شوف تشوف

الرئيسيةخاصسياسية

الحكومة تهيمن على الإنتاج التشريعي

محمد اليوبي – كريم أمزيان
أبانت الحصيلة التشريعية للبرلمان عن هيمنة الحكومة على جل الإنتاج التشريعي، حيث أغلب النصوص القانونية المصادق عليها، يكون مصدرها هو الحكومة، في حين يوجد في رفوف البرلمان 198 مقترح قانون، بعضها مرت عليه أربع سنوات دون أن يدخل إلى المسطرة التشريعية للمصادقة عليه، ومنها قوانين مثيرة للجدل، ما يطرح أسئلة حول مصير هذه القوانين، مع اقتراب نهاية الولاية التشريعية، ما جعل برلمانيين يوجهون اتهامات للحكومة بالهيمنة على التشريع وضرب المبادرة التشريعية للبرلمان، وتحويله إلى مجرد غرفة لتسجيل مشاريع قوانين الحكومة.
اختتم البرلمان بغرفتيه، خلال الأسبوع الماضي، الدورة التشريعية الخريفية، وهي الدورة ما قبل الأخيرة بالنسبة لمجلس النواب، قبل إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة المقررة يوم 7 أكتوبر المقبل. لكن حصيلة الإنتاج التشريعي التي تم الإعلان عنها من طرف رئيسي مجلسي النواب والمستشارين، أبانت عن هيمنة الحكومة على إنتاج النصوص القانونية داخل المؤسسة التشريعية، من خلال عدد مشاريع القوانين المصادق عليها والتي تحيلها الحكومة على البرلمان، مقارنة مع عدد مقترحات القوانين التي يقترحها البرلمانيون.

ولاية تأسيسية

في الوقت الذي يعرف الإنتاج التشريعي بغرفتي البرلمان، تراجعا كبيرا، حيث لم يتجاوز عدد مقترحات القوانين التي صادق عليها مجلسا النواب والمستشارين خلال سنة 2015، ما مجموعه 7 قوانين، بكلفة تقارب 3 ملايير سنتيم لكل قانون، تتهم فرق المعارضة الحكومة وأغلبيتها البرلمانية بضرب المبادرات التشريعية للنواب البرلمانيين. وأخيرا فرضت مشروع قانون يتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومات، في ظل وجود مقترحي قانون حول الموضوع نفسه داخل لجنة العدل والتشريع، أحدهما تقدم به الفريق الاشتراكي من المعارضة والثاني تقدم به الفريق الحركي المشارك في الحكومة. وليست هذه المرة الأولى التي تتقدم فيها الحكومة بنصوص قانونية في ظل وجود مقترحات قوانين، ما جعل المعارضة تتهمها بقرصنة النصوص القانونية التي تأتي بمبادرة البرلمانيين.
ومع اقتراب الولاية التشريعية والحكومية، يواجه كل من البرلمان والحكومة تحدي إخراج جميع القوانين التنظيمية المكملة لتنزيل دستور 2011، حيث لازالت هناك 5 قوانين في غاية الأهمية لم تفتح الحكومة بشأنها أي نقاش عمومي، رغم أن هذه الولاية التشريعية تعتبر، حسب الدستور، ولاية تأسيسية وتتطلب استكمال البناء المؤسساتي والقانوني للبلاد. كما أن العديد من القوانين لازالت محتجزة داخل الأمانة العامة للحكومة التي أصبحت تسمى «ثلاجة القوانين». وهناك بطء في الإنتاج التشريعي للحكومة الحالية لم تقدر طيلة أربع سنوات على إخراج القوانين التنظيمية المتعلقة بالإضراب وقانون النقابات والقانون التنظيمي المتعلق بترسيم اللغة الأمازيغية والقانون التنظيمي لمجلس الوصاية، وهي قوانين التزم إدريس الضحاك، الأمين العام للحكومة، بإخراجها.
وكان رهان المغاربة قويا على هذه الحكومة في إخراج القوانين التنظيمية المكملة للدستور، لكن بعد مرور أربع سنوات من الولاية الحكومية، تبين أن الحكومة فشلت عمليا في هذه المهمة. ويسود تخوف كبير في أوساط الأحزاب السياسية من عجز الحكومة الحالية عن استكمال الورش الدستوري الذي انطلق مع الربيع الديمقراطي المغربي، وهو الربيع الذي أوصل بنكيران إلى صدارة الانتخابات التشريعية التي خولت له قيادة الحكومة الحالية، رغم أن رئيس الحكومة التزم، في بداية ولايته، بإخراج جميع القوانين المتضمنة في المخطط التشريعي للحكومة، والذي يتضمن 40 مشروعا لنصوص قانونية موزعة ما بين قوانين تنظيمية مكملة للدستور وقوانين عادية. كما يضم المخطط 23 مشروع قانون مقترحا من طرف الحكومة، ويضم المخطط 13 قانونا تنظيميا جديدا.
وأمام تلكؤ الحكومة في إخراج القوانين التنظيمية المكملة للدستور، دعا الملك محمد السادس، في الخطاب الذي ألقاه في الجلسة الافتتاحية للسنة التشريعية الحالية، أمام أعضاء مجلسي النواب والمستشارين، إلى الإسراع بالمصادقة على مشاريع القوانين التنظيمية المعروضة عليه، وقال الملك: «إن ما ينتظركم من عمل، خلال هذه السنة، لاستكمال إقامة المؤسسات، لا يستحمل إضاعة الوقت في الصراعات الهامشية». وأضاف: «فمشاريع النصوص القانونية التي ستعرض عليكم شديدة الأهمية والحساسية. لذا ارتأينا أن نذكر الحكومة والبرلمان بضرورة الالتزام بأحكام الفصل 86 من الدستور، الذي يحدد نهاية هذه الولاية التشريعية كآخر أجل لعرض القوانين التنظيمية على مصادقة البرلمان».

هيمنة الحكومة

حسب الإحصائيات المعلنة، فقد أكد رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، أن المجلس صادق خلال الدورة الخريفية من السنة التشريعية 2015/ 2016 على 61 نصا تشريعيا، تم التصويت بالنسبة لمشاريع القوانين التي أحالتها الحكومة على 55 مشروع قانون، مقابل 6 مقترحات قوانين فقط اقترحتها جميع الفرق البرلمانية، أي بمعدل إنتاج نص قانوني واحد لكل 65 برلمانيا من أصل 395 برلمانيا وبرلمانية يتشكل منهم مجلس النواب. ورغم ذلك اعتبر الطالبي العلمي، في كلمة بالمناسبة خلال جلسة عامة خاصة باختتام هذه الدورة، أن الحصيلة التشريعية لهذه الدورة كانت «إيجابية» سواء على مستوى عدد النصوص المصادق عليها أو طبيعتها، مشيرا إلى أنه تم، في ما يتعلق بمقترحات القوانين، التصويت على أربعة مقترحات قوانين، في حين تم رفض مقترحي قانونين.
وأشاد الطالبي العلمي، في إطار استكمال الورش المؤسسي، بمصادقة المجلس على مجموعة مهمة من القوانين التنظيمية التي تهم النظام الأساسي للقضاة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وشروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم العرائض إلى السلطات العمومية. وفي ما يتعلق بالاختصاص الرقابي للمجلس، أشار رئيس مجلس النواب إلى أنه جرى عقد 16 جلسة للأسئلة الشفوية تمت خلالها الإجابة عن 356 سؤالا من ضمنها 42 سؤالا آنيا، فيما تم على مستوى الأسئلة الكتابية طرح 1696 سؤالا، أجابت الحكومة 1829 جوابا ضمنها أسئلة مطروحة خلال دورات سابقة. ومن جانبه، أكد حكيم بن شماش، رئيس مجلس المستشارين، أن المجلس صادق خلال دورة أكتوبر من السنة التشريعية 2015/ 2016، على 24 نصا قانونيا، وأوضح في كلمة بالمناسبة خلال جلسة عمومية خاصة باختتام هذه الدورة، أن الحصيلة التشريعية لهذه الدورة، التي «لم تنطلق فعليا» إلا بعد إحالة مشروع القانون المالي لسنة 2016 على المجلس (17 نونبر 2015)، «لا ترقى» من حيث الكم مقارنة مع الدورات السابقة، إلى ما كنا نطمح إليه، وإن كان الأمر بديهيا اعتبارا للإكراهات التي رافقت البنيات التنظيمية للمؤسسة، داعيا إلى تكثيف وتيرة التعاون والتنسيق بين مختلف الفاعلين للانكباب في الدورة المقبلة على التقدم في دراسة مشاريع ومقترحات قوانين.
وأشار بنشماش إلى أن هذه الحصيلة تطلبت انعقاد 69 اجتماعا على مستوى اللجان الدائمة بعدد ساعات عمل ناهز 246 ساعة، فيما انعقدت لأجل الدراسة والتصويت على هذه النصوص القانونية 13 جلسة تشريعية بنسبة 40 في المائة من مجموع الجلسات العامة التي شملت أيضا 14 جلسة للأسئلة الشفهية بنسبة 43 في المائة، وجلستين شهريتين لتقديم الأجوبة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وأربع جلسات عامة مختلفة.
قوانين بكلفة باهظة

كشفت حصيلة الإنتاج التشريعي لغرفتي البرلمان خلال سنة 2015، أن البرلمانيين بمجلسي النواب والمستشارين والبالغ عددهم 515 برلمانيا، بعد تقليص عدد أعضاء الغرفة الثانية من 270 إلى 120 عضوا، أنتجوا خلال سنة كاملة 7 مقترحات قوانين فقط، في حين كلفت ميزانية المجلسين حوالي 70 مليار سنتيم.
وحسب المعطيات ذاتها، فمن أصل 89 نصا تمت المصادقة عليها نهائيا، اقترح منها البرلمانيون بمجلسي النواب والمستشارين، 7 مقترحات قوانين فقط طيلة سنة كاملة، أي أن حصيلة البرلمان في إنتاج النصوص القانونية لم تتجاوز 7.8 في المائة من مجموع النصوص المصادق عليها.
وذكرت مصادر برلمانية أن البرلمان بغرفتيه يضم 515 برلمانيا في المجموع، حيث تضم الغرفة الأولى 395 نائبا برلمانيا والغرفة الثانية 120 مستشارا برلمانيا خلال الدورة الحالية، وكان في الدورات السابقة يضم 270 مستشارا برلمانيا. وبمقارنة حصيلة الإنتاج التشريعي مع عدد البرلمانيين، يكون كل 73 برلمانيا أنتجوا مقترح قانون واحد، أي كل نص تشريعي يكلف خزينة الدولة ما مجموعه 233 مليون سنتيم شهريا، باحتساب التعويضات التي يحصل عليها البرلمانيون، ويكلف كل نص تشريعي دافعي الضرائب ما يقارب 3 ملايير سنويا، وهي أغلى تكلفة لإنتاج النصوص القانونية في العالم.
وقالت سليمة فرجي، عضو لجنة العدل والتشريع، عن فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، إن دستور 2011 منح للمؤسسة البرلمانية صلاحيات وسلطة قوية، لكن بعد مرور نصف الولاية، سجلنا فشل البرلمان في مسايرة النموذج المغربي المتميز الذي يتضمنه محتوى الدستور الجديد. وأوضحت فرجي أن ما ميز نصف الولاية التشريعية هو أنانية الحكومة تجاه المبادرة النيابية في التشريع والأمثلة كثيرة في هذا الشأن، منها مقترح القانون المتعلق بالحق في المعلومة، هذا المقترح الذي تقدمت به بعض فرق المعارضة، فلما وجدت الحكومة نفسها أمام انطلاق فعلي لعملية التشريع وبدل التعبير عن تفاعلها الإيجابي، ضربت المقترحات عرض الحائط لتجابه الفرق أصحاب المقترح بمشروع قانون في الموضوع نفسه.
واتهمت فرجي الحكومة بمحاولة تقزيم دور المعارضة ومصادرة حقها في تقديم مقترحات القوانين، من خلال تفاعلها السلبي مع المبادرة التشريعية للبرلمانيين، ما اعتبرته خرقا سافرا للدستور وما استتبع ذلك من تعثر وتيرة التشريع وتقزيم لدور المعارضة كسلطة نافذة ذات قوة اقتراحية.
وتساءلت فرجي عن السر في استمرار الحكومة في مصادرة حق البرلمانيين في التشريع، أو عدم برمجة ودراسة مقترحات القوانين رغم أهميتها، كمقترح القانون المنظم لمجلس الجالية المغربية بالخارج، ومقترح قانون ينظم المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي تقدم بهما فريق الأصالة والمعاصرة، أو مقترح قانون يتصدى لمظاهر التمييز، ومقترح قانون يقضي بتنظيم أملاك الدولة، أو مقترح قانون ينظم التعليم العالي ومقترح قانون يقضي بنسخ الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يجرم العمل النقابي، تقدم بها فريق الأصالة والمعاصرة.

المعارضة لم تقترح القانون المنظم لأعمالها داخل البرلمان
من بين الانتقادات الموجهة لفرق المعارضة البرلمانية، في مجال التشريع، هو أنها لم تقدر على وضع مقترح قانون تنظيمي يحدد كيفية ممارسة الحقوق التي منحها لها الدستور بموجب الفصل العاشر، وترى فرق الأغلبية، أن المعارضة تنتظر من الحكومة وضع قانون يحدد للمعارضة كيف تعارضها.
وينص الفصل 10 من الدستور، أنه تحدد كيفيات ممارسة فرق المعارضة لهذه الحقوق، حسب الحالة، بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان، ولذلك توجه الأغلبية الحكومية في العديد من المناسبات، انتقادات قوية لفرق المعارضة، من خلال اتهامها بعدم قدرتها على ممارسة دورها الدستوري في مراقبة العمل الحكومي. وفي المقابل تتهم المعارضة الحكومة وأغلبيتها البرلمانية، بحرمانها من هذا الحق الذي خوله لها الدستور الجديد، كما تتهم الحكومة بحرمانها من ممارسة حقها في التشريع، وشهدت جلسات البرلمان، اندلاع العديد من الأزمات بين الأغلبية الحكومية وفرق المعارضة بهذا الخصوص، دفعتها في العديد من المرات إلى التهديد بمقاطعة الجلسات البرلمانية.
وخص الدستور الجديد، فرق المعارضة بالبرلمان، بمكانة متميزة، وخولها العديد من الحقوق، كما جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع والرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية، وخصص لها المشرع الدستوري الفصل 10 من الدستور، الذي ينص على ما يلي “يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية، كما منحها الحق في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة”.
ويضمن الدستور بصفة خاصة للمعارضة مجموعة من الحقوق، أهمها حرية الرأي والتعبير والاجتماع، وحيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها، والاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون، والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، والمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق، والمساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وتمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، ورئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، والتوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية، والمساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية، والمساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من هذا الدستور، وممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي،
محليا وجهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور.
ويتضح من خلال مقتضيات الدستور المغربي الجديد، أن المعارضة البرلمانية تتمتع بوضعية دستورية متميزة، حيث بإمكانها بقوة الدستور أن تشارك في التشريع كما في الرقابة على العمل الحكومي، وهذا الأمر فيه رفع للحيف والتهميش الذي كان يمس المعارضة في ظل الدساتير السابقة، فالوسائل والآليات التي كان منصوصا عليها في الدساتير السابقة، لم تكن لتمكن المعارضة من القيام بمهامها، وذلك بالنظر للشروط المسطرية المعقدة والنصاب القانوني الكبير المتعلق بأهم آليات الرقابة كتكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق، أو الطعن في دستورية القوانين العادية، وكذلك رئاسة إحدى اللجان البرلمانية الدائمة كلجنة العدل والتشريع، كما أن كل المقتضيات الدستورية السابقة الذكر، تؤكد بالملموس، بأن دستور 2011 شكل قطيعة مع الدساتير السابقة على عدة مستويات، من بين أهمها ما يتعلق بالرقابة البرلماني على العمل الحكومي، ودور المعارضة في إطار النظام البرلماني المغربي الجديد.

فشل مقاربة زجر ظاهرة غياب البرلمانيين عن اللجان والجلسات
تبقى ظاهرة غياب البرلمانيين عن الجلسات الأسبوعية واجتماعات اللجان الدائمة، من أكبر الاختلالات التي تعانيها المؤسسة البرلمانية منذ سنوات، حيث يهجر أغلب البرلمانيين غرفتي البرلمان، مباشرة بعد حضورهم الجلسة الافتتاحية للدورة البرلمانية الخريفية التي يترأسها كل سنة الملك محمد السادس، وذلك رغم أن النظام الداخلي لمجلس النواب يطرح العديد من الإجراءات التي تروم زجر غياب البرلمانيين، في محاولة للحد من هذه الظاهرة المستفحلة داخل مجلسي البرلمان، إلا أن هذه الظاهرة لازالت مستفحلة أمام عجز مكتبي مجلسي البرلمان عن تطبيق هذه الإجراءات.
ونص النظام الداخلي للمجلس في المادة 98، على ضرورة حضور النواب والنائبات جميع الجلسات العامة، وعلى من أراد الاعتذار أن يوجه رسالة إلى رئيس المجلس مع بيان العذر، قبل انعقاد الجلسة العامة. وفي حال عدم وجود عذر من المتغيب عن الجلسة العامة، فقد قرر مكتب المجلس، طبقا للنظام الداخلي، الاقتطاع من التعويضات الممنوحة لأعضاء مجلس النواب، والمحددة في ألف درهم عن كل يوم. وتنص المادة 99 من النظام الداخلي، على أنه إذا تغيب عضو عن الجلسة بدون عذر مقبول، يوجه الرئيس في المرة الأولى إلى العضو المتغيب تنبيها كتابيا، وإذا تغيب في المرة الثانية بدون عذر عن جلسة عامة في الدورة نفسها، يوجه إليه الرئيس تنبيها كتابيا ثانيا ويأمر بتلاوة اسمه في افتتاح الجلسة العامة الموالية. وفي حال تغيبه بدون عذر للمرة الثالثة أو أكثر في الدورة نفسها، يقتطع مبلغ مالي من التعويضات الشهرية الممنوحة للعضو المعني، بحسب عدد الأيام التي وقع خلالها التغيب بدون عذر مقبول، وتنشر هذه الإجراءات في الجريدة الرسمية للبرلمان والنشرة الداخلية للمجلس وموقعه الإلكتروني. وتنطبق هذه الإجراءات كذلك على غياب البرلمانيين والبرلمانيات عن اجتماعات اللجان الدائمة لمجلس النواب.
كما أنه، رغم حضور بعض البرلمانيين لجلسات البرلمان، فإنهم لا يشاركون في الجلسات أو في اجتماعات اللجان الدائمة، فهناك بعض البرلمانيين بمجلسي النواب والمستشارين لم يسمع صوتهم منذ أول جلوس لهم على الكراسي الوثيرة للمجلسين. فضلا عن أن برلمانيين آخرين، رغم حرصهم على حضور الجلسات، فإنهم يقضون أغلب أوقاتهم في قراءة الجرائد أو تفحص المواقع الإلكترونية على هواتفهم النقالة والحواسيب المحمولة التي أصبحت موضة داخل جلسات البرلمان.
هذا وأقر النظام الداخلي لمجلس النواب بوجود هذه السلوكات التي تؤثر على سير الجلسات وعلى الأداء البرلماني، ولذلك تضمن النظام الداخلي الجديد، مدونة للسلوك والأخلاق تمنع الحديث في الهاتف وتصفح الجرائد والمواقع الإلكترونية وتناول الوجبات الغذائية داخل قاعة البرلمان أثناء انعقاد الجلسات العامة التي تخصص لطرح الأسئلة الشفوية على الحكومة، أو خلال انعقاد اجتماعات اللجان الدائمة التي تخصص لدراسة ومناقشة القوانين ومساءلة أعضاء الحكومة. ويأتي هذا المنع بعد بروز بعض السلوكات المخلة بالسير العادي للجلسات العامة، من قبيل عدم اهتمام النواب البرلمانيين بالنقاشات التي تكون داخل قاعة البرلمان، وانهماك بعضهم في مكالمات هاتفية أو في أحاديث ثنائية. كما يتم رصد العديد من النواب غير مبالين بما يجري داخل الجلسات، بسبب إبحارهم عبر شبكة الأنترنيت أو تزجية الوقت بلعب الورق أو الدردشة عبر المواقع الاجتماعية من خلال حواسيبهم المحمولة.

محمد زين الدين : «الحكومة والبرلمان أهدرا الزمن التشريعي وهناك توجس بخصوص الدورة المقبلة»
كيف ترى الحصيلة التشريعية لدورة أكتوبر التي جرى اختتامها؟
الحصيلة التشريعية لدورة أكتوبر، كانت حصيلة عادية جداً، رغم أن الرهانات كانت استراتيجية ومتعددة، خصوصا أن تأتي الدورة بوصفها ما قبل الأخيرة قبيل الانتخابات التشريعية التي جرى تحديد وقت إجرائها. وجاءت الدورة أيضاً بعد بداية العمل بالصيغة الجديدة للغرفة الثانية عقب انتخاب مكتبها وأعضائها، وأصبحت في حلتها الجديدة. وما يمكن قوله هو أن البرلمان أهدر الزمن التشريعي، لاعتبارات عديدة: أولها أنه من ناحية الحصيلة التشريعية كلياً، فالإنتاج التشريعي لم يشهد أي ارتفاع ملحوظ، في الوقت الذي كان مطلوبا الرفع من مستواه.
والملاحظ كذلك هو ارتفاع وتيرة البطء في المناقشة والمصادقة على القوانين التنظيمية. فباستثناء القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية، مازالت بقية القوانين التنظيمية موضوعة على رفوف الحكومة، ولم يتم إخراجها بعد، على الرغم من أنها محكومة بالمصادقة عليها في هذه الدورة وفقا لما ينص عليه الدستور، على اعتبار أنها قوانين تنظيمية مؤسسة ومكملة، وكان من المفروض البدء فيها، في حين أن الحكومة وضعتها في ذيل مخططها التشريعي.

ألا ترى أن هناك بطءا في تفعيل المؤسسات الدستورية؟
كان من المفروض تعيين المحك مة الدستورية في صيغتها الجديدة، خصوصا أن الملك طالب بالتسريع في إخراجها، وستة أعضاء آخرين، وهو ما لم يجر إلى حد الآن، ما انعكس سلبا على مجلس الوصاية الذي يعد رئيسه هو نفسه رئيس المحكمة الدستورية.
هناك بطء في تفعيل المؤسسات الدستورية، والحكومة والبرلمان يتحملان المسؤولية الكاملة في ذلك، خصوصا أنهما أضاعا الزمن التشريعي، من خلال استمرار طابع تتميز به الحكومة التي مازالت تتحكم في الإنتاج التشريعي على سلطة البرلمان، وذلك ضدا في مقتضيات الدستور.
فالحكومة هي المشرع العادي، والبرلمان استثنائي، في حين أن العكس هو الذي يجب أن يكون. فالإنتاج البرلماني الخاص بالبرلمانيين عادي جداً، لأن الحكومة لا تشجعهم على ذلك، وهو ما يجعل الجميع يتساءل بخصوص دورهم في البرلمان.

وماذا عن دور البرلمان في ممارسة سلطته الرقابية؟
على مستوى آليات الرقابة البرلمانية، هناك تقسيم السياسات العمومية، ووضع الأسئلة الكتابية، وكذا برمجة الأسئلة الشفوية، وفق ما يقتضيه القانون الداخلي لمجلسي النواب والمستشارين.
لكن هناك اجترار للأسئلة، إذ يتم وضع الأسئلة نفسها في جلسات الأسئلة الشفوية الأسبوعية، بكل من غرفتي البرلمان، في مجلس النواب والمستشارين، وهو ما يتطلب إعادة النظر في النظامين الداخليين للمجلسين من جديد، حتى تضمن الفاعلية والتميز بداخلهما، ويكون هناك رقي بالعمل البرلماني من قبل البرلمانيين نوابا ومستشارين، لأن ذلك هو الأصل في خلق الغرفة الثانية، إلى جانب الأولى، من خلال نظامين مختلفين من حيث التركيبة والدور.
ويلاحظ في الأداء البرلماني، المتعلق بالدورة الخريفية التي جرى اختمامها قبل أيام، أن هناك تغييبا كبيرا بخصوص الدفاع عن القضايا المهمة والاستراتيجية، خصوصا القضية الوطنية المتعلقة بالصحراء المغربية، وعلاقة المغرب بالاتحاد الأوربي، واللتين كان الحديث عنهما عاديا جداً، على الرغم من الرهانات التي كانت مطروحة بشأنهما، على البرلمان، وهو ما سينعكس سلبا على الدورة الربيعية المقبلة.

كيف سيؤثر ذلك في الدورة الربيعية المقبلة؟
أخشى أن يكون هناك خرق للدستور، خصوصا في ما يخص الفصل 86 منه، وهو السؤال الذي يفرض نفسه بحدة، على متتبعي الشأن البرلماني والحكومة والبرلمان، خصوصا أن هناك ضغطا على مستوى تجريد النص التشريعي، في الوقت الذي يسارعان الزمن معاً من أجل إخراجه دون اعتبار لمعايير الجودة، والتخوف هو أن تكون أقل جودة من النص الدستوري نفسه.

محمد الأعرج : «من الضرورة انعقاد دورة استثنائية لاستكمال العمل التشريعي»

باعتباركم فريقا في الأغلبية الحكومية، كيف تقيمون حصيلة الدورة البرلمانية الخريفية؟
لابد من الإشارة في البداية إلى أن تقييم حصيلة هذه الدورة، يجب أن تكون على ثلاثة مستويات: التشريع، المراقبة وتقييم السياسات العمومية بشكل عام. فحصيلة هذه الدورة الخريفية، والتي تميزت بمناقشة القانون المالي، كانت إيجابية بالنظر إلى مختلف القضايا التي طرحت للنقاش العام داخل البرلمان، والمرتبطة بالقضايا العمومية ذات الطابع السياسي والاقتصادي والاجتماعي أو الثقافي أو الأمني أو الدبلوماسي، وغيرها من القضايا التي تدخل في صلب العمل البرلماني.
يمكن القول إن الحصيلة كانت جيدة، باعتبار أن دورة أكتوبر من كل سنة تشريعية تعتبر محطة أساسية في دراسة مشروع قانون المالية للسنة الموالية، بجانب العديد من المشاريع والمقترحات القانونية الأخرى وغيرها. وفي هذا الإطار، فالفريق الحركي بمجلس النواب بوصفه مكونا في الأغلبية البرلمانية، ساهم بنقاش في مختلف المحطات التي عرفها النقاش العمومي البرلماني سواء داخل اللجان أو الجلسات العامة أو في الأيام الدراسية المنظمة داخل المجلس. وهذا الإسهام كان على مستوى التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية، وذلك اعتمادا على حجم إسهام النواب البرلمانيين في الرفع من مستوى العمل التشريعي للمجلس، عبر تقديم العديد من مقترحات القوانين سواء تلك التي تقدموا بها باسم الفريق أو بمعية فرق الأغلبية، بالإضافة إلى مساهماتهم في بسط مواقف الحزب والفريق داخل اللجان البرلمانية وفي الجلسات العامة، أو أثناء مناقشة السيد رئيس الحكومة في إطار المساءلة الشهرية وغيرها من المحطات.
وانطلاقا من تنزيل وتفعيل الاختصاصات المخولة للمؤسسة البرلمانية في أحكام الدستور، كانت مساهمة أعضاء الفريق متميزة، خصوصا في مناقشة مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية والقانونين التنظيميين المتعلقين بالملتمسات والعرائض، علما أن أعضاء الفريق النيابي يقومون بدور هام داخل اللجان النيابية سواء على مستوى مناقشة القوانين التنظيمية التي أحالتها الحكومة على البرلمان، أو على مستوى القوانين العادية، انطلاقا من توجهات ومبادئ الحزب.

العديد من المتتبعين يرون أن الحصيلة التشريعية لهذه الدورة، حصيلة عادية واتسمت أحيانا بغياب النواب والنائبات؟
من المهام المنوطة بالمؤسسة البرلمانية أساسا التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية. فعلى مستوى التشريع ساهمنا في تنزيل مقتضيات الدستور بالمصادقة على القانونين التنظيميين للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، وكذا القانون التنظيمي المتعلق بالملتمسات، والقانون التنظيمي المتعلق بالحق في تقديم العرائض والملتمسات. وللإشارة فهي من القوانين التنظيمية التي تكرس الديمقراطية التشاركية، وكمثال آخر على مستوى التشريع وتنزيل مقتضيات الدستور، خصوصا المقتضيات المتعلقة بالحق في الحصول على المعلومة، فقد تمت مناقشة هذا القانون في لجنة العدل والتشريع في انتظار المصادقة عليه.

ينتظر أن تكون هناك دورة استثنائية للبرلمان المغربي، متى سيكون موعدها؟
مازال لم يتم تحديد موعد للدورة الاستثنائية، وعلى العموم فالمعطيات الأولية تشير إلى انعقادها في شهر مارس المقبل، انطلاقا من مواصلة تنزيل مقتضيات الدستور، خصوصا القانون التنظيمي المتعلق بمجلس الوصاية الذي أحيل على مجلس النواب، وكذا القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية الذي بدأت مناقشته داخل مجلس الحكومة في انتظار إحالته على المجلس الوزاري. كما أنه من دواعي انعقاد الدورة الاستثنائية، وجود العديد من المشاريع والمقترحات في طور مناقشتها داخل اللجان النيابية الدائمة.
فالضرورة تستدعي كذلك انعقاد دورة استثنائية، بحكم أننا مقبلون على استحقاقات انتخابية تتطلب منا كفاعلين سياسيين وبرلمانيين الانكباب على دراسة وتعديل بعض المقتضيات المتعلقة بالقوانين التنظيمية الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس النواب، وإعطائها الوقت الكافي لإخراج قوانين تنظيمية في حجم تطلعات وانتظارات الشعب المغربي. والدورة الاستثنائية تساعدنا على تعميق النقاش الهادئ والمسؤول للقوانين التنظيمية الأخرى.

بعض القوانين التي صادق عليها مجلس النواب أثارت احتجاجات، ومن بينها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالحق في تقديم الملتمسات والعرائض..
لتوضيح الأمر فمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالحق في تقديم الملتمسات، وكذا القانون التنظيمي المتعلق بالحق في تقديم العرائض للسلطات العمومية، تضمن مقتضيات صدرت عن التوصيات المتعلقة بأدوار المجتمع المدني والتي نظمتها وزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني وفق مقاربة تشاركية، علما أن المقتضيات الواردة ضمن القانونين يؤسسان لمرحلة جديدة في أدوار المجتمع المدني بالمغرب.
أعتقد أن هذه مرحلة مهمة من تاريخ المؤسسة البرلمانية، مرحلة تأسيسية للعديد من القوانين التنظيمية الواردة في دستور 2011، الذي جاء بمجموعة من المكتسبات سواء على صعيد الحقوق أو الحريات العامة. ونعتقد أننا ملزمون في هذه المرحلة بالإسهام جميعا، أغلبية ومعارضة، في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد، سيما في هذه المرحلة التأسيسية لهذه الولاية التشريعية التي هي على أبواب نهايتها.

3 أسئلة إلى سعيد باعزيز : «الحكومة لم تلتزم بما جاء في الدستور ولم تخرج القوانين المكملة له»
ما تقييمكم للعمل البرلماني في الدورة ما قبل الأخيرة لنهاية الولاية الحكومية؟
ما يمكن الخروج به في نهاية الدورة الخريفية، التي تعد الأولى في هذه السنة التشريعية، أن الحصيلة البرلمانية ضعيفة، إن لم نقل إنها هزيلة. فعلى الرغم من أن الحكومة تتبجح بمعية بعض فرق الأغلبية، بنجاحها في هذه الدورة، بإخراج عدد كبير من النصوص التشريعية، فإن الرقم الذي يضخم هذا العدد، ويبينه بشكل جيد، يبقى هو الاتفاقيات التي يصادق عليها البرلمان، على اعتبار أنها مهام جديدة صادق عليها دستور 2011 الجديد.
ومن بين النصوص القوانين التي جرت المصادقة عليها في الدورة الأولى التي تم اختتامها، القانون المالي المتعلق بالسنة الجارية 2016، وهو الوحيد الذي يخيم على هذه الدورة، على الرغم من أن نقاشه هو كذلك اتسم بنوع من البرودة والجمود، إذ إن جل البرلمانيين مستشارين ونواباً، لم يشاركوا بفاعلية في نقاشه، على اعتبار أنه الأخير في هذه الولاية الحكومية، التي ستنتهي مهامها بعد انتهاء الدورة الربيعية المقبلة، ما جعل الجميع يؤكدون أن المشروع يشبه بقية المشاريع التي جرت المصادقة عليها في السنوات الماضية، منذ افتتاح الدورة الخريفية الأولى في أول سنة تشريعية من عمر الولاية الحكومية الحالية.

هل التزمت الحكومة بما جاء في الدستور، وأخرجت القوانين المكملة له؟
الحكومة الحالية لم تعمل بالأجندة السياسية التي تلتزم من خلالها بما جاء في الدستور، ولم تخرج القوانين التنظيمية المكملة له، من خلال عدم تفعيلها القوانين التنظيمية التي وجبت المصادقة عليها، قبل اختتام الحكومة الحالية ولايتها، خصوصاً أن هذه الحكومة جاءت في فترة انتقالية، كان من المفروض أن تكون مؤسسة للحقبة السياسية المقبلة، في حين أنها لم تلتزم بهذه الرهانات.

كيف تتعامل الحكومة مع النصوص التشريعية؟
يلاحظ كذلك أن هذه الحكومة تتعامل بنوع من السرعة مع مشاريع القوانين، حتى لا تعطيها وقتا من أجل مناقشتها في البرلمان، إذ تعمل على تهريب النصوص التشريعية، والنموذج مدونة السير التي تفاجأنا بمد الحكومة الأغلبية بـ 14 مادة، لتقدمها في ما بعد على شكل تعديلات، حتى تمنع فرق المعارضة من المشاركة، وتقصيها من المساهمة في الإنتاج التشريعي الذي اتسم في هذه الدورة، على غرار الدورات السابقة، ببطء كبير، ما يستوجب على الحكومة أن تخرج ما تبقى من القوانين من رفوفها في بداية الدورة الربيعية المقبلة، وليس في وسطها أو نهايتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى