شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الخطاب الديني التقليدي

«اللهم اهدم ديار الكافرين..»، هكذا سمعت خطيب الجمعة يقول، واحترت أنا ماذا أفعل. التفت إلى شاب حولي، وقلت له: هل انتبهت إلى هذه الروح الإجرامية، بالدعوة بالغرق والحرق والقتل والزلازل على قوم ذنبهم خلافهم العقائدي معنا؟ أليس هذا تأمينا على أحداث شتنبر بشكل غير مباشر؟ قال الشاب: لقد كانت مخففة، أما أنا فسمعت من يدعو: «اللهم رمل نساءهم ويتم أطفالهم، وزلزل أقدامهم، وأسقط طائراتهم، وأرنا عجائب خلقك فيهم.. »، ومع أن الله سمح لهم بالوجود والحياة وشمسه تشرق على الأشرار والأبرار، ولكن جماعتنا يحجبونها عن أربعة أخماس الجنس البشري. ولكن لماذا؟ لماذا هذه الكراهية للآخرين؟ لماذا نحن مشحونون بهذا الفيض من الحقد والإجرام؟ لماذا لا ندعو لهم بالرحمة والهداية؟ والجواب إنها طبيعة الثقافة العدوانية التي نتشربها مع نعومة أظفارنا. وتسري هذه الروح المدمرة إلى صلاة العيد، فمع أن السنة تقول بخروج الناس كلهم بمن فيهم النساء الحُيَّض في العيد إلى المصلى، ولكن المتشددين في بقاع من العالم الإسلامي ينشقون عن الجمهور ويلجؤون إلى صلاة خاصة بهم، فيرفعوا عقيرتهم بهدم الكرة الأرضية على رؤوس تسعة أعشار الجنس البشري. وأنا أفهم أن خطبة الأعياد مصادرة لحساب وعاظ السلاطين، ولكن هل المتشددون أرحم؟ ومع أن خطبة الجمعة جاءت للرحمة، ولكن الأصوليين حولوا المنبر إلى مكان لاستمطار اللعنات على معظم الناس، وإشعال الحروب في كل الجبهات. وأكثر ما يهيجهم فيختنق صوت الإمام من الانفعال، هو الدعاء على العلمانيين المرتدين من العرب أكثر من اليهود بثلاث مرات. وعندما يكرر الإمام اللعنات يختنق صوته بالبكاء، والجماهير خلفه تؤمن بالقتل، وأنا محتار بين التأمين والاستنكار.

خطبة الجمعة مصادرة في العادة بيد ثلاثة أحزاب: الموتورون والنائمون ووعاظ السلاطين. وإن حدث غلط فخرج عاقل يتكلم، عزل بسرعة بأشد من الإيدز وأنفلونزا الطيور وفيروس كورونا، فهذه هي رغبة الجماهير.. ومن كرس ثقافة الحقد جمع التلاميذ والأعوان، ومن تسامح تبخر جمهوره. فأما الفريق الأول من الحاقدين على معظم الجنس البشري، فيدعون بالدمار والويل والثبور لأمم لا نهاية أن يباد نسلهم ويقطع جذرهم وتغرق سفنهم ويهلكوا بددا فلا يبق منهم أحدا. وأما فريق (النائمين)، فهم يتثاءبون في استراحة فقهاء العصر المملوكي، أيام السلطان قلاوون الألفي، قبل ألف سنة. ولا تدور خطبة الجمعة عن أكثر من الحور العين وفواكه الجنة، في الوقت الذي يمشي المواطن العربي في جهنم أرضية، منذ أيام كافور الإخشيدي. وأما وعاظ السلاطين فكل دعائهم للسلطان أن يشد بالحق أركانه ويقوي أعوانه، وفي بلدان عربية يجب ذكر رئيس الجمهورية بالاسم. وكنت في زيارة إلى بلد ثوري، فهيأت نفسي لخطبة الجمعة أن أدعو فأقول: اللهم وفق رئيس الجمهورية إلى بناء الديموقراطية والتعددية وإراحة المواطن من فروع الأمن، التي أصبحت مثل أبواب جهنم السبعة، لكل باب منهم جزء مقسوم. ولكنهم أراحوني من الخطبة فارتاحوا وارتحت. وعنصر الأمن موجود لرفع تقرير عن كل خطبة، فهم يحصون دبيب كل نملة وطنين كل نحلة، ولا تأخذهم سنة ولا نوم ولا راحة ولا استراحة وإجازة وعطلة، فلعل فيروسا خطيرا ينشر وباء الاعتراض في أمة لا يوجد في قاموس ألفاظها كلمة اعتراض.

وحتى يمكن إعادة تشكيل الثقافة الإسلامية، فلا بد من التخلص من النماذج الثلاثة من الأحزاب المتسلطة على المنبر التي توجه عقل مواطن يحضر الصلاة منذ ثلاثين سنة ولم يتعلم ثلاثين كلمة، ويؤثر الشخير مع علو صوت الواعظ، أو يتذكر مشاريعه التجارية، فهي أجدى له من كلام لا يحل له مشكلة.

وبنقلة نوعية من هذا النوع يمكن استبدال الأدعية العدوانية بأدعية رحمانية، تدعو إلى السلام بين بني البشر وإيقاف نار الحروب. ولكن طلبا من هذا النوع بإيجاد وابتكار نماذج جديدة من خطب الجمعة وأدعية محدثة وإدخال الديموقراطية إلى المسجد بالتعددية، أي أن لا يتكرر خطيب واحد على منبر واحد أكثر من أسبوع، ويأتي آخر من اتجاه آخر حتى يسمع المصلي كل أنواع الكلام، فمن أراد أن يثني على السلطان قلاوون الألفي فليفعل، ومن أراد أن يدعو إلى إحياء العقل فله ذلك، ومن أراد أن يتكلم عن فوائد التصوف فليشرح، ومن أراد أن يقول إن السلفية هي أفضل مذهب على وجه الأرض فلنسمح له، ولندع الجميع يتكلم فلا يصادر الجامع والمنبر اتجاها بعينه. ولكن كلامي هذا يشبه قصة جحا مع ابنة الملك، ففي يوم قال جحا لمن حوله: لقد خطبت بنت الملك قالوا: مبروك. قال جحا: ووفرت كل الشروط إلا شرطا واحدا. قالوا: وما هو يا جحا؟ قال: أن ترضى ابنة الملك بي.

 

خالص جلبي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى