شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

الحياة الزوجية في المنفى

هكذا كان زعماء سياسيون يدبرون حياتهم الأسرية بالخارج

في حياة المنفى، يعيش المنفيون على إيقاع حياة رتيبة عنوانها العزل والطرد في إقامة مهما كانت فإنها تظل عزلة لاإرادية خارج الوطن.

في المنفى، إبعاد قصري عن الأهل والأحباب وإصرار على قطع وشائج الارتباط بالوطن بالأهل والأحباب، ومقام بعيد يقضي فيه المنفي ساعاته الطويلة في التذكر واختبار ألم الذاكرة.

هناك فقط يتجرد السياسي مما تبقى من وجاهة وسلطة، ويصبح مجرد اسم مطرود من المشهد السياسي لا يملك سوى آهات وحسرة على الذي مضى.

في المنفى، يتحول الفاعل المرفوع إلى مفعول به تارة، وتصبح أقواله ومواقفه مجرد فعل ماض ناقص، ليس له سوى الحنين المولد للحسرة والأنين.

لكن مفهوم النفي، خاصة الانفرادي منه، ظل مرتبطا بالتمرد على الوضع الجديد الذي تتولد عنه أمراض نفسية وجسدية، تجعل فهم الانتقال من الوجاهة والحكم إلى عزلة ونبد عصيا.

الحياة الزوجية تصبح ذات أهمية قصوى في حياة النفي الرتيبة، فالرئيس الجزائري أحمد بن بلة، لم يتزوج من «زهرة» إلا بعد إحالته على الإقامة الجبرية إثر إزاحته من الحكم. وعلى نفس المنوال سار كثير من أقطاب النفي السياسي الذين تحولت زوجاتهن إلى بلسم يداوي العزل.

في الملف الأسبوعي نسلط الضوء على الحياة الزوجية للمنفيين، وكيف عاشوا خلوتهم وحولوها إلى لحظات انفراج.

 

رسالة علال الفاسي إلى زوجته من منفاه بالغابون

يروي عبد الواحد الفاسي قصة الفراق الاضطراري بين والده ووالدته، أثناء نفي الزعيم الاستقلالي إلى الغابون، ومدى تمسك والديه بعضهما البعض، وأشار إلى أنه بالرغم من الانفصال الجسدي إلا أن الارتباط الوجداني ظل حاضرا. «كان والدي مغرما بها، وقد قال في إحدى رسائله التي بعثها إليها حين كان منفيا في الغابون «اذكريني تحت سقف الياسمين». لقد كانت رسائله تفوح عشقا وهياما بها رغم محاولته تغليف مشاعره، وفي الرسالة نفسها يخبرها بأن غيابه سيطول مخيرا إياها بين الانتظار أو الحرية، وقد رفضت الزوجة الحرية، وأفنت تسع سنوات من عمرها في انتظار علال، تتألم وتبكي من لوعة الفراق، وبين ذراعيها ابنتها الكبرى التي كانت لا تزال صغيرة السن والكل يحاول إسعادها ولعب دور الأب في حياتها رغبة في تعويضها وأمي عن محنة أبي في منفاه».

عاد الزوج المنفي إلى زوجته وأبنائه سنة 1946، بعد تسع سنوات من النفي والقهر والاغتراب، فوجد زهرة وفية لدورها حريصة على تنفيذ وصية علال، لكن سرعان ما زادت حدة الحصار المضروب على الرجل، إذ اكتشف الاستعمار الفرنسي أن النفي لم يزد الزعيم إلا شهرة. لكن بالمقابل تحولت الزوجة إلى ممرضة تعمل صباح مساء لترميم الجانب الصحي لزوجها العائد من تجربة منفى الأدغال، مما أصابه بمرض الكلي.

أسر الزعيم الحزبي لزوجته بنيته اللجوء الطوعي إلى مصر، ودعاها إلى حزم حقائبها استعدادا للمغادرة، ومع مطلع سنة 1947، كانت الأسرة تحط الرحال في القاهرة، هناك ساهم في التعريف بقضية المغرب في مختلف المحافل، من خلال تأسيس مكتب المغرب العربي في القاهرة في فبراير 1947.

قضى علال وزوجته عشر سنوات في العاصمة المصرية، إلى أن تطبع الأبناء بثقافة أرض الكنانة، وعندما عادت الأسرة إلى المغرب وجدت صعوبة في الاندماج من جديد، خاصة وأن زهرة عادت رفقة الأبناء في انتظار التحاق علال، وهو ما يتذكره الابن عبد الواحد بكثير من النوسطالجيا «ما واجهناه حين عودتنا رفقة الأم، هو الاندماج في المجتمع، فقد كنا لا نجيد لهجة سوى اللهجة المصرية، وأتذكر أن أبي جاءنا بثلاث أسطوانات حين قررنا الرجوع إلى أرض الوطن، الأولى للفنان فيتح «أومالولو» والثانية للحمداوية «ملي مشى سيدي»، والثالثة للمرحوم الحسين السلاوي «مريكان»، وكنت أنصت بإمعان إلى هذه المقطوعات مع شرح لمعاني الكلمات التي كانت تفسرها أمي».

لم تتجاوز خلافات الزوجين، حدود المطالبة بمنح هامش أكبر للدفء الأسري، وتطبيع العلاقات مع الأبناء، وبين الفينة والأخرى كانت تغضب من إسراف علال حين يقرر اقتناء بعض المخطوطات، التي يصرف من أجلها كل أمواله.

 

رشيد الخطابي.. ولد في المنفى وتزوج في سوريا

ولدت صفية الحسني الجزائري في 27 أبريل من سنة 1935 بدمشق، وهي تنحدر من أصول جزائرية، فجدها هو العلامة عبد القادر الجزائري، أحد رموز الجارة الشرقية الجزائر، وهو دفين العاصمة السورية. صفية هي زوجة الدبلوماسي رشيد الخطابي، ابن شقيق الأمير بن عبد الكريم، ثم زوجة إدريس ابن الخطابي بعد ذلك.

تعرفت صفية على رشيد الخطابي، نجل محمد عبد الكريم الخطابي، زعيم الريف، حين حل بدمشق من أجل إتمام دراسته العليا في الكلية الحربية للعاصمة السورية، وشاءت الصدف أن يقطن الشاب الريفي شقة لا تبعد كثيرا عن الشقة التي تقطنها عائلة الجزائري.

ولد رشيد في المنفى سنة 1926، وتحديدا بجزيرة لاريونيون الواقعة تحت النفوذ الفرنسي، وهو الرابع من الذكور والخامس بعد أخته طيموش، وجميع من عرفه سواء داخل بيت الخطابي أو خارجه يقر بشبهه الشديد بوالده.

كان الشاب مثار إعجاب الجيران، حين حظي بمكانة اعتبارية خاصة في الحي، وكانت تتردد على بيته شخصيات حكومية وازنة ويركب سيارة فاخرة قيل إنها هدية من ملك السعودية. ولأنه ابن المناضل الريفي.

تبادل الشاب المغربي نظرات الإعجاب مع صفية، وقرر الارتباط بها، بوساطة من أحد أفراد عائلتها وتمت الخطبة سنة 1953، وبعد سنة أقيم حفل الزفاف، وشاءت الأقدار أن يعود إلى دمشق ليس طالبا في الكلية الحربية بل سفيرا للمغرب لدى مصر وسوريا، بحكم الوحدة التي كانت تجمع البلدين، وكان الملك الراحل محمد الخامس هو من اختار ابن محمد الخطابي لهذا المنصب بالنظر إلى شبكة العلاقات التي كونها في دمشق، ما حكم عليه بالتنقل بين مصر وسوريا بانتظام.

نالت صفية صفة زوجة ابن المناضل ومحرر الريف، محمد عبد الكريم الخطابي الذي أصبح صهرها، قبل أن ينال زوجها صفة دبلوماسي، وتصبح مقربة من القصر، سيما بعد أن نسج محمد الخامس علاقة مودة مع عائلتها حين زار دمشق. لكن المرض استبد بالزوج ولم يمهله طويلا ليموت بعد طول معاناة مع الألم بمستشفى ابن سينا بالرباط.

تقول صفية إن إدريس، نجل الخطابي، اقترح عليها الزواج ففي سنة 1970 «اقترح علي إدريس أمرين اثنين: الأول أن يتزوجني على سنة الله ورسوله، والثاني أن يتكفل بي وبحماتي وأبنائي في حال إذا رفضت طلب الزواج به. كان ذلك تصرفا نبيلا منه. حينها استشرت والدي، فوافق على زواجي به».

لكن الزواج لم يستمر سوى تسع سنوات، ففي صيف سنة 1979 تلقت صفية خبر وفاة زوجها إثر حادثة سير ما زال الغموض يلفها.

منح الملك الراحل الحسن الثاني لصفية الجنسية المغربية، ولما توفي رشيد وإدريس استفادت أيضا من معاش استثنائي.

 

عبد اللطيف الفيلالي.. هجرة طوعية لفرنسا تحولت إلى منفى

عاش عبد اللطيف الفيلالي سنواته الأخيرة في فرنسا، التي اختار العودة إليها متقاعدا، بعدما عاش فيها وهو طالب علم. ظل الرجل يقضي أوقاته في العلاج وتناول الأودية وقراءة الصحف والمجلات الفرنسية، وبين الفينة والأخرى تقوده زوجته الإيطالية إلى منتجع لتغيير أجواء البيت ورائحة الدواء.

في صباح 20 مارس سنة 2009، أعلنت إدارة مستشفى انطوان بيكلير في كلامار بضاحية العاصمة الفرنسية، وفاة عبد اللطيف الفيلالي، رئيس الوزراء المغربي الأسبق، عن عمر ناهز 81 سنة، بعد أن توقف قلبه عن النبض. كانت أسرته تحاول تطويق الخبر بعد أن هرع رجال الصحافة إلى عين المكان للوقوف على تفاصيل الوفاة التي لم تكن مفاجئة، بالنظر إلى تدهور الوضع الصحي للفيلالي الذي عجز في آخر أيامه عن النطق وأصيب بشلل نصفي.

في الأيام الأخيرة من حياة عبد اللطيف، كان الرجل يفضل قراءة القرآن الكريم، وسماع تراتيل المشارقة، دون أن يمل من إعادة متابعة آخر لقاءاته الصحفية، وتصفح بعض الصور القديمة، إلا أنه وبتعليمات طبية كان ممنوعا من إجراء اللقاءات الصحفية التي تجعله يستحضر فترات حكمه، كي لا يزداد وضعه الصحي تأثرا.

اعتزل عبد اللطيف السياسة وآثر الابتعاد عن أجوائها في بلده، في ما يشبه الاغتراب، إذ عاش أيامه الأخيرة إلى جانب زوجته الإيطالية التي أنجبت منه ابنين هما: ياسمينة وفؤاد.

غادر الفيلالي المغرب في صمت وقرر اعتزال السياسة، وفي باريس ظل يتابع المشهد المغربي في هدوء، وكان آخر ظهور إعلامي له قبل الرحيل في حلقات برنامج «زيارة خاصة» الذي أذاعته قناة الجزيرة. حيث بدا الرجل في وضع صحي جد متدهور، بل إن الكثير من المغاربة الذين تابعوا البرنامج تأسفوا للوضع الصحي للوزير السابق، بل منهم من لم يتعرف عليه إلا بعد أن ظهر اسمه على شاشة التلفزيون.

كانت زوجته تود دفن جثمان الوزير في فرنسا أو إيطاليا، لكن بعد مشاورات طويلة وبعد مرور يومين على رحيله، نقل الجثمان إلى العاصمة الرباط، حيث جرت مراسيم الدفن بمقبرة شالة، حيث ووري الثرى بحضور أفراد أسرته والوزير الأول عباس الفاسي ومستشاري الملك والحاجب الملكي إبراهيم فرج وعدد من أعضاء الحكومة. وخلال مراسيم دفن الراحل عبد اللطيف الفيلالي لوحظ أن العملية تمت دون إزالة اللوحة المعدنية التي تحمل اسمه وتاريخ ولادته ووفاته باللغة الفرنسية. وقد تساءل بعض الحاضرين عن سبب دفن الراحل باسمه مكتوبا بالفرنسية في الوقت الذي كان يجب فيه على عائلته الانتباه إلى هذه التفاصيل وتعويض تلك اللوحة الفرنسية بلوحة أخرى تحمل آية الكرسي أو «إنا لله وإنا إليه راجعون»، دون أن يجدوا جوابا عن السؤال.

 

زوجة الفقيه البصري.. بوصلة في محطات النفي

حين تروي سعاد ولد غزالة، زوجة المعارض المغربي محمد البصري، حكاية النفي خارج الوطن، وتتحدث عن نصيبها من محنة زوجها لأنها زوجة مناضل غير مرغوب فيه من طرف القصر قبل وأثناء وبعد سنوات الرصاص، فإن شهادتها أولى بالتصديق من شهادات رفاق درب الفقيه البصري.

انخرطت الزوجة مع زوجها الراحل الفقيه البصري في محنته ورافقته في مشواره النضالي الطويل بكل أهواله وظلمته، بل إنها عانت معه الكثير من أجل إقناعه بضرورة تليين مواقفه. نالت سعاد لقب المرأة الأكثر نفيا خارج الحدود، فقد كان قدرها أن ترتبط برجل عاش الاغتراب لثلاثين سنة، وعلى امتداد هذه المدة الزمنية الطويلة اختفت ملامح أفراد أسرتها وفقدت أعزها إلى قلبها لكن البعد لم يزدها إلا صلابة وإيمانا بالقضية التي قذفت بزوجها وراء أسلاك وهمية تسمى الحدود.

ساعدت سعاد زوجها على التخطيط للهروب من السجن المركزي بالقنيطرة وحفظت أسرار الفرار من مقصلة الإعدام، كما تأقلمت مع حياة الاغتراب في الجزائر العاصمة ووهران ودمشق وحلب وطرابلس وباريس، وفي مدن أخرى كان يضطر للجوء إليها كلما داهمته خياشيم المخبرين.

كانت تجربة النفي، على مستوى بناء شخصية رفيقة درب منفي، تعرضت لكثير من المحن فقط لأنها زوجة معارض يراهن على التسلح كخيار استراتيجي. بل إنه حتى بعد عودة الفقيه إلى المغرب بدعوة من الحسن الثاني، كانت سعاد حاضرة في جلسات رأب الصدع مع رفاق الأمس.

تحولت سعاد في الأيام الأخيرة من حياة البصري إلى ممرضة، رافقته في رحلاته الطبية، وكانت آخر من استمع لشهادته في إقامته بشفشاون أثناء فترة نقاهته، قبل أن تطبع على جبينه قبلة الوداع الأخير.

 

فرج.. سكرتير الملك الذي تخلت عنه زوجته في المنفى

بعد وفاة الملك الحسن الثاني، بدأ سكرتيره عبد الفتاح فرج في ترتيب مغادرته للمغرب، مغادرة يقول ابنه بالتبني حسن إنها اكتست عملية الهروب. هاجر الرجل إلى ألمانيا رفقة زوجته ألمانية الجنسية، والتي أصبحت تحمل اسم غيثة بعد إسلامها، بعدما حول أموالا طائلة وكدسها في حسابات بنكية في أوروبا وبعد أربع سنوات مات تحديدا سنة 2005، وتقرر دفنه في مدينة صغيرة تدعى «أولم»، في حين ظلت الأموال تحت تصرف الزوجة الألمانية.

في حوار مع «الأخبار»، أنجزه زميلنا يونس جنوحي، كشف حسن فرج الابن بالتبني عن نهاية عبد الفتاح الهارب، وقصة مرضه الذي عطل حواسه قبل أن ينتهي جثة هامدة ويتقرر دفنه في مقبرة مسيحية رغم أنه مسلم.

«في الحقيقة هناك أمور علمتها من أمي في أيامها الأخيرة، حول ما قام به عبد الفتاح فرج في السنة الأخيرة في منصبه كمدير للكتابة الخاصة للملك الحسن الثاني، وأيضا بعد مغادرته المنصب عقب وفاة الملك. عثرت أيضا بين أوراقه التي تركها خلفه في المغرب، ووجدتها بعد عودتي، على معلومات حول ما كان يقوم به لتدبير أمواله قبل أن يغادر المغرب، من قبيل فيلا الصخيرات التي باعها، وفيلا أخرى أعطاها لأحدهم مقابل تأمين خروجه من المغرب بعد أن أحس أنه يجب أن يرحل حفاظا على الثروة التي راكمها، بفضل ثقة الملك الحسن الثاني فيه».

كون سكرتير الملك ثروة ضخمة للغاية، إلى درجة أن شخصيات مهمة في الدولة، بعد وفاة الملك الحسن الثاني، زاروه في ألمانيا، ليناقشوا معه مسألة إرجاع ما أخذه معه من أموال، وما يتوفر عليه في أبناك سويسرا من ملايير داخل حسابات بنكية فتحها بنفسه. لكنه لم يرجع أي شيء، بل عقّد مسألة الإرث بعد رحيله بسبب الوصية التي كتبها بخط يده حيث برزت الخلافات العائلية حول اقتسام تركة عبد الفتاح فرج.

 

والد الرئيس التونسي السابق يتزوج مغربية بمنفاه المغربي

خلال احتفال ثانوية رينيو في مدينة طنجة بذكرى التأسيس، سرد مدير الثانوية، خلال فقرات الحفل، أسماء الشخصيات التي حكمت فرنسا والمغرب والتي جلست في شبابها على مقاعد هذه المؤسسة وركضت في ساحتها الصامدة منذ أن كانت طنجة تخضع للحماية الدولية، توقف طويلا عند سيرة الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي وكيف عاش والده محمد البدوي المرزوقي محنة النفي الاختياري في المغرب.

الرئيس التونسي السابق كان يحرص على زيارة مدينة طنجة مرات عديدة، دون أن يلفت نظر أحد، لكن حين أصبح المرزوقي رئيسا للجمهورية التونسية نالت الزيارة حيزا كبيرا من اهتمام وسائل الإعلام، رغم أن منصف ركز، في زيارته لمدينة طنجة ولمراكش، على الأمكنة التي تعايش معها في الفترة التي قضاها بعاصمة البوغاز والبهجة خلال الستينات من القرن الماضي.

قضى والد المرزوقي فترة هامة من حياة النفي في مدينة طنجة، وفي المدينة ذاتها سيقضي ابنه فترات التحصيل ما بين 1961 و1964، حين التحق بوالده محمد البدوي المرزوقي، المعارض للرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، والذي فضل النفي الطوعي هروبا من بطش الحبيب إلى أن توفي في مراكش سنة 1988، وكان هروبه ناتجا عن فوز التيار البورقيبي، حسب شهادة منصف المرزوقي، الذي يتحدث في مذكراته عن علاقته الوجدانية بمدينة طنجة، ويقول: «عشت مع أسرتي المهاجرة في مدينة طنجة في جو جديد من اليسر المادي والأمان النفسي، وطيلة هذه السنوات تعلمت حب المغرب والمغاربة. فقد استضاف البلد أبي المضطهد وفتح لعائلتي المشردة أبوابه الواسعة فغرفنا من كرمه ومن حسن وفادته. وهو إلى يوم يبعثون بلدي الثاني وهو البلد الأول لإخوتي الذين ولدوا من أم مغربية وعاشوا فيه دون انقطاع».

تشكل زيارة الرئيس التونسي السابق محمد منصف المرزوقي الحدث في مدينة مراكش، حيث ينشغل المراكشيون باستعادة سيرة الرئيس التونسي، الذي جعل من زيارته للمغرب زيارة أخوة وعمل أيضا وصلة للرحم مع جزء من عائلته التي تعيش في المغرب، إضافة إلى زيارة قبر والده المدفون بمقبرة في «باب دكالة» بمراكش.

وتحدث الرئيس التونسي السابق في مناسبات عديدة عن علاقته الحميمة بالمغرب، لأنه احتضن والده الذي عمل وعاش فيه مدة 33 سنة، كما أن ثلاثة من إخوانه هم مغاربة من أم مغربية يعيشون في المغرب.

 

فتيحة وبوضياف.. حياة المنفى الاختياري في القنيطرة

بعد اعتقاله في الجنوب الجزائري لمدة ثلاثة أشهر، اختار محمد بوضياف اللجوء إلى المغرب، حيث واصل نشاطا معارضا ضد نظامي الرئيسين أحمد بن بلة وهواري بومدين. وبعد أن استحوذ الإسلاميون على الحكم قررت القيادات السياسية في الجزائر اللجوء إلى بوضياف ودعوته للمساهمة في إنقاذ البلاد من الفراغ السياسي. إثر إيقاف المسار الانتخابي ودخول البلاد في مأزق سياسي.

تم استدعاء بوضياف ومنحه شرف رئاسة البلاد. كان الرجل يقيم في مدينة القنيطرة، حيث يشرف على إدارة مصنعه المختص في إنتاج الآجور، وكان مترددا في تلبية مقترح رفاق دربه، ولكن ضغوطات عائلية شجعته على قبول ما كان قد رفضه في 1962.

حل بالمغرب قائدان جزائريان لإقناعه بجدوى العودة ومسك خيوط الحكم وهما: علي هارون وأبو بكر بلقايد وكانا من أعز أصدقائه. قالا له أنت «الرجل الذي تحتاجه وتنتظره الجزائر، كل الجزائر». كان من الصعب إقناع بوضياف، الذي قضى 28 سنة معارضا لحكم بن بلة وبومدين، وبعد وفاة هذا الأخير خفت صوته تماما، وحل حزب الشعب الذي كان يرأسه، وقرر التفرغ والاعتناء بأسرته وإدارة مصنعه.

استشار بوضياف الحسن الثاني في الأمر، وقال له إنه ذاهب سرا إلى الجزائر لمعرفة تفاصيل أكثر، فطلب منه الملك التريث قليلا، ونصحه بتكثيف الاجتماعات مع كبار الجنرالات، «هذه نصيحة من أخ، أعلم أنهم استنجدوا بك لكسر شوكة الإسلاميين»، قال له الحسن الثاني.

اغتيل بوضياف في 29 يونيو 1992، بقصر الثقافة وهو في تجمع خطابي، وصنفت القضية في خانة جرائم التصفية السياسية، وسجلت ضد ملازم عسكري، لكن النخب الجزائرية أجمعت على أن الجريمة كانت مدبرة، وأن القياديين الماسكين بخيوط الحكم الذين قبلوا بعودة بوضياف هم الذين قتلوه، لأنهم كانوا يريدون رئيسا على مقاسمهم.

حسب تصريحات أحمد عصمان، فإن فتيحة الوهرانية، زوجة الرئيس الراحل محمد بوضياف، كانت تتصل به بشكل مستمر قبل عودة زوجها إلى الجزائر، وكانت تترجاه أن يطلب من الملك الحسن الثاني ثنيه عن العودة إلى بلاده، لأنها كانت متأكدة أنهم سيقتلونه بمجرد عودته، وذلك ما حدث بالفعل. لكن كثيرا من القيادات الجزائرية عبأت الشعب ضده وقالت إن الحسن الثاني هو المحتضن الرسمي للرئيس الجديد، وأن الرباط عثرت على الرئيس المناسب للمنصب المناسب للظرف السياسي المناسب.

 

بعد سنوات النفي بالمغرب.. أسرة موبوتو تواصل العيش في الرباط

في السابع عشر من شهر ماي من سنة 1997، أطاح زعيم المتمردين في جمهورية الكونغو الديمقراطية (الزايير سابقا)، بالرئيس الأسبق موبوتو سيسي سيكو وأعلن نفسه رئيسا لتلك الجمهورية. احتفل الكونغوليون بنهاية سيسي، المتهم بتبديد وسرقة ثروة الزايير من مناجم الماس، فيما اختار الرئيس المطاح به منفاه في المغرب قبل أن يوارى الثرى في العاصمة الرباط، أما الرئيس كابيلا، الذي كان وراء الانقلاب فقد اغتيل على يد أحد أفراد حرسه، وتولى بعده ابنه جوزيف مقاليد الحكم في البلاد.

بعدما طرد لوران كابيلا موبوتو سيسي سيكو من السلطة في الزايير، بعد حكم دام 32 عاما، اختار الاستقرار مع أسرته بالمغرب، حيث توفي متأثرا بمرض السرطان بعد وقت قصير من إطاحة المتمردين بحكمه في 16 ماي. بادر لوران إلى تغيير اسم البلاد فأصبحت جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن كابيلا اغتيل قبل أن ينعم بالحكم كما مات موبوتو قبل أن ينشئ حكومة في المنفى ويستعد للرد على الانقلاب بانقلاب عن بعد، سيما وأن سيسي استولى بدوره على السلطة سنة 1966 بدعم من بلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد الإطاحة بالرئيس جوزيف كاسا فوبو أول رئيس للكونغو المستقلة.

علاقة موبوتو بالمغرب ترجع لبداية السبعينات، حيث ظل يتردد على العاصمة الرباط ويقضي فيها فترات طويلة، بل إنه في عام 1977 تدخلت القوات المغربية لمواجهة انتفاضة مسلحة في هذا البلد.

بمقر إقامته في الرباط، استسلم موبوتو بسرعة للاكتئاب، حيث كان يفكر في كل الأشخاص الذين وثق بهم وتخلوا عنه، تؤكد الكاتبة والصحفية ميكيلا ورونغ في كتابها «على خطى السيد كورتز»، مشيرة إلى أن هذا الوضع تسبب في تدهور حالته الجسدية حيث كان يعاني من سرطان البروستات.

في منفى الزعيم الإفريقي، تحولت الزوجة بوبي لاداوا إلى أخصائية نفسية، بعد أن داهمه السرطان يغادر الحياة، بعد مرور أربعة أشهر من تنحيه عن السلطة، ويدفن بالمقبرة المسيحية بالرباط.

في حوارها مع «جون أفريك» تقول أرملة موبوتو: «في المغرب أشعر حقا أنني في بلدي، أشعر بالراحة وبالأمان، لو بقيت في البلد (الكونغو) بعد وفاة زوجي، لا أتوقع ماذا كان سيحدث لي، بمجيئي إلى هنا، استطعت أن أبدأ حياة جديدة».

الأمر نفسه يؤكده ابنها البكر نزانغا موبوتو، حيث أشار إلى أنه رغم حزنه على فقدان أبيه، إلا أن الدعم الذي لقيه من محيطه ومن المغاربة جعله يحس أنه يعيش وسط عائلته وفي بلده، مضيفا: « في لحظات الفرح كما في لحظات الحزن، لم يتردد المغاربة يوما في أن يكونوا إلى جانبنا».

بفضل الراحل المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني والملك محمد السادس تعيش أرملة موبوتو وأسرتها في المغرب حياة يغمرها الهدوء والسلام.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى