طارق الدوخ : أستاذ وباحث في الشؤون القانونية
في خطوة استباقية، وعلى إثر تفشي فيروس كورونا «كوفيد- 19»، بادر المغرب إلى الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بموجب مرسوم رقم 2.20.393، متخذا مجموعة من التدابير الاستثنائية، مخولا بذلك للسلطة التنفيذية صلاحيات وسلطات واسعة لا تملكها خلال الأوقات العادية، والتي أصبحت تتسم بالسرعة والشدة في اتخاذ الإجراءات، سعيا منه إلى احتواء هذا الوباء، والمحافظة على صحة وسلامة المواطن كأولوية فوق كل اعتبار.
لقد عرفت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحة بأنها «حدث غير عادي يشكل خطرا على الصحة العامة بالنسبة إلى الدول الأخرى من خلال الانتشار الدولي للمرض، وبما يتطلب استجابة دولية منسقة»، إنها ظروف غير عادية أو طارئة تشكل خطرا محدقا بالصحة العامة وبالسير العادي للمرافق العمومية.
بالرجوع إلى الوثيقة الدستورية، نجدها خالية من الإشارة إلى حالة الطوارئ بشكل عام أو حالة الطوارئ الصحية على وجه التحديد، واكتفت بالتنصيص على حالة الاستثناء بمقتضى الفصل 59، وحالة الحصار بموجب الفصلين 49 و74، وحالة الحرب استنادا إلى الفصلين 49 و99.
وتتشابه حالة الطوارئ الصحية مع مجموعة من الحالات الأخرى كحالة الاستثناء، وحالة الحصار، وحالة الحرب، ومع حالة الطوارئ ذاتها، وتعد هذه الأخيرة تلك الظروف الاستثنائية المحددة بقانون سابق، والذي يمنح، عند تحقيق هذه الظروف لسلطات الضبط الإداري اتخاذ تدابير شاذة محددة لمواجهة هذه الظروف، وتخضع في ذلك لرقابة القضاء. أما حالة الاستثناء، فهي حالة دستورية لها إجراءات خاصة تكون نتيجة ظروف واقعية محتملة الحدوث تعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، أو تهدد الوحدة الترابية على العموم، وقد أعلن عنها المغرب خلال الفترة الممتدة ما بين 1965
و1970.
في حين تشير حالة الحصار إلى مواجهة أشد الظروف القاسية التي تمر بها الدولة قبل اللجوء إلى حالة الحرب، والتي لا تستطيع فيها السلطات المدنية مباشرة مهامها، وكذا مواجهة هذه الظروف التي تكون سبب الحرب أو الاشتباكات الداخلية، وفي غالب الأوقات تحل السلطة العسكرية محل السلطة المدنية، ويقوم القضاء العسكري كذلك محل القضاء العادي في كثير من الحالات. ولم يعرفها المغرب قط ما بعد الاستقلال، فقط لمح إليها الملك الراحل الحسن الثاني خلال حرب الخليج.
أما بالنسبة إلى حالة الحرب، فتدل على نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر وتخضع مبدئيا لنفس شكليات حالة الحصار، مع ضرورة إحاطة البرلمان بذلك من لدن الملك.
إذا كان من المعتاد أنه في حالة الطوارئ يزداد خطر انتهاك الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، فإن دستور المملكة قد عزز من مكانتها وأكد على ضرورة احترامها حتى في حالة الاستثناء، استنادا إلى منطوق الفقرة 3 من الفصل 59 التي تنص على: «تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة»، وهذا في حد ذاته وضع متقدم مقارنة مع مجموعة من الدساتير العربية وحتى بعض الأجنبية منها. وما يزكي عمق هذه الفلسفة الحقوقية للوثيقة الدستورية، هو إدراج مجال الحقوق والحريات ضمن الأسس والمرتكزات الثابتة للمملكة إلى جانب الدين الإسلامي والنظام الملكي والاختيار الديموقراطي، والتي لا يمكن التراجع عنها حتى أثناء المراجعة الدستورية، وذلك طبقا لمقتضيات الفصل 175 الذي ينص على: «لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي وبالنظام الملكي للدولة وباختيارها الديموقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور».
وفي سياق احترام الحقوق والحريات وضمانها، يعد الحق في الحياة خطا أحمر لا يمكن المساس به تحت أي ذريعة كانت (الفصل 20)، باعتباره الحق المرجعي الأول والأساسي الذي تتفرع عنه باقي الحقوق الأخرى، لذلك يظل هذا الحق قائما حتى أثناء حالة الطوارئ الصحية. وفي الإطار ذاته منع الفصل 22 كل مساس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، وفي أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة، حيث لا يجوز تعريض أي كائن بشري لاعتداء قد يلحق به ضررا، ماديا كان أو معنويا من طرف أي شخص آخر أو سلطة كيفما كانت طبيعتها وفي أي ظرف ولو عند خرقه لحالة الطوارئ الصحية، حيث يمنع منعا كليا أن يهان الفرد أو يعامل معاملة قاسية لا تليق بكرامته وآدميته، أو ممارسة التعذيب عليه، وهو ما ينسجم مع روح الأوفاق الدولية، سيما الفقرة الثانية من العهد الدولي للحقوق المدنية
والسياسية التي أوجبت على الدول التي تعلن حالة الطوارئ عدم تعليق الحقوق الأساسية، منها: الحق في الحياة، منع التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة…
ختاما يمكن القول إن حالة الطوارئ الصحية بالمغرب قد شكلت رائزا لاختبار الدولة حول مدى التزامها باحترام حقوق الانسان، والملاحظ أنها قد أرخت بظلالها الوخيمة على وتيرة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية أكثر منها على الحقوق الأساسية، على الرغم من بعض الانفلاتات والأخطاء الفردية لبعض رجال السلطة، لكونها ساهمت بشكل كبير في الرفع من معدل البطالة وتفاقم ظاهرة الفقر وارتفاع حالات العنف المسجلة ضد النساء، وهو ما يسائل واقع السياسات العمومية.