يونس جنوحي
من كثرة التعقيدات التي أصبحت تُحيط بمجال التعليم العالي، بات من الضروري للمُرشحين، ومعهم عائلاتهم، أن يتفقهوا أولا في المجال، ثم يختاروا التخصص لاحقا إن كان في العمر بقية طبعا.
معادلة الشهادات شبح يهدد مستقبل الخريجين الحاصلين على دبلومات في الخارج. وفي عهد حكومة بنكيران الأولى قامت الدنيا على لحسن الداودي، الوزير السابق للتعليم العالي، بسبب دخوله «عش الدبابير» المتعلق بغابة معادلة الشهادات، إلى درجة أن بعض خريجي تخصصات توجد في جامعة القاهرة، خصوصا شهادات الدكتوراه، بالإضافة إلى شهادات معاهد الصيدلة وطب الأسنان في أوروبا الشرقية، يحسون كما لو أنهم تعرضوا للنصب..، إذ يكتشفون، بعد سنوات الدراسة ومصاريف الإقامة في الخارج، أن بعض الدبلومات التي يحصلون عليها لا تمكن مُلاءمتها في المغرب. هذا دون الحديث عن «التنكيت» الذي يمارسه المغاربة ضد الحاصلين على شهادات الطب من أوكرانيا ويوغوسلافيا -خصوصا أيام الاتحاد السوفياتي- والذي لا يزال مستمرا إلى اليوم رغم أن أعداد الراغبين في الدراسة هناك في ازدياد.
من المؤسف فعلا أننا بلد أسست فيه أول جامعة في التاريخ، وهي جامعة القرويين، قبل أن تكون هناك أية جامعة أخرى فوق كوكب الأرض، لكننا اليوم في ذيل قائمة جودة التعليم العالي وبالكاد ننافس الدول التي تعيش الحروب أو المجاعات. ونادرا ما نسمع عن ترتيب جامعة مغربية في قائمة أفضل الجامعات في العالم، إذ لا يمكن أن نفخر بجامعة ما لم تصل على الأقل إلى قائمة أفضل مئة جامعة حول العالم، لأن معايير التصنيف تختلف، وهناك مستوى في التنافس لا يمكن الحديث عن جودة التعليم في المغرب إذا لم تبلغه جامعة مغربية واحدة على الأقل.
وما يحز في النفس أن هناك خريجين مغاربة من الجامعة المغربية، وصلوا أعلى المراتب في المؤسسات العلمية الكبرى حول العالم، بما فيها تلك المتعلقة بالصناعات الدقيقة والصناعات الطبية وحتى صناعات الفضاء. وهو ما يعني أن المغرب لا تعوزه الكفاءة ولكن يعوزه تنظيم مؤسسات التعليم العالي لكي تكون قادرة على المنافسة. والدليل على هذا الأمر أننا لم نسمع أبدا عن طالب مغربي متفوق في التعليم الجامعي محليا، يُطرد من جامعة مرموقة لأنه لا يستطيع، مثلا، مواكبة التخصصات التي دخل الجامعات الغربية المرموقة من أجلها..، بل، على العكس تماما، إذ دائما ما يُحرز الطلبة المغاربة، أبناء التعليم العمومي على الخصوص، نتائج مشرفة.
وحتى في التخصصات الأدبية، خصوصا على مستوى الترجمة والنقد والتحليل السياسي والدراسات الاجتماعية والقانونية، دائما ما يحرز الخريجون المغاربة جوائز على المستوى العربي نظير دراساتهم وإسهاماتهم الفكرية، ويتفقون على أطر وأساتذة من جامعات أخرى مثل جامعة السوربون التي تُنتج سنويا دراسات مهمة عن الأدب والثقافة العربية.
المشكلة أن غابة التخصصات في المغرب موغلة وموحشة. الأسر هذه الأيام تعيش حيرة كبيرة بسبب عدم وضوح الرؤية أمام الراغبين في ولوج عدد من التخصصات، والأغلبية اليوم يعتبرون الجامعة المغربية مقبرة للأحلام، في حين أن الجامعة في كل الدول المحترمة مصانع حقيقية لتكوين أطر المستقبل وكفاءات البلد.
الموسم الجامعي المقبل لا يفصلنا عنه سوى شهر وبضعة أيام، وككل سنة، لا بد أن نسمع عن احتجاجات ضد إدارة جامعة ما، حول «الطرق الملتوية» في ولوج تخصصات الماستر، ونسمع من جديد عن اتهامات التلاعب بالنقاط، ونكرر الأسطوانة القديمة نفسها التي تجعل الجامعة المغربية، في كل سنة، تتقهقر في سلم الترتيب. وبدل أن يكون هناك مشروع يرعاه الغيورون على التعليم في هذا البلد، نجد أن أغلب القائمين عليه يفضلون إرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة، ويستغربون لماذا لا يثق الناس في المدرسة العمومية!