شوف تشوف

شوف تشوف

الخطافة 2.2

 

 

ملف السطو على سكنيات الدولة من طرف بعض أطر ومسؤولي الدولة، الذين استفادوا منها بسومات كرائية رمزية، يعتبر من أهم الملفات السوداء بوزارة التربية الوطنية التي تختزل وجها من أوجه الفساد بهذا القطاع. فرغم أن الوزارة بادرت، في وقت سابق، إلى نشر لائحة اسمية ومكانية لكل محتلي السكنيات الوظيفية والإدارية، إلا أن المبادرة لم تمتد إلى تحريك مسطرة الإفراغ وتنفيذ التهديدات التي أطلقت في وجه معترضي قانون الإفراغ الطوعي لهذه المساكن.

وإذا كانت الوزارة تتحجج، في كل فترة تطرح فيها أزمة احتلال السكنيات، بأن الحسم في قضايا الإفراغ يتجاوزها بحكم أنها رائجة بمحاكم المملكة وتنتظر التنفيذ الإجباري، فإن طابع الانتقائية في تحريك المسطرة ضد أشخاص دون آخرين يجعلها في موضع شبهة، وهو ما يفسر استمرار احتلال مسؤولين كبار غادروا القطاع منذ سنوات فيلات وإقامات فاخرة بالعديد من الحواضر الكبرى التي تقلدوا بها مناصب المسؤولية.

فالعاصمة الرباط محتلة عن آخرها، ولا يوجد مسكن واحد شاغر في مؤسساتها التعليمية، فجميع المساكن التابعة للمركز الجهوي في قلب مدينة العرفان محتلة كلها، من طرف مسؤولين سابقين، ومنهم من أصبح شبحا، أحال نفسه على التقاعد قبل الأوان، ويحتل مسكنا هناك.

والأمر نفسه في ما لا يقل عن عشر فيلات فاخرة في حي الرياض، بعضها تابع لمركز التوجيه والتخطيط، وما لا يقل عن ثلاثين فيلا أخرى موزعة ما بين حي اليوسفية ولالة عائشة وثانويات يعقوب المنصور، والأمر ذاته في سلا وتمارة، إذ إن جميع رؤساء المصالح هناك يحتلون مساكن وظيفية، مع أنها مساكن مخصصة في الأصل للأطر الإدارية للمؤسسات التعليمية التابعة لها.

والأمر لا يتوقف على العاصمة، فالوضع في القنيطرة والدار البيضاء كارثي بكل المقاييس، إذ هناك مفتشون تقاعدوا ومازالوا يحتلون مساكن، علما أن عملهم لعشرات السنوات في القطاع يعني أن لهم مساكن شخصية، غالبا ما يكترونها ليستفيدوا من سومتها الكرائية.

هكذا نكتشف وضعا غرائبيا، فمديرو أكاديميات ومديرون إقليميون ورؤساء أقسام ومستشارو وزراء سابقون وأطر من خارج قطاع التعليم ما زالوا يحتلون سكنيات راقية دون أن تنفذ في حقهم مسطرة الإفراغ رغم مقاضاتهم، بل إن بعض المسؤولين تم تنقيلهم إلى جهات وأقاليم أخرى ويصرون على الاحتفاظ بالفيلات، والنتيجة أن منهم من يملك أكثر من ثلاث سكنيات منتشرة بكل المواقع التي تكلف بمسؤولية تربوية أو إدارية بها.

وكانت الوزارة قد كشفت، قبل سنوات، عن هوية الموظفين المستغلين للسكنيات بدون سند قانوني، والذين ما زالوا يحتلونها بالرغم من إنهاء مهامهم أو إعفائهم منها أو انتقالهم للعمل بمدن أخرى أو إحالتهم على التقاعد. وجاء هذا القرار، حسب بلاغ للوزارة صدر في وقت سابق في الموضوع، بعدما اتخذت الوزارة كل الإجراءات الإدارية والقانونية الجاري بها العمل مع المحتلين للسكنيات الوظيفية، والتي مكنتها من استرجاع 1069 سكنا إلى حدود 2013، استفاد منها موظفون جدد، في الوقت الذي توجد دعاوى قضائية أخرى جارية وأحكام قضائية لم تنفذ بعد. لكن المشكلة هي أن المساكن المسترجعة دوما ما تكون مساكن لأرامل الموظفين أو بعض الموظفين الصغار كالأعوان، وإلا فمن يستطيع أن يخرج مديري مديرية الموارد البشرية السابقين من الفيلتين اللتين يحتلانهما في أرقى حي في العاصمة، على الرغم من كون أحدهما عاد إلى وزارة المالية التي كان مسؤولا فيها، والآخر غادر القطاع بالتقاعد وأضحى من كبار المستثمرين في التعليم الخصوصي؟

من يستطيع أن يخرج مدير أكاديمية القنيطرة السابق من فيلته الواقعة في مدخل مدينة العرفان، وهو المقرب جدا من عزيز رباح؟

من يستطيع أن يخرج محمد بنعبد القادر، وزير الوظيفة العمومية، من مسكنه الذي يحتله لسنوات في حي اليوسفية، وهو الذي لا يتوقف عن الدعوة إلى محاسبة الموظفين عن التوقيت الذي يضيعونه في صلاة الجمعة؟

المصيبة هي أن المديرية التي يتوجب عليها أن تحمي ممتلكات الوزارة، وتعمل على متابعة المحتلين وتنظم عملية الإسناد وفق المسطرة القانونية المعروفة، والقائمة على التباري النزيه، هذه المديرية يرأسها مدير مركزي حصل على مسكن إداري بدون اللجوء إلى المسطرة القانونية المعروفة، لكونه حصل بطريقة «أفلام الكوبوي» على فيلا تقع في حي الرياض تابعة لمركز التوجيه والتخطيط، ولا أحد سيحاسبه على هذا لأن «صديقه» في مديرية الشؤون القانونية والمنازعات هو أيضا يحتل المسكن الذي أفرغته الوزيرة السابقة لطيفة العبيدة في حي لالة عائشة الراقي بالعاصمة.

هذا على المستوى المركزي، أي على مستوى من يفترض فيهم أن يطبقوا القانون، أما على المستوى المحلي فحدث ولا حرج، فها هي المديرة الإقليمية لسيدي سليمان وضعت يدها بطريقتها الخاصة على فيلتين تابعتين للمركز الجهوي للقنيطرة وحولتهما إلى مسكن واحد، علما أنها تشتغل على بعد عشرات الكيلومترات، ففي الوقت الذي لا يجد مدير هذا المركز مسكنا يقطن فيه، استغلت علاقاتها مع مدير أكاديمية الرباط لتستفيد من مسكن غير تابع لنفوذها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى