شوف تشوف

الرئيسية

الحياة بعد التقاعد

يونس جنوحي
مضحك فعلا أن تكون معاناة الذين اقتربت إحالتهم على التقاعد، هي نفسها معاناة الموشكين على التخرج. يعيش هؤلاء نفس الهواجس. الخريجون قلقون من ركود سوق الشغل، وعلى مستقبلهم في هذا الواقع الضبابي. والمحالون على التقاعد قلقون بشأن التحول الكبير الذي يطرأ على الأجرة الشهرية، وعلى مستقبل أنشطتهم اليومية في بلد لا يقدم المسؤولون فيه شيئا للطبقة النشيطة فما بالك بالذين وصل دورهم في الراحة من هموم هذه الحياة.
لعل أكثر الأعمال الدرامية التي تناولت موضوع هموم المتقاعد ومشاكله مع الحياة، مسلسل «الساس» الذي لعب دور بطولته الفنان عزيز موهوب الذي غادرنا إلى دار البقاء مؤخرا فقط. حوالي 25 سنة مرت على دور المتقاعد الذي لم يحقق شيئا من الوظيفة العمومية كموظف في إدارة لا تعترف بالكفاءات ولا تُكافئ إلا الذين يمارسون كل شيء داخل الإدارة إلا قضاء مصالح المواطنين. وهكذا دخل المتقاعد في هموم بناء منزل لأسرته الصغيرة ورهن مستقبل ابنته معه بعد أن أدرك أن ماضيه كله لم ينفعه في اقتناء بقعة أرضية صغيرة ربما لا تصلح حتى لتكون مقبرة للعائلة فما بالك أن تكون بيتا للاستقرار.
المسلسل الحقيقي للتقاعد بدأ قبل سبع سنوات من اليوم عندما صفعونا بحقيقة اختفاء أموال صندوق التقاعد بطريقة غامضة، ورأت الحكومة أن الحل هو الاقتطاع من الأجور لملء الصندوق وسرقة جزء من أعمار الموظفين من خلال تمديد سنوات ممارستهم للوظيفة. والغرض من هذه الخطوة بطبيعة الحال هو إضافة أشهر أخرى من واحب الانخراط في الصندوق قبل أن يُحال المعني بالأمر على التقاعد، ويفكر في البحث عن عمل حر حتى يستطيع إعالة نفسه وأسرته. فإذا كانت الأجرة أصلا غير كافية، حسب مؤشرات دولية، لسد الحاجيات الأساسية، فماذا
سيغطي التقاعد؟
أمر طبيعي إذن أن يقلق المتقاعدون بشأن قوتهم اليومي حتى في حالة تخلصهم من أعباء مصاريف الأبناء الذين يكونون في العادة قد حصلوا بدورهم على مورد دخل يُعفي الأب المتقاعد من القلق بشأنهم. يحدث هذا في أفضل الحالات. لأن جولة واحدة في شوارع وأزقة أي تجمع سكاني في المغرب، سيؤكد أن المغربي المقهور يعمل من المهد إلى اللحد، حتى أنه أصبح عاديا جدا أن يقطع الشارع شيخ في السبعين أو الثمانين وهو يجر عربة يدوية محملة بالبضائع، أو يحرس السيارات المركونة ليلا.
وعلى ذكر حراسة السيارات، فقبل فترة زار أحد مشاهير مصوري الشوارع عبر العالم مدينة الرباط وسجل صدمته وحيرته من كون مهنة حراسة السيارات ليلا لا يزاولها إلا المتقاعدون الذين يفترض أن يكونوا نائمين بعد نشرة المساء بعد شرب الحساء وليس في علبة من الكرتون اتقاء للبرد القارس وهم يحرسون السيارات في شوارع مفتوحة على كل شيء.
حياة المتقاعدين في المغرب تدعو فعلا إلى التأمل. لا أمل لهم سوى المقاهي بكراسيها والحدائق العمومية بجنباتها الباردة. هذا إن كانوا يعيشون في أمكنة بها حدائق. ففي المناطق النائية لا يتوفر للمتقاعدين سوى جدار المسجد لكي يستندوا إليه كل يوم في انتظار اليوم الموالي لكي يقوموا بنفس ما قاموا به في اليوم السابق: الانتظار وتأمل الفراغ. وربما حساب ثقوب المصاريف التي تعصف بما تبقى من الأجور التي تُقزم بشكل مخيف باسم «المعاش».
وبما قد يُصبح فعلا صندوق التقاعد مستقبلا، فالأمر ليس مستحيلا على كل حال. لكن من يعيد لكل هؤلاء الذين سرقت أعمارهم بعض الاعتبار على الأقل. الأمر شبيه بالمشاركة في حرب والخروج منها دون إعلان النتيجة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى