الحل بيد عقلاء النظام والمعارضة
مروان قبلان
بعد عشر سنوات على اندلاع الثورة السورية، وتحولها إلى حرب وكالة إقليمية ودولية، بسبب سوء إدارة النظام وتمرسه في العنف، وسوء تقدير المعارضة وأخطائها وقلة خبرتها، وفشل المجتمع الدولي في منع انزلاق السوريين إلى كارثة، واستغلال دول عربية وإقليمية الأزمة لتحقيق مكاسب أو تصفية حسابات مع خصومها، لا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن «الساغا» (الملحمة) السورية اقتربت من نهايتها. على العكس، تذهب كل الدلائل إلى أن الوضع السوري سوف يستمر في التحلل والتعفن، وصولا إلى النقطة التي قد نشهد معها انهيار الدولة السورية.
في مناطق النظام، يسيطر الجوع والفقر والمرض، ويتفسخ الوضع الاجتماعي والقيمي، وتتحكم ميليشيات في الوضع على الأرض، وتتصرف خارج أي إطار قانوني خلاف ما تسمح به تبعيتها للراعي الإيراني أو الروسي. وفي مناطق المعارضة، يسيطر الدمار وتنتشر مخيمات اللجوء التي تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة، وتتحكم فصائل مسلحة على الأرض، لا يبدو أنها هي الأخرى تملك قرارها. وفي كلا المعسكرين، يعيش ملايين الأطفال خارج إطار التعليم، أو يتلقون القليل منه، وتزداد بينهم مشاعر الحقد والكراهية والرغبة في الانتقام، وسط غياب أي مظهر من مظاهر التعاطف مع معاناة «الآخر»، ما ينذر بظهور جيل جديد من «دواعش» الطرفين. مع ذلك، يستمر النظام في التظاهر بأن الوضع عاد إلى «حالة الطبيعة»، بعدما انتصر على «المؤامرة الكونية» التي استهدفت إزاحته، وهو يعد العدة لإجراء انتخابات رئاسية، يعد فيها مؤيديه بالنصر ويطالبهم بالصبر. في المقابل، تستمر المعارضة في التظاهر بأنها لم تهزم، وأن قرارها ما زال بيدها، وتبث الوهم أن إسقاط النظام ما زال ممكنا عن طريق المفاوضات واللجنة الدستورية.
في الأثناء، يستمر العالم المشغول بمشاغله الصحية والاقتصادية، التي فرضها فشو وباء كورونا، بالتظاهر أنه مهتم بحل الأزمة السورية. وبينما يصر شركاء أستانة على أن مسارهم قد يفضي إلى شيء، تصر واشنطن، وحلفاؤها الأوروبيون، على ترداد مطالبتهم بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، الذي أصبح يعني للسوريين ما يعنيه القرار 242 للفلسطينيين، ويراهنون على أن العقوبات ستدفع النظام في نهاية المطاف إلى الرضوخ لشروط الحل السياسي. والنتيجة، بحسب الأمم المتحدة، أن 80 في المائة من السوريين المقيمين في سوريا (في مناطق النظام والمعارضة) يعيشون تحت خط الفقر، و60 في المائة منهم (12,4 مليونا) يعانون الجوع، علما أن العدد، بحسب برنامج الغذاء العالمي، ازداد بمقدار 4,5 ملايين شخص خلال عام واحد. وكأن هذا كله لا يكفي لجعل الوضع سيئا، إذ بينما يستمر معسكرا النظام والمعارضة في الانتحار والتفسخ، توضع سوريا من جديد على طاولة المفاوضات الأمريكية – الإيرانية، ولا يغيب عنها بقية الخمسة الحاضرين بجيوشهم على أرضها (روسيا وتركيا وإسرائيل)، وكل منهم يسعى إلى تأمين حصته فيها.
لا يمكن لأحد أن يرسم صورة واقعية أكثر قتامة حول مستقبل بلد تميز تاريخيا بأنه صانع حضارة، وانتهى به الأمر هكذا. كل هذا الكلام ينشد الوصول إلى الخلاصة التالية: بات الوضع يتطلب من كل السوريين المؤمنين باستعادة وطنهم، على اختلاف مواقفهم السياسية ومذاهبهم الفكرية، الارتقاء إلى مستوى الكارثة التي حلت بوطنهم، والتخلص من وهم أن معسكرا منهم قادر على فرض إرادته على المعسكر الآخر، والالتفات، بدلا من ذلك، إلى تسخير كل الإمكانات للإجابة عن السؤال المصيري الذي يصفع الوجوه في هذه المرحلة: ما العمل؟ كيف السبيل إلى الخروج من هذه الكارثة، والانعتاق من لعبة الأمم وحرب المحاور الدائرة على أراضينا وبدمائنا؟ على المعارضة أن تعترف بوجود عقلاء في معسكر النظام يدركون حجم الكارثة ويريدون حلا. وهناك في المقابل عقلاء في صفوف المعارضة يدركون الأمر عينه ويريدون حلا. يجب إيجاد طرق للتواصل بين الطرفين، للتوصل إلى صيغة مشتركة للإنقاذ. وإذا لم يجد السوريون هذه الصيغة، فإن أحدا آخر لن يفعل. فالحل، بعد عشر سنوات من الكارثة، لن يأتي من موسكو أو من واشنطن، فنحن بالنسبة إلى الأولى ساحة اختبار لسلاحها، وإلى الثانية ورقة تفاوض وساحة لمقارعة التطرف بعيدا عن أراضيها.