الخاسر الأكبر
احتاج تجمع الأحرار إلى «شفاعة» الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، من أجل الانضمام إلى نادي الأحزاب السياسية التي تخلصت من عقدة رحم الإدارة، بعد مخاض عسير.
في البداية لم يجد الاستقلاليون غضاضة في أن يشاركوا إلى جانب الأحرار في حكومة أحمد عصمان، فقد كانت علاقاتهم بالحليف الاشتراكي مشوبة بالخصام، لكن مبادرة الوزير الأول الأسبق عبد الرحمن اليوسفي بإشراك الأحرار في حكومة التناوب، إلى جانب هيئات أخرى، مثل جبهة القوى الديمقراطية والتكتل الشعبي الذي كان يتزعمه المحجوبي أحرضان، قلبت الكثير من المفاهيم والصفات. ولم يتردد الوزير محمد اليازغي صاحب مقولة «الحزب السري» في أن يضع يده في يد الأحرار كباقي الأحزاب السياسية، ما يعني أن تراكم التجربة في إمكانه تصحيح أخطاء الميلاد القسري.
في ضوء تداعيات انتخابات مكاتب الجهات وعموديات المدن، اعتلى تجمع الأحرار واجهة الأحزاب الخاسرة، ليس لكونه حاز على مرتبة أقل من «الأصالة والمعاصرة» و«الاستقلال» و«العدالة والتنمية»، ولكن لأن مآل تحالفاته أبعده عن البقاء في المربع الذي كان يوجد به، كواحد من المكونات الأساسية للائتلاف الحكومي. وهذه هي المرة الأولى التي يصفه بعض حلفائه بنعوت لم تكن تستخدم في التصنيفات والقواميس والمصطلحات الحزبية الموزعة بين اليمين واليسار والوسط والإسلاميين حتى.
ولعل الصفعة التي وجهت إلى أحد أبرز قيادييه الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب الحالي تبعث على التأمل، أقله لناحية فقدانه الثقة في مركز نفوذه الافتراضي في بلدية تطوان. أفتح قوسين لاستحضار وصف دبلوماسي تناهى إلى المراجع الرسمية في المغرب في تسعينيات القرن الماضي، فقد انتُدب الوزير الأول عز الدين العراقي لتمثيل الرباط في مؤتمر قمة عربي، وتردد حينها أن بعض الرؤساء لم يستسيغوا كيف أن المغرب أرسل وزيرا أول، يواجه طلب سحب الثقة عبر ملتمس الرقابة الذي قدم ضد سياسة حكومته.
خُلاصة الموقف أن الطالبي العلمي الذي خرج من النافذة في بلدية تطوان، لا يزال يحتل رئاسة أهم مؤسسة تشريعية، انبثقت عن وفاق ترتب على خلفية انضمام تجمع الأحرار إلى حكومة عبد الإله بن كيران. وبالتالي فقد صار من غير المفهوم أن يستمر في رئاسة المؤسسة التشريعية، أخلاقيا على الأقل. ولأنه لا يوجد في القوانين التنظيمية ما يحول دون إكمال ولايته، يبقى من الجائز استعمال الورقة السياسية بديلا عن القوانين التنظيمية، وإن كان الأمر مستبعدا في السنة الأخيرة من عمر الولاية التشريعية.
هل خسر تجمع الأحرار بعضا من ثقة الناخبين، أو ما يوازيها من ثقة حلفائه في السلطة التنفيذية؟ ما يهم أن الوئام الذي كان سائدا تعرض لاختبار صعب. وإذا كان من حق تجمع الأحرار كأي هيأة سياسية أخرى أن يختار حلفاءه، فالقاعدة المنطقية تقول إن حيازة شيء تفقد شيئا آخر. فقد كان أحد السياسيين يقول أنه لا يمكن تناول العلكة مع وجبة الطعام. وإذا كان لابد من إرضاء شهوة ما فليكن قبل الوجبة أو بعدها. ما يقود إلى استخلاص أن الاختيار يبقى مشاعا بنفس القدر أمام الجميع، مع فارق جوهري في الأسباب والخلفيات والمواقع، وما يمكن أن يتم التفاوض عليه من مصدر القوة لا تكون نتائجه مماثلة عند الضعف. غير أنه في حالة الأحزاب يبدو جليا أنها تميل إلى إضعاف نفسها، إما لسوء تقدير أو تحت تأثير حسابات ما.
من طبيعة الانتخابات المحلية أنها لا تؤثر كثيرا في التحالفات السياسية، بحكم نوعيتها التي تتم على الأرض، وفق مقاربات تأمين الحضور المحلي. وقد كانت تجرى قبل التشريعية من دون أثر كبير، ثم صارت تنظم بعدها، واليوم تسبقها بأكثر من عام، مع أنها كانت مقررة في الأصل قبل سنوات.
يبقى أن أهم خلاصة أنها أثرت هذه المرة بقسط وافر في اللاحق من التطورات، وبعد أن أصبح كل شيء في حكم الثابت، باستثناء انتخاب مجلس المستشارين الذي سيكون محكا جديدا لقياس درجة التحالفات، إن لم يكن على مستوى أفق التشريعيات القادمة ففي مشارف التحالفات التي كادت تخلخل بنيات الأغلبية والمعارضة بنفس المعيار. غير أن السباق المحموم إلى رئاسيات البلديات والجهات يفترض مبدئيا أن يتبلور عبر مبادرات تروم النهوض بالأوضاع المحلية. فهذه قضية تحتل الأسبقية، بصرف النظر عن الرابحين والخاسرين.