الحكومة مصرة على تحقيق «الالتقائية» مع السياسة الأوربية في تدريس اللغات الأجنبية
نظام «إميل» الأوربي يزاوج بين اللغة الأم واللغات الأجنبية بشكل إجباري
انتهت لجنة التعليم في البرلمان من المناقشة التفصيلية لمشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، دون أن يتم الحسم النهائي في القضايا الخلافية، وعلى رأسها لغات التدريس في المرتبة الأولى، ثم صيغة فرض رسوم التسجيل على الأسر في التعليم ما بعد الإلزامي. لذلك، ينتظر أن يتم اليوم الثلاثاء التصويت بلجنة مجلس النواب على هذا المشروع قبل إحالته على الجلسة العامة تزامنا مع تاريخ اختتام الدورة البرلمانية. وفي الوقت الذي نجح عمر عزيمان في خلق «التوافق» حول الرؤية الاستراتيجية وكذا الرأي الخاص بالمجلس الأعلى حول مشروع القانون، أجرى رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي سلسلة من الاجتماعات مع رؤساء فرق الأغلبية والمعارضة، في محاولة منه لخلق توافق حول مشروع القانون، الذي تم التداول في شأنه على مستوى المجلس الوزاري، استنادا إلى الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم، التي أعدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. صعوبة التوافق ناتجة عن كون الحكومة مجبرة على تمرير مفهوم التناوب اللغوي نظرا لتعلقه بنظام أوربي تم فرضه على المغرب لتحقيق ما يسمى الالتقائية بين سياسات التكوين والتشغيل بين المغرب والاتحاد الأوربي. وفي الوقت نفسه، ينفرد الحزب الذي يقود الحكومة بمحاولة احتكار الدفاع عن اللغة العربية لأسباب انتخابية محضة، حيث تم الاستقرار على إعادة تعريف التناوب اللغوي بشكل يقر وضع اللغة الفرنسية كلغة تدريس في المواد التقنية والعلمية في بعض الشعب، لكن مع الإبقاء على العربية هي أيضا في بعض الوحدات المنتمية للمنهاج نفسه، مع إضافة جملة في مادة داخل هذا المشروع، تجبر الحكومة على تنمية استعمال اللغة العربية في التخصصات التي ماتزال اللغة العربية لم تحتضن أية كلمات مترجمة أو معربة للمفاهيم الواردة في هذه التخصصات.
«الوضع المتقدم» يجبر الحكومة على قبول تنويع لغات التدريس
على مدى أسابيع، شهدت لجنة التعليم بمجلس النواب توترا كبيرا بسبب نقط خلافية، على رأسها مسألة تنويع لغات التدريس، بحيث يتم ترسيم اللغة الفرنسية كلغة تدريس في التخصصات العلمية والتقنية لما بعد التعليم الإلزامي، فضلا عن اعتماد التناوب اللغوي في التعليم الإعدادي، بحيث يصبح بإمكان التلاميذ المغاربة التعلم في المواد العلمية بلغتين هما العربية والفرنسية معا. ففي الوقت الذي حرص البرلمانيون المنتمون لحزبي العدالة والتنمية والاستقلال على المعارضة الشرسة لترسيم الفرنسية كلغة للتدريس في التعليم الثانوي، حرص سعد الدين العثماني، في آخر تصريح له حول الموضوع، على التقليل من حدة الخلاف، معلنا أن المغاربة يمكنهم التعلم باللغتين العربية والفرنسية معا. وهو الموقف الذي طرح أكثر من علامة استفهام بخصوص عدم مساندة رئيس الحكومة لـ«إخوانه» في الحزب، فضلا عن «إخوانه» في حركة التوحيد والإصلاح، والتي يعد العثماني أحد مؤسسيها الأوائل.
وصرحت مصادر برلمانية، لجريدة «الأخبار»، أن الطلب الذي تقدم به وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني سعيد أمزازي، باعتماد السرية في مناقشة لجنة التعليم، كان بهدف إطلاع أعضاء اللجنة على أن أمر تنويع لغات التدريس لا علاقة له بالاختيارات القطاعية التي يمكن التراجع عنها، بل وليست أيضا اختيارا يمكن للحكومة الحسم فيه. وأكدت المصادر ذاتها أن أمزازي ذكر النواب بمصادقة المجلس الوزاري على هذا المشروع قبل عرضه على البرلمان ليسلك مسطرة اعتماده. وهو ما يعني أن المشروع يجسد توجهات تتعلق بالدولة ولا يقف عند التوجهات الحكومية الآنية.
وأكدت المصادر ذاتها أن جميع البرلمانيين أعضاء اللجنة أصبحوا مقتنعين بحقيقة أن الحكومة ماضية في اعتماد اللغة الفرنسية في التدريس بالشعب العلمية، لعلاقة هذا القرار أيضا بالالتزامات التي قدمها المغرب إبان التفاوض مع الطرف الأوربي قبل عشر سنوات، عندما صاغ الطرفان التزاماتهما بخصوص منح المغرب ما بات يصطلح عليه بـ«الوضع المتقدم».
وأكدت المصادر ذاتها أن الوضع المتقدم للمغرب مع الاتحاد الأوربي يشمل عدة مستويات، ومنها التربية والتكوين وأساسا تحقيق الالتقائية على مستوى التكوين المهني والمتخصص لمواكبة حركية الاستثمار، التي شهدت طفرة نوعية في السنوات التي تلت التوقيع على هذه الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوربي. وشبهت المصادر البرلمانية نفسها تعامل الحكومة مع ترسيم لغات التدريس بالقرار الحكومي المتعلق باعتماد التوقيت الصيفي طوال السنة، لكون القرار ليس وليد إرادة ذاتية للحكومة بل أملته العلاقات الاقتصادية بين المغرب والاتحاد الأوربي. والأمر ذاته هو ما يحدث في اعتماد التناوب اللغوي في التعليم الإعدادي وترسيم اللغات الأجنبية في تعلم العلوم والتقنيات، حيث إن اعتماد المغرب لنظام معروف في الفضاء الأوربي يسمى «إميل»، هو اقتفاء لأثر العديد من دول أوربا الشرقية التي لم تلتحق بالفضاء الأوربي إلا بعد أن اعتمدت هذا النظام، ليشمل تحديدا إحدى اللغات الثلاث الرئيسية في الاتحاد، وهي الإنجليزية والألمانية والفرنسية، حيث بات كل تلامذة أوربا الشرقية السابقة مجبرين على تعلم العلوم والتقنيات بهذه اللغات إن هم أرادوا الاندماج في سوق الشغل في كل دول الاتحاد الأوربي. لذلك، فإن جزءا من التزامات المغرب أن يصيغ نموذجا للغات التدريس شبيها بنظام «إميل» هذا.
«إميل».. لتحقيق الاندماج في الفضاء الأوربي
ففي الوقت الذي تتجه الأحزاب الموجودة في البرلمان نحو قبول بضعة تعديلات تخص موادا بعينها في مشروع القانون الإطار للتربية والتكوين، وهي تعديلات وصفتها مصادر الجريدة بـ«المعتدلة»، فإن الحكومة، من جهتها، ومن خلال الأحزاب المشكلة لها، ماضية في تبني مفهوم التناوب اللغوي، وإن بتعديل جديد لا يبقي على اللغة الفرنسية وحدها لغة رسمية في تعلم العلوم والتقنيات، بل يبقي أيضا على اللغة العربية من خلال وحدات داخل كل البرامج الدراسية. هذا الحل لا يعني التخلي النهائي عن التعريب، كما لا يعني أيضا الفرنسة الشاملة، تضيف المصادر ذاتها. هذا الحل «الوسط» هو محاولة لمغربة نظام معمول به أوربيا ويختصر بـ«EMILE»، ويعني «تدريس مادة مندمجة بلغة أجنبية»، والذي تم تبنيه رسميا سنة 2006 بين دول الاتحاد الأوربي، وتم فرضه أيضا على كل الدول الراغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوربي قبل قبول عضويتها..، مع السماح لكل دولة بصياغة نموذج خاص بها، يأخذ بعين الاعتبار المكانة الاقتصادية لكل دولة واتجاهات الهجرة وحركية اليد العاملة. إنه نظام يعني أن التلاميذ والطلاب سيضيفون إلى تعلمهم باللغة الأم، التعلم داخل السنة الدراسية الواحدة والبرنامج الدراسي الواحد، التعلم بلغة أجنبية..، أي أن هذه الأخيرة لن تكون فقط لغة مُدرسة يتم تعلم قواعدها ولسانها، بل ستصبح لغة لتعلم المعارف وبناء المهارات والقدرات أساسا، بحيث تصبح اللغة والمواد المسماة «غير لغوية» موضوعا للتعلم معا.
هذا النظام يفرض تصورا خاصا للاندماج بين التخصصات ولغات التدريس. فهو لا يستهدف فقط جعل التلاميذ والطلبة يطورون مستواهم في اللغات الأجنبية فقط، بل وأيضا في رفع مؤهلاتهم المعرفية. ويتعلق الأمر أيضا بنظام يعتمد ما يسمى فرنسيا «4C»، وهي « Contenus, Communication, Cognition, Culture»، أي مضامين وتواصل وإدراك وثقافة..، بحيث يتوجب على الأساتذة في مختلف التخصصات، سواء اللغوية أو غير اللغوية، بلورة نماذج لإدماج التعلمات بين موادهم، من قبيل التاريخ والرياضيات والفلسفة من جهة واللغات الأجنبية: الفرنسية والإنجليزية والألمانية خاصة. وهذا تماما ما استحضره واضعو الهندسة اللغوية في الرؤية الاستراتيجية وأعاد المجلس الأعلى للتربية والتكوين التأكيد عليه. فإذا عدنا إلى نص مشروع هذا القانون، سنجد في مادته الثانية أنه نسخ حرفيا الفقرة الواردة في نص الرؤية الاستراتيجية والوارد في الصفحة 81. فضلا عن أن المجلس الأعلى ألح، في رأيه الذي عبر عنه في يونيو 2016، على ضرورة «الربط بين التمكن من اللغات المُدرسة وتنويع لغات التدريس، علما أن هذا هو عنوان ومدار الرافعة 13 المكرسة للهندسة اللغوية فـي الرؤية». وكان المجلس واضحا، أيضا، في تبني مفهوم التناوب اللغوي، من خلال دعوته إلى «تدقيــق الغاية مــن اعتماد التناوب اللغــوي وإعماله التدريجي بوصفـه آلية تربوية لتنويـع لغـات التدريس في بعض المضامين أو المجزوءات طبقا للرؤية»، مضيفا «أن وظيفة التناوب اللغوي هي كذلك تمكين المتعلميــن مــن إتقــان اللغــات الأجنبية بالتدريس بها، على أساس تدريس بعض المجزوءات أو المضامين في بعـض المواد، ولاسيما في المواد العلمية والتقنية، باللغـة الفرنسية فـي الإعدادي والثانوي، وبالإنجليزية في الثانوي التأهيلي، طبقا للآجال المقترحة في الرؤية، وهذا يؤكد التطابق الموجود بين نظام «إميل» الأوربي والهندسة اللغوية في الرؤية الاستراتيجية.