شوف تشوف

الرئيسيةفسحة الصيف

الخطابي يتحدث عن نسبه ونشوب الحرب مع الإسبان وغنائم الريفيين بعد انتصارهم فيها

مذكرات لاريونيون :كتب تنقل تفاصيل حياة ابن عبد الكريم الخطابي في لاريونيون

ليس للعائلة الريفية ما يعتمد عليه من الرسوم لإثبات نسب ما بكيفية حقيقية لما تناوب عليها من الفتن والأهوال والحروب الأهلية وتقاتل الطوائف والأحزاب جيلا بعد جيل، إنما بعض عائلات قليلة تثبت لنفسها نسبا معتمدة على التواتر وتوارث الاسم الخاص، وفي الغالب لا تكون هاته العائلات إلا التي تريد اتصال نسبها بالرسول عليه السلام بواسطة مولاي إدريس دفين زرهون.

أما البربر الذين هم الأهالي الحقيقيون بالمغرب وبالريف وشمال إفريقيا عموما، كما هو معلوم، فلا يهتمون بإثبات أنسابهم ولا يرون في ذلك فائدة زيادة على ما تقدم.

إذا علم هذا فالمؤرخ، مهما كانت له من الرغبة في معرفة أصول العائلات وتفرعها، لا يستطيع أن يقف على ذلك ولا يجد وسيلة للوصول إلى المرغوب.

هاته مقدمة يعلم بها القارئ أننا إذا حاولنا أن نثبت لعائلة عبد الكريم نسبا حقيقيا مبنيا على رسوم تاريخية لا نجد أمامنا سوى ما فصله السيد الوالد المرحوم عن معاصريه أو رواه عن والده ووالده عن والده وهكذا.

 

ما كتبه والده عن نسبه قبل وفاته بأيام

إن الوالد كتب قبل وفاته ما سجله ورواه بعد البحث والاعتناء التام عن النسب، وذلك الكتاب قد ضاع في جملة الأشياء التي ضاعت، ولكن ملخصه أن نسبه على وجه الظن كان يتصل بسيدي زرعة دفين ينبوع.

 

العائلة

من المحقق أن عائلتنا اكتسبت مع طول الزمن والتناسب مع الريفيين الخصال البربرية وامتازت كبعض العائلات الأخرى الريفية بالتفوق في الاعتناء بتربية أولادهم وتعليمهم، واشتهر بعض أفرادها بالعلم والسياسة وشغلوا وظائف مختلفة مع سلاطين المغرب مثل القيادة والقضاء، وأحسنوا (ص.2 أ) التصرف في مهماتهم بما كان فيهم من الإخلاص والصدق والأمانة، وحيث إنه من المتعذر الآن التكلم في هذا المختصر عن كل الأفراد وأشغالهم مع السلاطين المتقدمين، فإني أكتفي بذكر المتأخرين.

كان عم الوالد سيدي زيان بن محمد بن عبد الكريم قائدا على أيت يوسف وعلي من بني ورياغل مع السلطان المرحوم مولاي الحسن، وأثناء قيادته وقع له حادث مع قائد جزيرة النكور الإسباني استدعاه السلطان لحضرته (ص.2 ب) لإجراء البحث في القضية فأسفر البحث عن استقامته ونزاهته وحسن تصرفه فجازاه بترقيته إلى القيادة العامة على الريف الغربي. وشقيق الوالد سيدي محمد كان اشتهر منذ صغره بالذكاء والحفظ حتى أدرك شهرة عظيمة في العلم. وبعد أن أتم دروسه الأخيرة في جامع القرويين استدعاه السلطان مولاي الحسن لتعليم بعض أولاده لما فيه من زيادة العلم والتحصيل والمروءة، فلم تطل حياته ومات ولم يتزوج ودفن بفاس بباب الفتوح حذاة (كذا) (حذاء والخطأ في نسخة البارودي وليس الأصل) سيدي بوغالب.

 

الوالد سيدي عبد الكريم

قد كان متوليا خطة القضاء مع المرحوم مولاي الحسن ثم مع نجله السلطان مولاي عبد العزيز ثم مع مولاي عبد الحفيظ. وقد كان مولاي عبد العزيز ولاه أيضا خطة المراقبة على قواد بني ورياغل وتصرفهم لما كان فيه من الإخلاص للسلطان وحسن الطوية وصفاء السريرة والأفكار العالية، فكان محل ثقة السلطان بالريف وحاول دائما بكل قوته وأفكاره السامية إصلاح وطنه وترقية شعبه ونشر ألوية الأمن في الداخلية وحمل الناس على طاعة سلاطين المغرب، وطالما قدم نصائح للسلطان ولولاته في مختلف البلاد وبالخصوص في ثورة الجيلالي الزرهوني وقيامه على السلطان، فقد صرف همته كلها وترك أشغاله الخصوصية وأنفق ماله الخاص في إخماد تلك الثورة وإعادة نفوذ السلطان بالريف حتى انتهى أمر الثائر على الصفة المعلومة بسبب انكساره في تراب بني ورياغل في عهد السلطان عبد الحفيظ.

مع هذا الاجتهاد كله ومع هذا العمل كان يرى بفكره الصائب أن دولة المغرب قد شاخت وهرمت وأن أيام شبابها وكهولتها قد انصرمت وأن تداخل الأجانب في شأنها صار أمرا مقضيا، وإذ ذاك حول نظره إلى مسألة الريف بالخصوص ومستقبله مع الأجنبي (ص.3 أ) الذي انتدبته الدول للمنطقة الريفية وإصلاحها بالمعاهدات المعلومة، ورأى من الحكمة والرأي السديد أن يساعد إسبانيا في ما عهد إليها من تنفيذ شروط مؤتمر الجزيرة الخضراء، فسعى بكل جهوده في إقناع الريفيين بوجوب الاتحاد والرضوخ لهذا المؤتمر لما فيه من المصلحة. وقد قاسى الشدائد الجمة بسبب ذلك لأن الريفيين لم يفهموا للمعاهدة الدولية معنى ولا يرضون إلا بغير حريتهم التي عاشوا عليها زمنا طويلا.

 

ابتداء هجوم الإسبان على الريف

في أواخر أيام الثائر الزرهوني كانت شركة إسبنيولية معدنية قاولته في استخراج معادن وكسان، فأسست هنالك بعض أبنية، فما لبث أن زال نفوذ الثائر من ضواحي الريف وبالتالي من قلعية، فتولد عن ذلك مشكل قليل الأهمية في نفسه بين الريفيين والإسبانيين أفضى إلى مخابرة جرت بين الجنرال مرينة قائد مليلية حينئذ ورؤساء القبائل المجاورة وفي مقدمتهم سيدي محمد أمزيان في استمرار الشركة على عملها، فكان جواب الريفيين أن (ص.3 ب) ترفع القضية إلى سلطان المغرب الذي له الحق في فصل مثل هذه القضايا، وبالخصوص في هاته المسألة التي هي من مسائل السياسة الخارجية. وزيادة فإنهم لا يأمنون على حياة أي أجنبي إذا لم يكن بإذن السلطان فلم يقنع هذا الجواب الجنرال مرينة وانقطعت المخابرة على هاته المسألة وأرسلت الشركة إذاك بعض العملة لمواصلة الأشغال ولم تعبأ بجواب الريفيين فكان من المقدور أن ذهب بعض الرعاع وقتل بعض العملة وفر الباقون، وبالغد خرجت فرقة من الجيش الذي تحت قيادة الجنرال مرينة إلى ما وراء الحدود حيث مقتل العملة وانتشب القتال.

أما الوالد ففي خلال ذلك كان أشار على الإسبانيين بوجوب التأني وعدم الإسراع بفصل المسألة حتى يعمل الواجب، ومن جهة خاطب الريفيين بلزوم الصبر وانتظار جواب السلطان الذي كان قد أعلمه كتابة، وعدم إذاية العملة والأجانب، فلم يصادف قبولا من الجانبين وكان ما كان.

أما السلطان فقد أجاب بعد ذلك بالكافي وأنه يفصل القضية بطريق السياسة.

 

فاتحة القتال ووصول النجدات من إسبانيا

قدمنا أن الجنرال مرينة أرسل فرقة من جيشه إلى ما وراء الحدود وانتشب قتال صغير بين الفرقة والدشور المجاورة. وبالطبع انتشر الخبر بسرعة في القبائل الريفية وأحدث انزعاجا كبيرا وتألب الريفيون، وكذلك تواردت النجدات العسكرية من إسبانيا والتقى (ص.4 أ) الفريقان في سفح جبل سيدي أحمد الحاج، وهي المعركة الأولى أي على مقربة من الحدود بكيلومترين ولم تتقدم الجنود الإسبانية سوى بضع مئات من الأمتار لأنها صادفت مقاومة شديدة دموية خسر فيها الإسبانيون عددا عظيما من جيشهم وضباطهم وفي جملتهم الجنرال بينتوس. وهكذا تواصلت المعارك بشدة وخسائر جسيمة تعد بالآلاف، ومات كذلك من الريفيين عدد لا يستهان به، ولكنه قليل بالنسبة للإسبانيين.

قد فاتنا أن نذكر أن الريفيين رأوا من المصلحة أن ينصبوا رئيسا حربيا يرجع إليه الأمر، فلم يجدوا رجلا أنسب من الشريف سيدي محمد أمزيان، فانتصب رئيسا وأحسن التصرف في مهمته وقام بواجبه من الإخلاص والصدق في ما يرجع للأمور الحربية، وواصل عمله بعزم لا يعرف الملل. واستمرت المعارك الدموية كلما حاول الإسبانيون التقدم إلى الأمام وتكبدوا الخسائر الكبيرة في العسكر والضباط والجنرالات منهم الجنرال أرذونييز، وكذلك تكبدوا الخسائر المالية الباهظة، وكذلك الريفيون خسروا زهرة شبانهم وشجعانهم ورؤسائهم. وبالجملة فقد تحولت المسألة إلى حرب ذات أهمية لا تقل أهمية عن أي حرب أخرى وصارت إسبانيا تحارب للفتح لا للحماية وفقد تداخلها بمنطقة الريف صفة الحماية رأسا وصار حربا وانتقاما.

 

مقتل سيدي محمد أمزيان

مات سيدي محمد أمزيان مقتولا في إحدى المعارك قرب واد كوط (المقصود كرط والخطأ في النسخ) وكان لموته تأثير شديد في الريف حتى عند أضداده من الرؤساء واتفق موته أن كانت حكومة إسبانيا عزمت على تغيير خطتها الحربية ومساعدة التقدم العسكري بسياسة استمالة رؤساء القبائل بالمال وتفريق كلمة القبائل ووقفت الحركة العسكرية مدة من الزمن، إلا بعض نقط غير مهمة كانت تتقدم إليها الجنود بمساعدة بعض الأهالي ولكن كل ذلك لم يغير خط الاحتلال تغييرا محسوسا. أما الريفيون فقد كانوا دهشوا من موت سيدي محمد أمزيان بعض الدهش ولكن استمروا برئاسة الأشياخ يقاتلون كلما حاول تقدم خطوة إلى الأمام رغما عن انتشار سياسة الاستمالة بالمال.

 

غنائم الريفيين ومصدر ذخائرهم الحربية

يجدر بنا قبل أن نذكر الغنائم أن نقول كلمة عن مصدر السلاح والقرطوس قبل انتشاب الحرب، فنقول إن إسبانيا كانت ترخص لكل ريفي أن يشتري بماله بندقية أو بندقيتين والقرطوس اللازم من مالقة والمدن الأخرى الإسبانيولية ترخيصا رسميا بجواز يأخذه من أراد من الريفيين من عند حاكم جزيرة النكور أو بادس أو مليلية، والبارود والكبريت وجميع المواد كالديناميت وغيره، ويكرر الترخيص لشخص واحد المرات التي يريدها حتى امتلأ الريف سلاحا وقرطوسا (ص. 5 أ) وبعد انتشاب الحرب صار الريفيون يأخذون الغنائم من السلاح والقرطوس ما لا يحوجهم إلى شيء آخر، وأما ما يصلهم بطريق التهريب فشيء كثير.

 

عمل الوالد في هاته الحرب

إن الوالد كان يرى أن مصلحة قومه في عدم مقاومة الإسبان وأن الفائدة في الرضوخ للحماية، فهو بهذا الفكر خدم إسبانيا خدمة جليلة، إذ كان عمله يضاد تئالف (كذا) (تآلف) الريفيين فيما يرجع للمقاومة بالسلاح، فاستفادت إسبانيا كثيرا من ذلك في أواخر الأمر ولا يطلب عن ذلك عوضا من إسبانيا إذ كان يعتقد أنه يخدم المصلحة العامة بل يصرح لولاة إسبانيا بنيته وغايته وإصابته من جملة الريفيين أضرارا مادية وأدبية واضطر إلى مغادرة الريف مرتين والتجائه إلى تطوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى