إعداد: محمد اليوبي- محمد سليكي
تسير المركزيات النقابية، باستثناء النقابة التابعة لحزب العدالة والتنمية، نحو تنفيذ برنامجها الاحتجاجي، الذي بدأ بتنظيم مسيرة، ثم خوض إضراب وطني بقطاع الوظيفة العمومية، وبذلك ستنهي الحكومة السنة الأخيرة من ولايتها على وقع تصاعد الاحتجاجات وتزايد الاحتقان الاجتماعي، بعد توقف جولات الحوار في بدايتها. وتتسم العلاقة بين الحكومة والنقابات بـ «سوء الفهم الكبير»، الذي تسبب في انهيار الحوار الاجتماعي، ما سيفتح العلاقة بين الطرفين أمام المجهول.
تسببت القرارات الحكومية الأخيرة، في تزايد حدة الاحتقان الاجتماعي، تزامنا مع مرور أربع سنوات على وصول حزب العدالة والتنمية إلى قيادة الحكومة الحالية، التي أغلقت كل قنوات الحوار مع المركزيات النقابية، مقابل فرض قرارات ستكون لها انعكاسات على القدرة الشرائية للمواطنين، كان آخرها تنفيذ قرار تحرير أسعار المحروقات بعد رفع دعم صندوق المقاصة عنها، وبذلك تكون حكومة عبد الإله بنكيران، ولأول مرة في تاريخ المغرب، ساهمت بهذه القرارات في توحيد المركزيات النقابية، وخوضها لأول مرة إضرابات وطنية شاركت فيها جميع النقابات، باستثناء نقابة حزب العدالة والتنمية.
توقف الحوار
بررت النقابات دخولها في خطوات تصعيدية من قبيل الإضراب العام، بتجاهل الحكومة لمطالب الشغيلة، واستهتارها بمضامين اتفاق 26 أبريل 2011 الذي وقعته الحكومة السابقة، وطالبت مقابل ذلك بحوار اجتماعي مؤسس. وأجمعت كل المركزيات النقابية بالمغرب، على أن الحوار الاجتماعي الذي وقعته هذه المركزيات مع حكومة عباس الفاسي، أسفر عن العديد من المكتسبات الإيجابية للطبقة العاملة، لكنه منذ تنصيب حكومة بنكيران، قررت هذه الأخيرة وقف تفعيل الإجراءات المنصوص عليها في هذا الحوار، الذي ترى النقابات أن دورا كبيرا كان له في الحفاظ على الاستقرار بالمغرب، تزامنا مع هبوب رياح الربيع العربي على العديد من بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
وتوقفت عجلة الحوار الاجتماعي بين الحكومة والمركزيات النقابية منذ تعيين حكومة عبد الإله بنكيران، وعادت جلسات الحوار التي دشنتها حكومة عباس الفاسي والتي توجت باتفاق 26 أبريل، إلى نقطة الصفر، وهو ما أشعل فتيل الاحتجاجات بالعديد من القطاعات الاجتماعية، زادتها حدة قرارات وصفت بالقرارات اللاشعبية التي طبقتها الحكومة، جعلت العديد من النقابات تعلن “الحرب” على الحكومة، من خلال الدعوة إلى احتجاجات واسعة على قرار الحكومة، توج بتنظيمها لمسيرة احتجاجية موحدة بمدينة الدار البيضاء، وبخوضها لإضراب عام بقطاع الوظيفة العمومية، فضلا عما تشهده العديد من المدن والقرى التي تحولت إلى بؤر حقيقية للتوتر وقنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، بسبب الاحتجاجات على الزيادة في أسعار الماء والكهرباء.
وحذرت العديد من الأحزاب والنقابات من مغبة الرهان باستقرار المغرب من أجل استمرار حزب العدالة والتنمية في الحكومة، ولجوئه المفرط إلى خلق التوازنات الاقتصادية على حساب التوازنات الاجتماعية، كما توجه أصابع الاتهام إلى رئيس الحكومة بصب المزيد من الزيت على نار الاحتجاجات المندلعة في كل مكان، من خلال القرارات “الارتجالية” التي يتخذها لحل المشاكل المالية والاقتصادية التي تتخبط فيها حكومته، التي تفتقد إلى رؤية واضحة للإجابة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر منها المغرب، انضافت إليها الحرب التي أعلنتها الحكومة على العمل النقابي، ومحاصرتها للحق في الإضراب من خلال اتخاذ قرار الاقتطاع من أجور المضربين، وهو القرار الذي تعتبره الحكومة بأنه “إنجاز غير مسبوق”.
النقابات تهدد
عملت الحكومة خلال الأربع السنوات الأخيرة على وضع مجموعة من الإجراءات التقشفية، بدعوى ترشيد النفقات العمومية، من بينها إجراءات لضبط كتلة الأجور، من خلال العمل على تنسيق الجهود بين مصالح وزارة الاقتصاد والمالية وجميع القطاعات الوزارية، من أجل جمع وتحديد المعلومات الكفيلة بضبط توقعات نفقات الموظفين (أعداد الموظفين المعنيين بالترقية في الرتبة والدرجة، أعداد الموظفين الذين سيحالون على التقاعد،…)، وذلك في أفق تفعيل مقتضيات مشروع القانون التنظيمي لقانون المالية، بإلغاء الطابع التقديري لهذه النفقات وحصرها في الغلاف المالي المرخص به في إطار قانون المالية، على غرار باقي النفقات، وحصر مقترحات القطاعات الوزارية بشأن إحداث مناصب مالية جديدة في الحد الأدنى الضروري لتحسين جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين، مع العمل على تفعيل آلية إعادة الانتشار لتعبئة الفرص المتاحة بهدف تغطية العجز الفعلي على المستوى المجالي أو القطاعي، مع التقيد بعدم برمجة نفقات الموظفين في ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة التابعة للقطاعات الوزارية.
من أبرز الملفات التي تثير الجدل بين الحكومة والنقابات، هو ملف إصلاح التقاعد، حيث عرفت اجتماعات اللجنة الخاصة المنبثقة عن الحوار الاجتماعي والمكلفة بمناقشة موضوع إصلاح التقاعد، عدة تعثرات، بعد انسحاب ثلاث نقابات من الحوار، ويتعلق الأمر بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل (جناح عبد الرحمان العزوزي)، والتي اتهمت الحكومة بمحاولة فرض “منهجية انفرادية “. ومن أبرز نقط الخلاف بين الحكومة والنقابات هي منهجية التفاوض، والتي تصفها النقابات بـ”المنهجية الأحادية”، حيث تريد الحكومة مناقشة ملف التقاعد مع النقابات بمعزل عن المطالب الأخرى، وأكد مصدر نقابي أن النقابات ترفض مناقشة إصلاح التقاعد بمعزل عن القضايا الأخرى المرتبطة بالملف المطلبي، خصوصا تحسين الدخل والرفع من الأجور، وأكد ممثلو النقابات الثلاث أنهم مع ملف الإصلاح، لكن في إطار مقاربة ليست مقياسية، بل في إطار مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية للمنخرطين وتنافسية المقاولة الوطنية.
مقابل ذلك، ترى الحكومة، أن الاجتماعات التي تعقدها مع النقابات تروم مناقشة الإجراءات الاستعجالية الكفيلة بتجاوز الوضعية المالية الهشة التي يعاني منها نظام المعاشات المدنية، وذلك في أفق إنجاز الإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد بالمغرب. وأكدت المصادر ذاتها، أن منظومة التقاعد تواجه مخاطر نفاد احتياطيات الصندوق المغربي للتقاعد، بعد أن بدأ هذا الصندوق في استهلاك احتياطياته بدءا من السنة الجارية، ومن المتوقع استهلاكها كلية وصولا إلى عجز مقدر بـ135 مليار درهم في سنة 2023، وذلك في حال عدم إنجاز الإصلاح، مما سيجعل الصندوق غير قادر على أداء المعاشات، ولذلك سيصبح الإصلاح إجباريا ومكلفا أكثر في سنة 2018 بمقتضى القانون.
حرب الأرقام
لم تسلم المركزيات النقابية من هجوم رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، خلال مثوله في جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين، حيث علق على المسيرة التي نظمتها النقابات بمدينة الدار البيضاء، بطريقة تهكمية، وقلل من أهمية هذه المسيرة، عندما قال: “المسيرة دازت عادية، آش وقع، هناك مشاركون ذهبوا إلى البحر والبعض الآخر ذهب إلى الغابة”، ما أثار غضب واحتجاج ممثلي النقابات داخل مجلس المستشارين.
وبعد دعوة النقابات إلى خوض إضراب عام وطني بقطاع الوظيفة العمومية، اندلعت حرب الأرقام بين الحكومة والمركزيات النقابية حول نسبة نجاح الإضراب، وفيما قللت الحكومة من تأثير الإضراب على سير المصالح الإدارية بالقطاعات العمومية، أكدت النقابات في بلاغ مشترك لها، أن الشغيلة المغربية في قطاع الوظيفة العمومية والجماعات المحلية، نفذت بكل وعي والتزام الإضراب الوطني الذي دعت إليه المركزيات النقابية الأربع، الاتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والفدرالية الديمقراطية للشغل. وحسب التقارير والمؤشرات الأولى التي وردت على اللجنة الوطنية لمتابعة الإضراب، فقد تم تنفيذ الإضراب الوطني بنسبة جد عالية، وبالتالي حقق نجاحا كبيرا في كل القطاعات الوزارية والجماعات المحلية، حسب تعبير بلاغ النقابات، التي أعلنت أن نسبة نجاح الإضراب بلغت ما بين 75 و80 في المائة في الوزارات، وبلغت نسبة النجاح في الجماعات المحلية 93 في المائة، كما أن نسبة النجاح في كثير من الجماعات المحلية، حسب أرقام النقابات، بلغت 100 في المائة بمدينة الدار البيضاء والرباط ومراكش وتطوان وطنجة، ومدن أخرى. ودعت النقابات، في بلاغها، الحكومة إلى استيعاب الدروس واستخلاص العبر من خلال هذا الانخراط الواسع للموظفات والموظفين في الإضراب.
وجوابا على سؤال طرحه الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، خلال الأسبوع الماضي، أكد عبد السلام الصديقي، وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية، أن الحوار الاجتماعي الوطني لم يتوقف ولم يجمد، وخير دليل على ذلك، حسب قوله، جولة الحوار الاجتماعي التي عقدها رئيس الحكومة مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلا خلال شهر أبريل من سنة 2014، والتي توجت بمجموعة من المكتسبات لفائدة الطبقة الشغيلة، منها على الخصوص الرفع من الحد الأدنى للأجور في الوظيفة العمومية إلى حدود 3000 درهم، والزيادة بنسبة 10 في المائة في الحد الأدنى للأجر في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات والفلاحة على شطرين، إلى جانب عدم إغفال جانب آخر من الحوار الذي تجريه الحكومة مع الشركاء الاجتماعيين، في إطار المجالس والهيئات الثلاثية التركيب المحدثة بموجب مدونة الشغل، كمجلس المفاوضة الجماعية، ومجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية، والمجلس الأعلى لإنعاش التشغيل، واللجنة الثلاثية التركيب المكلفة بتتبع تطبيق مقتضيات التشغيل المؤقت، بالإضافة إلى عقد اجتماعات اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة واللجن الإقليمية للبحث والمصالحة المحدثة بمختلف عمالات وأقاليم المملكة، من أجل دراسة وتسوية نزاعات الشغل الجماعية القائمة بمختلف الوحدات الإنتاجية.
كما أكد وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية أن الحكومة مستعدة لمواصلة جولات الحوار، وتبذل قصارى جهدها من أجل تلبية الملفات المطلبية للشركاء الاجتماعيين، وذلك في إطار من التشاور والحوار المتبادل، كما تعتبر الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين شركاء أساسيين في إنجاح كل أوراش الإصلاح، ومن ثم فهي تعمل جاهدة من أجل إنجاح الحوار الاجتماعي الثلاثي والثنائي وتعزيز مأسسته وتنفيذ جميع الالتزامات المنبثقة عنه، وتفعيل الآليات المساعدة على ذلك ، كما تعمل كذلك على تعبئة جهود كل الفاعلين من أجل جعل الحوار الاجتماعي وسيلة لخدمة التنمية الاقتصادية المستدامة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
تخوف «الباطرونا»
عبر الفريق البرلماني للاتحاد العام لمقاولات المغرب بمجلس المستشارين، عن تخوف “الباطرونا” من تزايد حدة الاحتقان الاجتماعي، وارتفاع عدد الإضرابات بالقطاعات الإنتاجية، وأكد عبد الإله حفظي، رئيس الفريق، أثناء مناقشة قانون المالية، أن مناخ الأعمال مازالت تعتريه صعوبات وإشكاليات يتطلب تذليلها انخراط الجميع، ومن جملتها إشكالية الإضرابات، التي تؤدي في الغالب، نظرا لغياب شروط وكيفية ممارستها، إلى الإضرار بمصالح المقاولة والعمالة على السواء، كما تضر بالمصلحة العامة للبلاد، بالنظر إلى وقعها السلبي على وتيرة التنمية والاستثمار ومناصب الشغل، وطالب بالإسراع بإصدار القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب وكيفية ممارسته، لتنظيم هذا الحق الدستوري، وخلق نوع من التوازن بين الحق في الإضراب وحرية العمل، وإعطاء مجال أوسع للمفاوضات وإعمال آليات الوساطة والتحكيم والمصالحة بما يضمن حقوق الفئة العاملة، ومصالح المقاولة، ووتيرة التشغيل، ويساعد على منح الثقة الضرورية للفاعل الاقتصادي، وتكريس المغرب وجهة مفضلة للاستثمار.
وكشف رئيس فريق “الباطرونا”، عجز الحكومة عن التنزيل الفعلي للفصل 29 من الدستور، عبر إخراج القانون التنظيمي للإضراب وقانون النقابات، محذرا من التكلفة المترتبة عن ترك ممارسة حق الإضراب بدون قانون ينظمه، وتتمثل هذه التكلفة في الانعكاسات السلبية على مناخ الأعمال وعلى وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة مع تزايد الإضرابات، وظهور تنسيقيات وجمعيات، لا ترتكز على أي أهلية أو شرعية تمثيلية، أو منظور نقابي، تعرقل أو توقف العمل بمؤسسات حيوية، وتضرب التمثيلية الديمقراطية للنقابات، من خلال تزعم إضرابات غير مضبوطة ولا مسؤولة، وبدون أي إخطار، مشيرا إلى أنه في التسعة أشهر الأولى من سنة 2015، سجل الاتحاد العام لمقاولات المغرب ما يزيد عن 193 ألف يوم عمل ضائع، بزيادة تفوق 21 في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2014، الشيء الذي يجعل السنة الجارية سنة قياسية في أيام العمل الضائعة، مؤكدا أن ضياع أيام العمل يعني ضياع مباشر في الناتج الداخلي الخام، ومع ما لذلك من وقع سلبي على وتيرة النمو، وعلى مناصب الشغل، لأن كل نقطة من نسبة النمو تعادل خلق ما يناهز 25 ألف منصب شغل جديد، بالإضافة إلى ذلك الإفلاسات التي طالت في نفس الحقبة 8500 مقاولة، غالبيتها صغرى ومتوسطة، بارتفاع بنسبة 25 في المائة.
مطالب عالقة
ما زالت العديد من المطالب النقابية عالقة فوق مكتب رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، بعد رفض هذا الأخير فتح حوار شامل مع هذه المركزيات النقابية حول الملف المطلبي في شموليته، مقترحا تخصيص جولات الحوار الاجتماعي الذي انطلق بشكل متعثر على مناقشة إصلاح أنظمة التقاعد، وترمي مطالب النقابات إلى تحسين الوضعية الاجتماعية للأجراء والعمال في الشق المتعلق بدعوة حكومة بنكيران إلى إقرار الزيادة في الأجور، كواحد من المطالب الراسخة التي دأبت النقابات في كل مناسباتها الحوارية والنضالية على رفعه، فبعد تسطير المطالب المتعلقة بممارسة الحقوق النقابية وعدم المس بالحق في الإضراب.
ووضعت النقابات مطلب الرفع من الأجور على رأس مطالبها الموجهة إلى الحكومة، فيما وضعت النقابات مأسسة الحوار الاجتماعي مع الحكومة في النقطة الثانية بعد مطلب الرفع من الأجور، كما طالبت الحكومة بإعطاء الاهتمام للجانب الاجتماعي للأجراء وتحسين وضعية المتقاعدين، مع التشديد على تجويد السياسة التسعيرة بما يستجيب والظرفية الاقتصادية، كما دعت النقابات في ذات مطالبها إلى ضمان التشريع الاجتماعي والعلاقات المهنية، فيما أكدت النقابات على احترام المطالب الفئوية بما فيها المهندسين والتقنيين والحريات العامة، إلى غير ذالك من المطالب التي تضمنتها المذكرة.
وتضمنت المذكرة المشتركة التي وجهتها ثلاث مركزيات نقابية، مجموعة من المطالب المتعلقة بالحرية النقابية، وعلى رأسها ضرورة احترام الحقوق النقابية كواحدة من المطالب الأساسية التي يجب الاتفاق حولها مع الحكومة، حيث أكدت النقابات على عدم التضييق على الحريات النقابية، وطرد واعتقال ومتابعة المسيرين النقابيين لمجرد ممارستهم أنشطتهم النقابية، وأشارت إلى إغلاق الوحدات الإنتاجية بدون سند قانوني، مما يعرض آلاف العاملات والعمال وعائلاتهم للتشريد والضياع والفقر والحرمان وعدم الاستجابة لدعواتنا المتكررة المتعلقة بإيجاد الآليات الضرورية والملائمة لفض النزاعات الكبرى التي يعرفها عالم الشغل، بالإضافة إلى الخرق السافر لبنود ومقتضيات مدونة الشغل وباقي القوانين الاجتماعية والمواثيق الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية وغيرها، وغض النظر عن الترهيب الاجتماعي الممارس أمام مرأى ومسمع السلطات العمومية، حسب النقابات صاحبة المذكرة.
فيما وصفت النقابات الحوارات السابقة التي جمعتها برئيس الحكومة، بكونها لا ترقى إلى مستوى الحوار، إذ قالت إن ما يثير الاستغراب، ويدعو للقلق، أن اللقاءات النادرة التي جمعت المنظمات النقابية برئاسة الحكومة كانت بدون جدوى، وافتقدت إلى المصداقية، وغلب عليها الطابع الشكلي، ولم ترق إلى مستوى الحوار الاجتماعي الممأسس، والمفضي إلى اتفاقات وتعاقدات ملزمة تكون لها قوة القانون
ودعت النقابات حكومة بنكيران إلى الزيادة العامة في الأجور بما يتماشى وغلاء المعيشة، مشيرة إلى أن هذه الزيادة يجب أن تتم عبر الزيادة في الحد الأدنى للأجر، وتوحيده بما يضمن العيش الكريم للمأجورين بمختلف القطاعات الإنتاجية، وتفعيل السلم المتحرك للأجور والأسعار، وذلك حفاظا على القدرة الشرائية للطبقة العاملة وعموم المأجورين، بالإضافة إلى الزيادة في المعاشات بما يفي بحاجيات العيش الكريم للمتقاعدين، وهي الأمور التي اعتبرتها النقابات أولوية المطالب بعد احترام الحقوق النقابية، مطالبة بمراجعة منظومة الأجور في القطاع العام في اتجاه تحسين القيمة المادية للأرقام الاستدلالية، وتقليص الفوارق، وإعادة النظر بشكل جذري في منظومة الترقي والتعويضات في قطاعات الوظيفة العمومية والجماعات المحلية، وإقرار سياسة ضريبية عادلة.
الحكومة لم تفرج عن القانونين التنظيميين للإضراب والنقابات
منذ تعيينه في منصب رئيس الحكومة، قبل أربع سنوات، لم يتوصل عبد الإله بنكيران إلى توقيع أي اتفاق اجتماعي مع المركزيات النقابية، رغم الملفات المطلبية التي ظل يتوصل بها طيلة نصف ولاية حكومته، ورغم عودة النقابات إلى طاولة الحوار، في إطار جولات متعثرة، تريد الحكومة فرض الأمر الواقع على النقابات من خلال اختزال الملفات المتحاور بشأنها في مشروع إصلاح التقاعد، فيما تطالب النقابات بالحوار حول الملف المطلبي في شموليته، كل ذلك والحكومة لازالت لم تفرج عن القانونين التنظيميين للإضراب والنقابات.
وأوضح محمد الأعرج، أستاذ القانون بكلية الحقوق بفاس، أن التاريخ السياسي والدستوري المغربي يمر من مرحلة دقيقة، خاصة أن الدستور الجديد جاء بالعديد من المقتضيات التي ترمي إلى تنظيم الحياة السياسية والنقابية والمجتمع المدني، ومن أبرز المقتضيات تلك المتعلقة بالنقابات والإضراب، وخاصة المواد 8 و9 و29 من الدستور، وفي ما يتعلق بقانون النقابات والإضراب لأول مرة في تاريخ المغرب يتم التنصيص على الضمانات النقابية، على خلاف قانون الإضراب الذي صدر سنة 1962 ، ومنذ هذا التاريخ والدستور ينص على ضرورة صدور القانون التنظيمي للإضراب، لكنه لحد الآن لم يخرج إلى حيز الوجود.
وبخصوص الإضافة الجديدة التي جاء بها الدستور لتنظيم الحياة النقابية، أبرز الأعرج أن الدستور الحالي ينص على الخطوط العريضة المتعلقة بالنقابة، وخصوصا في ما يتعلق بالحق في ممارسة الأنشطة النقابية بكل حرية، وهذه النقابات كما ورد في الفصل 8، ستساهم في الدفاع عن المصالح الاقتصادية والحقوق الاجتماعية للفئات التي تمثلها، والنهوض بأوضاع هذه الفئات ومن بين المستجدات في الدستور، التنصيص على ضرورة احترام الديمقراطية في هيكلة وتسيير النقابات.
وأضاف المتحدث ذاته، أن الفصل 8، إضافة إلى تأسيسه للخطوط العريضة للحرية والمطابقة والدمقرطة، يحيل كذلك على القانون الذي سينظم القواعد المنظمة لتأسيس المنظمات النقابية ومعايير تحويل الدعم المالي للدولة ومراقبة هذه النقابات، وبالتالي فإن دستور 2011، حدد الخطوط العريضة لهذا القانون وبالتالي الحكومة ملزمة بتسريع إخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود، إضافة إلى ذلك، فإن دستور تضمن مقتضيات ضمن الفصل 9، التي تحدد الضمانات القضائية المتعلقة بالحل أو التوقيف، هذا الفصل جاء لإعطاء ضمانات للمنظمات النقابية لممارسة أنشطتها بطريقة سليمة، ونجد كذلك الفصل 29 من الدستور، أسس لمجموعة من المبادئ المرتبطة بالانتماء النقابي.
وأكد الأستاذ الأعرج، أن المقتضيات الدستورية حددت مفهوم المنظمات النقابية ودورها في تأطير والدفاع عن الفئات التي تمثلها، وضرورة احترامها للدستور والتنصيص على الدمقرطة، وبالتالي الحكومة ملزمة بإخراج القانون المتعلق بالمنظمات النقابية وملزمة بإخراج قانون حرية الانتماء النقابي، وتتجلى فعالية هذا القانون في ضمان النجاعة وحسن تسيير المنظمات النقابية، ولكن لا بد كذلك من أن يواكب ذلك بإخراج القانون التنظيمي للإضراب، لأنه لا يمكن إخراج قانون الإضراب دون تنظيم النقابات، لأنه لا بد من ضرورة وجود بعض المقتضيات التي تنظم الهيئات والمنظمات النقابية التي بإمكانها القيام بالإضراب، مشيرا إلى أن المغرب قد أسس لقانون الأحزاب السياسية سنة 2004، وحاليا مطالب بإخراج قانون النقابات، ولا يمكن الحديث عن قانون تنظيمي للإضراب بدون صدور قانون النقابات لتأسيس ما يمكن أن نسميه بالحقوق والحريات النقابية.
ونفى الأعرج أن تساهم هذه القوانين الجديدة في فرض قيود على النقابات وممارسة التضييق على الحريات النقابية وحق ممارسة الإضراب، موضحا أن الدستور حدد دور النقابات في المساهمة في الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية للفئات التي تمثلها، كما أكد على تطبيق المبادئ الديمقراطية في الهيكلة والتسيير، مشيرا إلى أن قانون النقابات سيعطي دفعة قوية لهذه المنظمات، كما سيضمن لها تحديد طريقة الحصول على تمويل الدولة، ومراقبة صرف هذا التمويل، ورغم وجود بعض القيود التي سيتضمنها القانون، فأعتقد أنها ستكون إيجابية وستزيد من نجاعة وشفافية تسيير هذه المنظمات، وأشار كذلك إلى أنه من المستجدات الإيجابية التي جاء بها الدستور، تأسيس النقابات على مبادئ الديمقراطية، من حيث التسيير والهيكلة، فهي وفق القوانين التي سيتم تنزيلها ملزمة بتطبيق الديمقراطية وأي تهرب من هذه المقتضيات سيعرض هذه النقابات للمحاسبة بسبب مخالفاتها للقانون.
مبديع ينفي موت الحوار الاجتماعي والخلفي يعتبر النقابات شريكا أساسيا
أكد محمد مبديع، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية، أن الحوار الاجتماعي «لم يمت ولم يتعرض لعملية قتل من طرف رئيس الحكومة»، بل يقول الوزير: «هو مستمر ومتواصل في إطار مقاربة تشاركية لمعالجة كل الملفات الاجتماعية والمطلبية للنقابات».
وقال الوزير مبديع، عضو اللجنة الوزارية المكلفة بالحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، في حديث مع «الأخبار»، «إن الحكومة رغم استعدادها الدائم لاستئناف الحوار تحترم مواقف النقابات، من خلال لجوئها إلى ممارسة حقها في الدعوة إلى الإضراب ومختلف آليات الاحتجاج السلمي».
وأضاف مبديع أن الحوار الاجتماعي كان ولايزال مفتوحا وأن هناك ملفات استعجالية، مثل صندوق التقاعد، وجب على النقابات أن تلبي الدعوة إلى الحوار للمشاركة في إصلاحه بما يراعي حقوق وإكراهات جميع الأطراف.
هذا واعتبر الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية، أن كل يوم تأخير في إصلاح صندوق التقاعد يكلف الميزانية العامة للدولة 60 مليون درهم، وهذا ما سبق أن «أحطنا به داخل اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي الفرقاء الاجتماعيين»، على حد تعبيره.
ونبه الوزير مبديع إلى أن ديمومة الحوار الاجتماعي ليست مرهونة بذلك الحوار الذي يجري داخل اللجنة الوطنية المذكورة فقط، بقدر ما أنها تمتد تحت قبة البرلمان، من خلال مجلس المستشارين الذي يتضمن تمثيلية النقابات والمقاولات.
وكشف مبديع، عضو اللجنة الوزارية المكلفة بالحوار الاجتماعي، أن «هناك مؤشرات تدفع نحو جعل الحوار حول بعض الإصلاحات حوارا مجتمعيا وليس مقتصرا على مكونات اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي، والتي تضم الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية واتحاد مقاولات المغرب»، أي الباطرونا.
إلى ذلك، شدد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، على أن الهيئات النقابية «شريك أساسي» في الحوار الاجتماعي وفي معالجة القضايا والإشكاليات الكبرى المطروحة على المستوى الاجتماعي.
وأوضح الخلفي، في معرض جوابه عن سؤال حول الإضراب الوطني الذي نفذته أربع مركزيات نقابية، خلال لقاء صحفي عقب انعقاد مجلس الحكومة، أن الهيئات التي خاضت هذا الشكل الاحتجاجي، «تكون قد مارست حقها الذي يكفله لها الدستور ويضمنه لها القانون»، معتبرا أن ممارسة هذا الحق «جرت في ظروف عادية» .
وفي ما يتعلق بقضية إصلاح نظام المعاشات المدنية، ذكر الوزير بأن هذا الأمر جرى تدبيره منذ البداية قبل حوالي 3 سنوات في إطار اللجنة الوطنية للتقاعد، وبعد ذلك تم تقديم مشاريع القوانين ذات الصلة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وتم عقد عدة جلسات حوار عبرت خلالها النقابات عن مواقفها.
وأشار الخلفي إلى أن الحكومة مدعوة إلى تحمل مسؤولياتها السياسية والأخلاقية بشأن إصلاح أنظمة التقاعد، حيث ستقوم في القريب العاجل بدراسة واعتماد القوانين ذات الصلة في إطار رؤية شمولية تدريجية تستند على ضرورة الإصلاح الشامل لمجموع أنظمة التقاعد في المغرب من أجل ضمان استمراريتها واستدامتها، وأيضا لضمان توصل حوالي 400 ألف متقاعد سنة 2021 بمعاشاتهم.
وسجل الوزير أن الحكومة «ستتحمل مسؤوليتها السياسية لأن العجز المتوقع هذه السنة سيصل إلى 3 ملايير درهم، وفي سنة 2016 إلى 6 ملايير درهم، في حين يتوقع أن يبلغ العجز سنة 2023 نحو 130 مليار درهم».
الزومي: «بنكيران قتل الحوار الاجتماعي وتصعيد النقابات الأربع متواصل»
اتهمت خديجة الزومي، القيادية بنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة بـ«قتل الحوار» الاجتماعي، معتبرة أن الحكومة تجاهلت حتى المسيرات العمالية السلمية والحضارية والإضرابين العامين لتاسع وعشري أكتوبر 2014 و10 دجنبر 2015، ومقاطعة احتفالات فاتح ماي الأخير.
وقالت الزومي، في تصريح لـ«الأخبار»، إن أقوى تجليات وصول الحوار الاجتماعي على عهد هذه الحكومة إلى الباب المسدود، هو الإضراب الأخير الذي دعت إليه كل من نقابات الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والفدرالية الديمقراطية للشغل، وحقق نجاح الإضراب نسبة تراوحت ما بين 75 و80 في المائة في الوزارات، و93 في المائة في الجماعات المحلية.
وأكدت الزومي أن عبد الإله بنكيران عمد إلى محاولة تفكيك وحدة الصف النقابي، عندما بادر غير ما مرة إلى استدعاء الكتاب العامين للمركزيات النقابية الأكثر تمثلية على انفراد، وهو ما ردت عليه بالمبادرات المشتركة الأخيرة منذ مقاطعة احتفالات فاتح ماي.
ونبهت الزومي إلى أن رئيس الحكومة يفسر الحوار الاجتماعي على الشكل الذي يخدم مصالحه، في وقت أن الحوار الاجتماعي ليس هو دعوة النقابات إلى اجتماع من ساعة زمن دونما خروج بقرارات عملية.
وأشارت المتحدثة نفسها إلى أن للحوار الاجتماعي قواعد وأصولا لا يمكنه النجاح بدون توفرها، وهو ما تشتكي منه المركزيات النقابية مع هذه الحكومة حتى لا يكون هناك «حوار صوري وممسوخ» على حد وصفها.
إلى ذلك، شددت الزومي على أن مسلسل المبادرات النضالية من الطبقة العاملة في مواجهة الحكومة بسب مسخها للحوار الاجتماعي، لم ينته عند إضراب 10 دجنبر الذي عبر نجاحه عن مدى الاحتقان الاجتماعي الذي تعرفه مختلف الأوساط في قطاع الوظيفة العمومية والجماعات المحلية، جراء تعنت الحكومة في الاستجابة للمطالب المشروعة والعادلة، وفي مقدمتها المشروع الحكومي التراجعي لملف التقاعد وعدم تنفيذ ما تبقى من اتفاق 26 أكتوبر 2011».
وذكرت الزومي، في هذا الإطار، أن المركزيات النقابية الأربع الأكثر تمثيلية قررت كذلك تنظيم اعتصام عمالي بمدينة الرباط، فضلا عن خوض إضراب عام وطني في القطاعين الخاص والعام والمؤسسات العمومية وشبه العمومية والخدماتية والجماعات المحلية وكل القطاعات المهنية.
هذا ولا تخرج مطالب نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب المشاركة في الحوار الاجتماعي «الميت»، حسب الزومي، عن المطالب التي رفعتها المركزيات النقابية الأربع للحكومة وسطرت من أجل تحقيقها برامج نضالية منها الإضراب العام.
وتدور تلك المطالب حول الزيادة العامة في الأجور ومعاشات التقاعد، وتخفيض الضغط الضريبي على الأجور وتحسين الدخل، ورفع سقف الأجور المعفاة من الضريبة إلى 6000 درهم شهريا، مع السهر على احترام الحريات النقابية وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي، فضلا عن سن مقاربة تشاركية في إصلاح منظومة التقاعد وتنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق 26 أبريل 2011 (الدرجة الجديدة، ناهيك عن التعويض عن المناطق النائية، وتوحيد الحد الأدنى للأجر بالقطاع الصناعي والخدماتي والقطاع الفلاحي والغابوي وتوابعهما). وتتمثل تلك المطالب كذلك، في السهر على فرض احترام مدونة الشغل وإجبارية التصريح بالمأجورين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفتح مفاوضات قطاعية للوصول إلى اتفاقيات جماعية، ووضع حد للعمل الهش، إلى جانب تقنين العمل بالعقدة والعمل بالمناولة ووضعية شركات المناولة ونهج سياسة تحفيزية للقطاع غير المهيكل، وخلق خلية وزارية لتنقية الأجواء الاجتماعية في الوحدات الإنتاجية لإيجاد حلول لها.
جدير بالذكر أن نقابة الاتحاد العام للشغالين كانت من بين الموقعين على البلاغ المشترك للنقابات الأربع، والذي اعتبر أن إضراب 10 دجنبر حقق نسبة نجاح بلغت 100 في المائة في كثير من الجماعات المحلية بمدن الدار البيضاء والرباط ومراكش وتطوان وطنجة ومدن أخرى، وأن مجموعة من القطاعات الوزارية من قبيل وزارة التعليم ووزارة الفلاحة والصيد البحري ووزارة الصحة ووزارة التجهيز ووزارة المالية، عرفت «شللا» بسبب انخراط الموظفين والموظفات بكل فئاتهم في هذا الإضراب»، الذي جاء ترجمة لـ«موت الحوار الاجتماعي»، تقول خديجة الزومي.
وخلصت القيادية في نقابة الاتحاد العام للشغالين، في حديثها الى «الأخبار»، إن «النقابات مع الإصلاح في إطار مقاربة تشاركية والنتائج العملية التي تخدم المواطن والشغيلة»، لكنها- تستدرك المتحدثة نفسها- «ليست مع تقزيم الحكومة للنقابات والعكس بمسخ الحوار الاجتماعي والخروج به عن سكته الصحيحة».