الحوار ولا شيء غير الحوار
لا يمكن من حيث المبدأ سوى التنويه بالدينامية المؤسساتية، التي يعرفها الحوار الاجتماعي على المستوى المركزي والقطاعي، وإن كانت لحدود الساعة لم تفرز قرارات كبرى، ولربما السياق السياسي والاجتماعي الصعب الذي نعيشه يضع الحوار الاجتماعي في وضع مناسب، ليكون أفضل الآليات، ولعلها الآلية الوحيدة لمعالجة مختلف القضايا الحارقة التي تجابه القدرة الشرائية، والوضعية الاجتماعية للمواطن محدود الدخل، سيما في هذا الظرف الاستثنائي. ولا محالة أن تجاوز حالة سوء الفهم الكبير التي عاش على إيقاعها أخيرا الحوار الاجتماعي، سيهيئ الأرضية الملائمة لجيل جديد من الحوار المسؤول والتوافقات الإيجابية.
لكن لا بد من التذكير هنا، أن عقد جلسات الحوار الاجتماعي تجمع بين الحكومة والمركزيات النقابية ورجال الأعمال، فوق طاولة واحدة، ليس هدفا في حد ذاته، وليس الغاية أن تجتمع الحكومة بالفاعلين الاجتماعيين أمام عدسات الكاميرات، ليقال إن حكومة عزيز أخنوش قد أعادت قطار الحوار إلى سكته، بعد توقف اضطراري طويل، وإنما الحوار المطلوب هو الذي ينتج أثرا فعليا وملموسا على معيشة العامل، وأجرة الموظف، ويحقق السلم الاجتماعي، ويدفع نحو ترسيخ الدولة الاجتماعية.
إن الحوار البناء والذي يؤتي ثماره ويساعد على الخروج من عنق الزجاجة، الذي وضعتنا فيه تركة عشر سنوات من الشعبوية، وتداعيات الوباء، والتقلبات الجيوستراتيجية والمناخية، يحتاج قبل كل شيء إلى تغليب لغة الواقعية الاجتماعية والسياسية، بدل هيمنة ثقافة «البوليميك» والمطالب الشعبوية، وإعلاء المصالح العامة على المصالح الخاصة والفئوية الضيقة، وقبل ذلك يقتضي وجود النية الصادقة والإيمان بالحوار الاجتماعي، كأسلوب وحيد وأوحد لصناعة الحلول، وليس فقط لطرح المشاكل.
لقد أضعنا الكثير من الوقت والجهد في صراعات اجتماعية لم تقدم شيئا للمواطن، بل بالعكس أضرت بوضعه الاجتماعي ومكاسبه القانونية، واليوم ونحن على مشارف الفاتح من ماي، نحتاج إلى قرارات مطمئنة، تعين المواطن على مواجهة تكاليف الحياة الصعبة. فلم يعد ممكنا أن يتأجل الحسم في قرارات ذات نفس اجتماعي، بسبب أعطاب الحوار، فالمغاربة ينتظرون متى سيدخل السجل الاجتماعي حيز النفاذ؟ ومتى سيستفيدون من الرفع من أجورهم؟ ومتى سيطمئنون على معاشاتهم؟ ومتى ستتحسن أوضاع تعليمهم وصحتهم وتشغيلهم؟ وليس الكلام المعسول الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.