اهتزاز الثقة وارتفاع منسوب الصراع بين تلك القوى الرئيسية. ذلك هو الشعور العام لدى كثيرين بأن الولايات المتحدة تشهد بعض الضعف في سطوتها حول العالم. فلطالما تصرفت أمريكا، منذ نهاية الحرب الباردة في الربع الأخير من القرن الماضي، على أنها «شرطي العالم» الذي يستخدم قوته لفرض شكل من أشكال «النظام»، حتى لو لم يكن نظاما عادلا. والآن، يبدو أن واشنطن إما تنسحب من هذا الدور، أو أن قدرة ذلك الشرطي على فرض سطوته تتراجع.

وإذا كان الجمهوريون بأمريكا ينتقدون الإدارة الديموقراطية الحالية على هذا التراجع في الدور الأمريكي، فالواقع أن إدارات سابقة لعبت دورا في ذلك، سواء كانت جمهورية أو ديموقراطية. ويبدو ذلك متسقا إلى حد ما مع سياسة «فك الارتباط» مع العالم، التي انتهجتها واشنطن منذ الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الجمهوري جورج بوش الابن، وعمقها الرئيس الديموقراطي التالي باراك أوباما.

ربما الرهان الآن على عقلانية القيادات في القوى الأخرى الصاعدة، في الصين وروسيا وغيرهما، لتفادي الخطر النووي. لكن هناك قوى نووية أخرى، كالهند وباكستان مثلا وربما غيرهما، لا يعرف إن كان الرهان على التزامها «الاستقرار الاستراتيجي» للعالم ممكنا بأي درجة.

لذا، لا يمكن تجاهل أن الخطر النووي أصبح حقيقيا، ربما ليس كما قال الزعيم الكوري الشمالي، لكنه أيضا لم يعد احتمالا منعدما.

أحمد مصطفى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى