الحكومة تستعجل إصلاح أنظمة التقاعد
نظام المعاشات المدنية مهدد بالإفلاس بحلول سنة 2028
أصبح إصلاح أنظمة التقاعد يفرض نفسه بقوة على الحكومة، في ظل توالي التقارير الصادرة عن مؤسسات وطنية تحذر من خطر الإفلاس الذي يهدد هذه الأنظمة في السنوات المقبلة. ولهذا، سارع عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، إلى الإعلان تحت قبة البرلمان، عن شروع حكومته في إعداد تصور للإصلاح، من خلال إيجاد حلول واقعية ومستدامة. مؤكدا أن الحكومة لن تقبل على نفسها، مهما بلغت الكلفة السياسية، أن تعمل على توريث هذا الملف مع تعميق أزمته. وتم تشكيل لجنة تقنية مكلفة بملف إصلاح أنظمة التقاعد، عقدت عدة اجتماعات أسفرت عن وضع السيناريوهات الممكنة لإنقاذ صناديق التقاعد، وكذا وضع المبادئ الأساسية الموجهة لهذا الإصلاح، وذلك بعد إدخال إصلاحات مقياسية تدريجية ذات طابع استعجالي، وسيتم تنزيل المرحلة الثانية من الإصلاح على المدى المتوسط، وتروم إرساء منظومة تقاعد ثنائي القطب (عمومي وخصوصي)، في أفق اعتماد نظام أساسي موحد على المدى البعيد.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
وصفة إصلاح التقاعد جاهزة وتنتظر موافقة النقابات
أكدت مصادر حكومية أن وصفة إصلاح أنظمة التقاعد أصبحت جاهزة، ومن المنتظر عرضها على المركزيات النقابية لإبداء الرأي بشأنها، قبل إحالة المشروع على المجلس الحكومي للمصادقة عليه.
وفتحت الحكومة، من جديد، ورش إصلاح أنظمة التقاعد، حيث ترأس رئيسها عزيز أخنوش، يوم الثلاثاء الماضي بالرباط، جلسة عمل خصصت لتدارس الملف، الذي تعتزم الحكومة تنزيله خلال السنة الجارية، استعداداً لجولة الحوار الاجتماعي القادمة.
وقدمت وزيرة المالية، أمام رئيس الحكومة، عرضا حول الوضعية الحالية لصناديق التقاعد، المطبوعة بتعددها واختلاف هيكلتها وإطارها التنظيمي. وطرحت المسؤولة الحكومية سيناريوهات الإصلاح الممكنة، التي تراعي مصلحة جميع الأُجراء، وتضمن ديمومة صناديق التقاعد تكريسا لأسس الدولة الاجتماعية.
وأكدت المصادر أن الإصلاح الاستعجالي لأنظمة التقاعد أصبح يفرض نفسه على الحكومة، بعدما فشلت الإصلاحات التي أطلقتها الحكومات السابقة في الحفاظ على التوازنات المالية لصناديق التقاعد، التي أصبحت مهددة بالإفلاس مع حلول سنة 2028. وفي هذا الصدد، تعهد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أمام البرلمان، بالشروع في تنزيل إصلاح منظومة التقاعد خلال السنة الحالية، إذ شرعت لجنة إصلاح أنظمة التقاعد في عقد اجتماعات من أجل التوصل إلى السيناريوهات المقترحة لتجاوز أزمة صناديق التقاعد، لبلورة مشروع قانون سيحال على المؤسسة البرلمانية للمصادقة عليه، وخلصت إلى ضرورة ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، والحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة، وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد.
وترأست نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، بمقر الوزارة، عدة اجتماعات للجنة إصلاح أنظمة التقاعد التي تندرج في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي الموقعين، في 30 أبريل من السنة الماضية، بين الحكومة والمركزيات النقابية والمنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين.
وقدمت الوزيرة وصفة الحكومة لإصلاح أنظمة التقاعد، بناء على الدراسة المنجزة من طرف أحد مكاتب الدراسات، خلصت إلى ضرورة ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، والحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة، وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد. ومن أجل التوفيق بين كل هذه الأهداف، المتناقضة أحيانا، تقترح الحكومة اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص وذلك لتسهيل المرور مستقبلا نحو نظام أساسي موحد، كما تقترح تقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي، وتجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى العشر سنوات القادمة، مع رفع سن التقاعد إلى 65 سنة بما في ذلك القطاع الخاص، ورفع نسب الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص.
وقدمت الوزيرة، أمام أعضاء اللجنة، تشخيصا وتحليلا للوضعية الراهنة، وذلك بعد تنزيل الإصلاح المقياسي لسنة 2016، حيث سيستنفد نظام المعاشات المدنية لاحتياطياته (68 مليار درهم) بحلول سنة 2028. وللوفاء بالتزاماته بعد ذلك، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام. وأكدت الوزيرة أن هذا النظام يعد حاليا متوازنا بالنسبة للحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016، بحيث إن الدين الضمني الحالي يهم بالخصوص الحقوق المكتسبة في الماضي، ويعرف النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد عجزا تقنيا مهما بلغ 3,3 مليارات درهم سنة 2021، وبفضل المستوى المهم لاحتياطياته (135 مليار درهم)، تمكن العوائد المالية للنظام من تغطية هذا العجز التقني.
وبالنسبة للقطب الخاص، يتوفر نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص على هوامش لإدراج إصلاحات مقياسية بالنظر إلى نسبة المساهمة بالنظام 11,89 بالمئة، وسن الإحالة على التقاعد 60 سنة، ينتظر أن يستعمل النظام احتياطياته قريبا، غير أن أفق استدامته يظل بعيدا نسبيا (2038)، نظرا لعدة عوامل، بينها أن النظام غير منصف حيث يشترط على المؤمن له أن يتوفر، للاستفادة من معاش التقاعد، على حد أدنى من التصريح، أي ما يعادل في المتوسط 15 عاما من العمل، كما أن المحرك الديموغرافي الإيجابي يجلب السيولة للنظام حاليا، لكنه، بالمقابل، يثقل دينه الضمني.
وأكدت الوزيرة أن التوازنات المالية لأنظمة التقاعد أصبحت مهددة، إذ يواجه الصندوق المغربي للتقاعد مشكلة سيولة ناتجة عن الالتزامات السابقة لنظام المعاشات المدنية، حيث لا تولد الحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016 أي عجز إضافي، وبالنسبة للصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد، يخفي المستوى المهم لاحتياطيات النظام مشاكله المرتبطة بعدم توازنه البنيوي. وخلصت الوزيرة إلى أن تنزيل القطب العمومي يظل الخيار الأمثل لمعالجة إشكالية سيولة نظام المعاشات المدنية وكذا مشكلة عدم التوازن البنيوي الذي يعرفه النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد.
وبالنسبة للقطب الخاص، تخفف الدينامية الإيجابية لمحركه الديموغرافي من مشكل عدم توازن نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص. غير أنه، وبمجرد تراجع هذا المؤشر الديموغرافي، ستتدهور الوضعية المالية للنظام ما يستوجب إصلاحا مقياسيا مستعجلا لجعله أكثر إنصافا والحد من اختلالاته المالية.
على مستوى الأداء الاجتماعي، سجلت الوزيرة وجود ضعف تغطية الأنظمة يحول دون حصول أكثر من نصف النشيطين (حوالي 54%) على حماية ضد أخطار الشيخوخة، وتجانس على مستوى متوسط المعاشات الممنوحة: 2022 درهما بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و5678 للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد و7873 درهما بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، وعدم تجانس قواعد إعادة تقييم المعاشات، بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، إعادة التقييم ليست تلقائية وتعود آخر إعادة تقييم إلى سنة 1997، في حين تتطلب إعادة التقييم إصدار مرسوم بالنسبة لأجراء القطاع الخاص (تعود آخر عملية لإعادة التقييم إلى 2006 إن استثنينا الزيادة التي تم إقرارها شهر شتنبر 2022)، وإعادة تقييم سنوية بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، ناهيك عن أن شريحة كبيرة من أجراء القطاع الخاص، التي لا تستوفي شرط 3240 يوما للمطالبة بمعاش، تكتفي بالحصول على اشتراكاتها الأجرية، حيث تم الاتفاق أخيرا، في إطار الحوار الاجتماعي، على تخفيض هذا الشرط إلى 1320 يوما مع الحق أيضا في استرداد اشتراكات المشغل بالنسبة للأشخاص الذين لم يستوفوا هذا الشرط.
نظام المعاشات المدنية سيصل إلى حافة الإفلاس بحلول سنة 2028
عقدت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب لقاء دراسيا حول موضوع «استدامة أنظمة التقاعد في ظل تعميم الحماية الاجتماعية»، بمشاركة كل من نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، وفوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية ومسؤولين عن كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والصندوق المهني المغربي للتقاعد، الصندوق المغربي للتقاعد، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي وصندوق الإيداع والتدبير للاحتياط.
وأكد المشاركون في اللقاء على أهمية إصلاح نظام التقاعد وفق مقاربة تشاركية مع الانفتاح على الفرقاء الاجتماعيين، ومراعاة الإكراهات المالية للإصلاح، بما يضمن توازن واستمرارية المنظومة ذات الصلة وديمومتها. وتوجت أشغال اللقاء بتوصيات ومقترحات دعت إلى الانكباب على معالجة الوضعية الحالية لنظام المعاشات المدنية بعد الإصلاح المقياسي الذي عرفه سنة 2016، والعمل على تجاوز الصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد لعجزه التقني.
وحثت التوصيات على تسريع جهود تعزيز توازنات أنشطة التقاعد وضمان الالتقائية على مستوى الخدمات والتمويل والإطار التنظيمي، وتجميع المنظومة في قطبين: قطب عمومي (RCAR-CMR) وقطب خاص (CNSS-CIMR) وذلك في أفق إحداث نظام وطني موحد يقوم على ثلاث دعامات.
يتعلق الأمر بدعامة «إجبارية» يتم تدبيرها وفق قاعدة التوزيع تشمل الأشخاص في القطاع العام والخاص وغير الأجراء، ودعامة «تكميلية» قائمة على مبدأ المساهمة بالنسبة للدخول التي تفوق السقف المحدد، ثم دعامة «اختيارية» تقوم على أساس الرسملة في نطاق التأمين الخاص الفردي أو الجماعي.
وتضمنت المقترحات، كذلك، وضع آليات الحكامة وقيادة فعالة لأنظمة التقاعد للحرص على استدامتها، وإرساء مبادئ الحكامة التشاركية والشفافية القائمة على فصل واضح بين صلاحيات التوجيه الاستراتيجي والقيادة، وبين تلك المتعلقة بالتدبير مع الحرص على التمثيلية الشرعية والفعلية للشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين داخل هيئات التوجيه وقيادة الأنظمة وكذا في ما يتعلق بوضع وتقييم سياسات الاستثمار وتوظيف الاحتياطات المالية.
وشدد المشاركون في هذا اللقاء على ضرورة مراعاة القدرات التمويلية للمشغلين والقدرة المساهماتية للمنخرطين، ومراجعة سياسة توظيف الأموال المتأتية من الاحتياطات واعتماد مقاربة موحدة للجوانب المتصلة بالغايات والتأثيرات المنشودة والتدبير والمراقبة وتشجيع الاستثمار طويل المدى، وإحداث حد أدنى للدخل في سن الشيخوخة لا يقل عن عتبة الفقر بالنسبة للأشخاص الذين لا يستفيدون من أي معاش في إطار الإصلاح الشمولي للمنظومة.
وطالب المشاركون بتوسيع مجال التمويلات المبتكرة على جميع الصناديق، وبإصلاح مقياسي للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، واعتماد إصلاح عن طريق تعديل النصوص التنظيمية لما له من تأثير إيجابي على ديمومة النظام، مع الرفع من سن التقاعد أو من واجب الانخراط.
ومن ضمن المقترحات التي خلص إليها هذا اللقاء، إمكانية إدراج إصلاحات مقياسية على مستوى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنظر لما يتوفر عليه هذا الأخير من هوامش.. حيث إن نسبة المساهمة بالنظام تنحصر في 11.89 بالمئة، وسن الإحالة على التقاعد محدد في 60 سنة، وكذا تعزيز الديمومة من خلال القيام بعمليات إدماج جديدة على أسس تقنية سليمة تضمن تحقيق تعرفة متوازنة، إلى جانب استثمار الموارد الجديدة المحصلة وفقا لأفضل معايير تدبير المخاطر.
وشكل اللقاء مناسبة سعى من خلالها مختلف المتدخلين إلى تشخيص وتحليل واقع منظومة التقاعد بالبلاد، مبرزين عدم تجانسها وما يطبعها من اختلاف، سواء من حيث الخصائص التقنية، أو الديموغرافية، أو من حيث طبيعة الإشكالات التي تعرفها، حيث تتأرجح بين الصناديق التي ستستنفد احتياطياتها بحلول 2028 وتلك التي تعرف عجزا تقنيا منذ سنة 2020 مع توفرها على احتياطيات مهمة، وكذا الصناديق التي تتميز بأفق استدامة بعيد نسبيا.
واستعرضت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، خلال اليوم الدراسي، الإشكاليات والتحديات المرتبطة بأنظمة التقاعد في القطاعين العام والخاص، مبرزة أن نظام التقاعد الحالي يطبعه عدم التجانس على عدة مستويات. وفي معرض حديثها عن الوضعية الحالية لنظام المعاشات المدنية بعد الإصلاح المقياسي الذي عرفه سنة 2016، حذرت الوزيرة من أن النظام سيستنفد احتياطياته (70 مليار درهم) بحلول سنة 2028، موضحة أنه للوفاء بالتزاماته بعد ذلك، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام، وسجلت أيضا أن «المستوى الحالي لنسبة المساهمة (28 في المئة) وسن التقاعد القانوني (63 سنة) لا يتركان سوى هامش ضيق لتبني إصلاح مقياسي جديد».
وتابعت المسؤولة الحكومية أن أفق استدامة النظام القريب يجعل أثر الإصلاح المقياسي يقتصر على خفض الدين الضمني دون معالجة إشكالية نفاد احتياطيات النظام، وأضافت «يعد النظام حاليا متوازنا بالنسبة للحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016 بحيث إن الدين الضمني الحالي يهم بالخصوص الحقوق المكتسبة في السابق».
ومن جهته، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي باستعجالية تفعيل الإصلاح الهيكلي والشمولي لقطاع التقاعد بالمغرب. وأكد المجلس، في «نقطة يقظة» أصدرها، أخيرا، أن إرساء منظومة وطنية للتقاعد، تضامنية وناجعة ومستدامة وقادرة على الاستجابة لانتظارات الأجيال الحالية والقادمة من النشيطين والمتقاعدين وضمان حقوقهم، يقتضي العمل على تسريع تفعيل مسلسل تعزيز توازنات أنظمة التقاعد الموجودة وإرساء الانتقائية بين مصادر تمويلها، وخدماتها، والإطار القانوني والتنظيمي المتعلق بها ونمط حكامتها.
وأوضح المصدر ذاته أن الهدف الاستراتيجي من هذا التوجه يكمن في العمل، وفقا للتوجيهات الملكية المتعلقة بإحداث منظومة حماية اجتماعية شاملة، على الانتقال نحو منظومة تقاعد قائمة على قطبين؛ قطب خاص وقطب عمومي، وذلك في أفق إحداث نظام وطني موحد للتقاعد يساهم في الوقت ذاته في تأمين دخل للأشخاص المسنين، وكذا في النهوض بمنظومة ادخار وطنية ذات تأثير إيجابي ومستدام على النمو الاقتصادي والتنمية البشرية.
تفاقم العجز التقني يهدد صناديق التقاعد بالإفلاس
بعدما دق المجلس الأعلى للحسابات ناقوس الخطر، محذرا من إفلاس صناديق التقاعد بالمغرب، وأوصى المجلس بالشروع، في أقرب الآجال، في عملية الإصلاح البنيوي عن طريق تسريع وتيرة الإصلاحات المعيارية، وإجراء دراسة مستعجلة للإشكالية المتعلقة بخطر السيولة التي سيواجهها نظام المعاشات المدنية على المدى القصير، كشف التقرير السنوي التاسع حول الاستقرار المالي عن تفاقم العجز التقني لصناديق التقاعد، ما يهددها بالإفلاس في السنوات المقبلة.
وأفاد التقرير الصادر عن بنك المغرب والهيئة المغربية لسوق الرساميل وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، بأن الرصيد الإجمالي للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد بلغ 1,8 مليار درهم في سنة 2021، مقابل 2,5 مليار درهم في سنة 2020، وأوضح التقرير أنه «بفضل رصيد العمليات المالية الذي بلغ 5,2 مليارات درهم، بلغ الرصيد الإجمالي للنظام 1,8 مليار درهم بدلا من 2,5 مليار درهم سنة قبل ذلك».
ووفقا للمصدر ذاته، فقد أدى إدماج الأساتذة المتعاقدين أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في نظام المعاشات المدني للصندوق المغربي للتقاعد، إلى انخفاض المساهمات في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (3,8 مليارات درهم مقابل 4,1 مليارات درهم في 2020)، مفاقما بذلك عجزه التقني الذي بلغ 3,3 مليارات درهم مقابل 2,6 مليار درهم.
من جهة أخرى، شهد النظام في سنة 2021 إرساء إصلاح معياري أدى أساسا إلى تغيير في حساب المعدل السنوي لإعادة تقييم المعاشات المصروفة ومعدل إعادة تقييم الأجور الوظيفية من أجل تسوية المعاشات الجديدة.
وفي ما يتعلق بنظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي للتقاعد، فقد سجل تعداد الأصول في سنة 2021 ارتفاعا قويا بنسبة 12,9 في المائة، على إثر تغيير نظام انخراط الأساتذة المتعاقدين أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، التابعين منذ سنة 2017 للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، وتجسدت هذه العملية، بالنظر للتسعيرة المناسبة للنظام، من خلال تحسن مؤشرات التوازن على المدى الطويل، ولاسيما معدل التمويل المسبق ومعدل مساهمة التوازن، اللذين بلغا على التوالي 85,7 في المائة (زائد 17 نقطة) و35,2 في المائة (ناقص 19 نقطة).
وفي المقابل، لم تولد تدفقات الخزينة الناتجة عن هذه الانخراطات الجديدة أي تحسن ملموس في استدامة النظام على المدى المتوسط بسبب الأفق المنخفض لنفاد احتياطياته (من 5 إلى 6 سنوات).
وبالنسبة للسنة المالية 2021، سجلت المساهمات في النظام ارتفاعا بنسبة 0,8 في المائة مقابل زيادة في التعويضات نسبتها 1,7 في المائة. وفي هذا السياق، تدهور العجزان التقني والعام للنظام ليبلغا 7,7 و4 مليارات درهم على التوالي.
وأفاد بأن أفق استنفاد احتياطيات أنظمة التقاعد للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي انخفض بثمان سنوات ليستقر عند سنة 2038، مشيرا إلى أنه «بالرغم من الانتعاش الاقتصادي الأسرع من الذي تم اعتماده خلال التقييم الاكتواري السابق للفرع، إلا أن مؤشرات استدامة النظام أظهرت تراجعا مقارنة بمستوى ما قبل الأزمة، ولاسيما انخفاض أفق استنفاد الاحتياطيات بثمان سنوات (2038 بدلا من 2046)»، وأضاف المصدر ذاته أنه في ما يتعلق بمعدل تغطية التزامات النظام خلال الستين سنة المقبلة، فقد انتقل من 76,7 في المائة إلى 64,9 في المائة.
وبالموازاة مع ذلك، أبرز التقرير أن الانتعاش الاقتصادي الوطني في سنة 2021 أثر إيجابا على أرصدة فرع المعاشات التقاعدية لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وبالفعل فقد بلغت كتلة الأجور الخاضعة للمساهمات 112,4 مليار درهم، بارتفاع نسبته 16,4 في المائة مقارنة بسنة 2020 و10,2 في المائة مقارنة بمستوى ما قبل الأزمة الصحية.
وعلى مستوى الصندوق المهني المغربي للتقاعد، وبالرغم من ارتفاع المساهمات بنسبة 5,3 في المائة، بقي الرصيد التقني عند مستواه لسنة 2020 (2,9 مليار درهم) تحت تأثير ارتفاع أكبر للتعويضات (8,5 في المائة).
ومكن أداء التدبير المالي من تحقيق رصيد إجمالي قدره 5,7 مليارات درهم، بتحسن نسبته 17,9 في المائة مقارنة بسنة 2020. وسيظل هذا الأخير، وفقا للتقييمات الأكتوارية للنظام، يحقق فائضا في أفق التوقعات، مما سيمكن الاحتياطيات من مواصلة منحاها التصاعدي.
وسبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن أوصى باستعجالية تفعيل الإصلاح الهيكلي والشمولي لقطاع التقاعد بالمغرب، وأكد المجلس أن إرساء منظومة وطنية للتقاعد، تضامنية وناجعة ومستدامة وقادرة على الاستجابة لانتظارات الأجيال الحالية والقادمة من النشيطين والمتقاعدين وضمان حقوقهم، يقتضي العمل على تسريع تفعيل مسلسل تعزيز توازنات أنظمة التقاعد الموجودة وإرساء الانتقائية بين مصادر تمويلها، وخدماتها، والإطار القانوني والتنظيمي المتعلق بها ونمط حكامتها.
المجلس الأعلى للحسابات يعري اختلالات أنظمة التقاعد
اعتبر المجلس الأعلى للحسابات أن ضمان ديمومة منظومة التقاعد على المدى الطويل، يقتضي الإسراع في تنزيل ورش الإصلاح الهيكلي لنظام التقاعد، سيما في ما يخص توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد سنة 2025، ليشمل الأشخاص الذين يمارسون عملا ولا يستفيدون من أي معاش.
وذكر تقرير المجلس لسنة 2021، أن «أنظمة التقاعد الأساسية، ورغم الإصلاحات المقياسية التي همت بالأساس كلا من نظام المعاشات المدنية بالصندوق المغربي للتقاعد منذ سنة 2016، وكذلك النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد في سنة 2021، لم تمكن من تحقيق التوازنات المالية لهذه الأنظمة»، وهو الأمر الذي أدى إلى اقتراب نفاد احتياطاتها في آجال متفاوتة.
ومن جهة أخرى، سجل التقرير أن المالية العمومية تواجه تحديات اقتصادية مرتبطة بالزيادة في النفقات وإكراهات تعبئة المداخيل، في ظل السياق الحالي، حيث وقف المجلس في هذا التقرير السنوي على مجموعة من نقاط الاهتمام الكبرى، ترتبط أساسا بضرورة استرجاع التوازنات المالية، والتحكم في عجز الميزانية والمديونية، وترشيد الحسابات الخصوصية للخزينة، وديمومة أنظمة التقاعد، وذلك حرصا منه على التتبع المستمر لأداء المالية العمومية.
وأضاف المصدر ذاته أن النفقات العمومية من جهة، تعرف زيادة ناتجة عن دعم أسعار المواد الاستهلاكية، ورفع الأجور في الوظيفة العمومية، وكذا تنزيل الإصلاحات المتعلقة بالمنظومة الصحية والحماية الاجتماعية ومنظومة التعليم ومنظومة التقاعد، فضلا عن الاستثمار العمومي الذي يحتاج إلى الحفاظ على ديناميته. ومن جهة أخرى، فمن المتوقع أن تعرف المداخيل الضريبية تراجعا نظرا إلى تباطؤ النمو، وذلك رغم التطور التي عرفته هذه المداخيل خلال سنتي 2021 و2022.
وبحسب التقرير، فإنه من المنتظر كذلك ألا تكون الموارد غير الضريبية، المحصل عليها أساسا من مساهمات المؤسسات والشركات العمومية وموارد الخوصصة، كافية لمواجهة ارتفاع النفقات، بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن تشهد شروط التمويل من خلال اللجوء إلى المديونية، على الصعيدين الداخلي والدولي، تغيرا خصوصا على مستوى الزيادة في أسعار الفائدة، مع ما سيكون لذلك من تأثير على كلفة الدين.
وذكر المصدر نفسه أنه في ظل هذه الإكراهات، فإن المجلس أكد على أهمية الاستمرار والتسريع في تنزيل الإصلاحات التي تم الشروع فيها على مستوى المالية العمومية، وكذا الإصلاحات المهيكلة الأخرى، سيما تلك المتعلقة بإصلاح محفظة المؤسسات والمقاولات العمومية، وتحسين تعبئة مواردها، وإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية، إضافة إلى قطاع المياه، بما في ذلك تحليتها، والانتقال الطاقي، الأمر الذي من شأنه أن يمكن من عقلنة تكاليف الماء والطاقة.
وتابع، أن تدبير الحسابات الخصوصية للخزينة يستدعي اهتماما خاصا بالنظر إلى النسبة المهمة التي تشكلها داخل ميزانية الدولة على مستوى المداخيل والنفقات، وكذا لتعددها وتراكم أرصدتها المحاسباتية، داعيا كما سبق ذلك في تقاريره السابقة إلى ضرورة ترشيد عدد هذه الحسابات وحصتها من ميزانية الدولة.
وعلاوة على ذلك، تُطرح إشكالية نجاعة الاستثمار العمومي، يضيف المجلس، خصوصا أنه وعلى الرغم من أن بلادنا بذلت مجهودات استثمارية مهمة خلال السنوات العشر الماضية، فإن أثر هذه المجهودات ظل محدودا نسبيا من حيث مساهمته في النمو الاقتصادي وتحسين الإنتاجية، وأيضا كرافعة لاستثمارات القطاع الخاص.
وأشار الى أن بعضا من العوامل التي تحد من نجاعة الاستثمار العمومي ترتبط من جهة، ببنية وتركيبة وطبيعة الاستثمارات نفسها من حيث جودتها وجدواها، والتي لا تُمَكّنُ من تثمين وتحسين الثروة الوطنية، ومن جهة أخرى، بالنقائص التي تعرفها مختلف مراحل تدبير مشاريع الاستثمار انطلاقا من التحديد الدقيق للاحتياجات إلى تتبع وتقييم المشاريع.
وخلص التقرير إلى أن المجلس قد أوصى، تبعا لذلك، بوضع إطار مؤسساتي وقانوني مخصص للتقييم القبلي لمشاريع الاستثمار العمومي، مع اعتماد منهجية موحدة تستجيب لخصوصيات ومتطلبات تدبير مختلف القطاعات. كما دعا إلى إحداث قاعدة بيانات مندمجة متعلقة بمشاريع الاستثمار، مدعومة بنظام معلوماتي ناجع للتتبع وللمساعدة على اتخاذ القرار.
إصلاح التقاعد.. جرعات مسكن لإصلاح مؤجل
انخرطت السلطات العمومية منذ عدة سنوات في عملية إصلاح شاملة لقطاع التقاعد، في إطار لجنة وطنية ثلاثية (الحكومة- النقابات- وأرباب الشركات)، برئاسة رئيس الحكومة. واعتمدت هذه اللجنة مشروع إصلاح قائم على محورين، نظام القطبين باعتباره إطارا عاما للإصلاح الشامل لهذا القطاع، والذي يرتكز على خلق قطب للقطاع العام وقطب للقطاع الخاص (هذا الأخير الذي من المفترض أن يعمم التغطية لتشمل فئة غير الأجراء)؛ والإصلاح المقياسي الاستعجالي لنظام المعاشات المدني.
بخصوص المحور الثاني، فقد اعتمد البرلمان مشاريع قوانين لإصلاح نظام التقاعد المدني، نشرت بالجريدة الرسمية في 30 غشت 2016. ويرتكز هذا الإصلاح أساسا على الرفع التدريجي لسن التقاعد إلى 63 سنة بمعدل 6 أشهر في السنة؛ الرفع من نسبة المساهمة لمدة 4 سنوات من 20 في المائة إلى 28 في المائة؛ وتوسيع قاعدة تصفية المعاشات إلى متوسط الراتب خلال السنوات الثماني الأخيرة من الخدمة الفعلية؛ وخفض معدل الأقساط السنوية من 2,5 في المائة إلى 2 في المائة للحقوق المستقبلية التي تمت تصفيتها في سن التقاعد القانوني ومن 2 في المائة إلى 1,5 في المائة للتقاعد المبكر اعتبارا من فاتح يناير 2017؛ وزيادة مبلغ الحد الأدنى للمعاشات من 1000 إلى 1200 درهم شهريا.
غير أن هذه الإصلاحات التي جاءت بها الحكومة السابقة لم تنجح في إنقاذ الصندوق المغربي للتقاعد من أزمته المالية، ما دفع الحكومة الحالية إلى التفكير في إخراج إصلاحات جديدة، حيث أعلنت وزارة الاقتصاد والمالية عن الخطوط العريضة لوصفة الحكومة لإصلاح هذه الأنظمة، عبر عنصرين أساسيين، يتمثلان في الرفع من المساهمة إلى 28 في المائة، ورفع سن الإحالة إلى التقاعد إلى 65 سنة، وهي الخطة التي يرتقب أجرأتها ابتداء من ماي 2023، موضحة أن صناديق التقاعد على حافة الإفلاس، حيث بالنسبة إلى نظام المعاشات المدنية فإنه سيستنفد احتياطاته المقدرة بـ68 مليار درهم بحلول سنة 2028، وللوفاء بعد ذلك بالتزاماته، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد إلى ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام.
أما بالنسبة إلى النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، فسجل عجزا تقنيا مهما بلغ 3.3 ملايير درهم سنة 2021، لكن بفضل المستوى المهم لاحتياطاته البالغة 135 مليار درهم، تمكن العوائد المالية للنظام من تغطية هذا العجز التقني. أما بالنسبة إلى نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص فيتوفر على هوامش لإدراج إصلاحات مقياسية بالنظر إلى نسبة المساهمة بالنظام المحددة في 11.89 في المائة، وسن الإحالة على التقاعد المحددة في 60 سنة.
وإلى جانب مشكل إفلاس الصناديق، فقد تضمن التشخيص واقعا سلبيا آخر، حيث إن أزيد من نصف المغاربة لا يستفيدون من التقاعد، إذ حسب معطيات وزارة الاقتصاد والمالية الرسمية، فإن 54 في المائة من المغاربة البالغين سن العمل لا يستفيدون من أي نظام للتقاعد. كما أن 6.3 ملايين عامل غير متوفرين على التغطية الصحية، وتقدر القوة العاملة بالمغرب بـ11 مليونا، فيما هناك 3.5 ملايين شخص نشيط يشتغلون بالقطاع الخاص المهيكل، و178 ألف شخص هم مستخدمون عموميون، فيما يبلغ عدد الموظفين 970 ألف شخص.
كما أشارت الوزارة الوصية إلى أن ضعف تغطية الأنظمة يحول دون حصول أكثر من نصف النشيطين، حوالي 54 في المائة، على حماية ضد أخطار الشيخوخة. كما أنه يسجل عدم التجانس على مستوى متوسط المعاشات الممنوحة، حيث تقدر بـ2022 درهما بالنسبة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و5678 درهما بالنسبة إلى النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، و7873 درهما بالنسبة إلى نظام المعاشات المدنية، زيادة على عدم تجانس قواعد إعادة تقييم المعاشات.
ثلاثة أسئلة لحسن المرضي *:
«الإصلاحات المقياسية لأنظمة التقاعد لا جدوى منها ويجب تعزيز الحكامة»
– ما هي الوضعية الحالية لصناديق التقاعد ؟
تجب الإشارة أولا إلى أن ملف إصلاح التقاعد هو ملف قديم وجديد، سياسي اقتصادي واجتماعي، وهنا تكمن أهميته سواء بالنسبة للحكومة الحالية أو التي سبقتها، وبالرجوع إلى وضعية صناديق التقاعد، فهي تعرف عجزا رغم خصوصية كل واحد منها، حيث تتوفر على عدة صناديق أساسية للتقاعد وهي «الصندوق المغربي للتقاعد» الذي يشمل نظام المعاشات المدنية ونظام المعاشات العسكرية، إضافة إلى «النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد» الذي يدبر أنظمة الموظفين غير المرسمين وبعض المؤسسات العامة، و«الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، و«الصندوق الوطني لمنظمة الاحتياط الاجتماعي»، و«الصندوق المهني المغربي للتقاعد».
وصناديق التقاعد تتلخص في كونها تعيش مجموعة من الاختلالات في ما يتعلق بالتوازنات المالية على اعتبار أن أزمة الصندوق المغربي للتقاعد تمتد لسنوات، لذلك على الحكومة إن أرادت الإصلاح أن تحافظ على التوازنات الاقتصادية للبلد وللصندوق، لأن نظامه توزيعي مبني على أن مساهمات المنخرطين يمولون معاشات المتقاعدين، وكل الإجراءات التي يتم اتخاذها من خوصصة ومغادرة طوعية وتوقيف التشغيل يؤدي إلى اختلال في الصندوق، وعلى الحكومة إن كانت جادة فعلا أن تحل النتائج المترتبة عن هذه الإجراءات، كما أن الصندوق المغربي للتقاعد يعتمد على نظام لا يوجد في أي دولة في العالم، وهو أن المنخرط يتحمل مساهمات مثله مثل المشغل، لذلك على الإصلاح أن يجعل المنخرط يساهم بالثلث والمشغل بالثلثين.
إن صناديق التقاعد تعيش اختلالات مختلفة باختلاف طريقة تدبير المعاشات، والملاحظ أن الصندوق المغربي للتقاعد يعاني أكثر من غيره من مشاكل بنيوية، وعلى الرغم من إقرار اجراءات خلال سنة 2016 إلا أنها لم تكن كافية ولا ناجعة في تقديم حلول طويلة الأمد، حيث إنه بعد أربع سنوات فقط عاد الحديث عن إمكانية إفلاس الصندوق من جديد، وهذا ما يؤكد فشل هذه القرارات، ونحن اليوم نطالب الحكومة بالتحلي بالجرأة السياسية من أجل الحفاظ على حقوق الموظفين الحاليين والموظفين المقبلين على التقاعد. وعموما يمكن القول إن عموم الموظفين متخفون مما نشرته الحكومة وتنشره حول وضعية الصندوق المغربي للتقاعد.
– ماذا بخصوص آثار الإصلاحات السابقة لصناديق التقاعد ؟
إن إصلاحات أنظمة التقاعد لم تبدأ في 2016 بل في 2003، حيث تم تغيير عدد من المقاييس، ولكنه في 2016 تم إقرار تغييرات مهمة منها مراجعة هذه المقاييس، بالإضافة إلى اعتماد أجرة آخر ثمان سنوات بدل أجرة السنة الأخيرة، كما غيرت من مقياس المساهمة الذي رفعته من 8 في المائة إلى 10 في المائة، زيادة على تغيير مهم وهو تغيير السن برفعه تدريجيا إلى 63 سنة، وهذا ما أثر على مجموعة من الفئات، زيادة على تغيير مهم وهو رفع نسبة المساهمة من 10 في المائة إلى 13 في المائة، وهذا ما خلق إزعاجا كبيرا لدى الموظفين لكونهم فقدوا نسبة مهمة من أجورهم لصالح الصندوق، كما لا بد من تسجيل أن الحكومات المتعاقبة كل واحدة منها كانت تقدم حلا ترقيعيا وليس إصلاحا شموليا، وكان الهدف هو تحقيق إصلاح شمولي يضمن لنا الارتياح لمدة 20 سنة على الأقل، غير أن هذا لم يحصل، كما أن الإصلاحات والمراجعات التي همت مقاييس أنظمة التقاعد في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، لم تفدنا ، ولولا إدماج أطر الأكاديميات في الصندوق المغربي للتقاعد لكانت الكارثة أكبر.
إن الدولة مسؤولة وتتابع مؤسساتها الورش الكبير الذي ينتظره المغاربة، خاصة المؤسسات الدستورية كالمجلس الأعلى للحسابات الذي يصدر كل مرة في تقريره تنبيهات للاختلالات من أجل الحفاظ على التوازنات المالية لصندوق التقاعد، فضلا عن المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وعلى هذا فإنه من الضروري تبني السياسة التشاركية في الإصلاح التي لا تعتمد فقط على مكاتب الدراسات التي تستنزف موارد مالية مهمة من ميزانية الدولة.
– ما هي المنهجية الأسلم في نظركم لإصلاح صناديق التقاعد ؟
في تقديرنا، فالإصلاح يستوجب حوارا وطنيا تشارك فيه الفعاليات السياسية والنقابية والمدنية وذلك عبر لقاء وطني لتشخيص وضعية جل الصناديق من أجل الخروج بتوصيات عملية وقابلة للتطبيق باعتماد الإصلاح البنيوي، وهذا الأمر يبدأ بالحكامة داخل المجالس الإدارية لهذه الصناديق والاعتماد على مبدأ الانتخابات بدل التعيين وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومراقبة صارمة لميزانية الصناديق، قبل أي إجراء آخر، فحتى إذا عملت الحكومة على توسيع الانخراط ورفع المساهمات، فعليها تحمل مسؤولياتها للحفاظ على التوازنات المالية للصناديق، من خلال العمل على استغلال الاحتياطات المالية للقيام باستثمارات تدر نسبة مقبولة من المردودية، دون الإغفال عن ترشيد النفقات الخاصة بالتسيير، والتي يلاحظ ارتفاعها بشكل صاروخي مقارنة مع الخدمات المقدمة للمنخرطين النشيطين والمتقاعدين، كما يتوقع أن يكون للتطبيق السليم للقانون الخاص بالحماية الاجتماعية دور فعال في التخفيف من أزمة صناديق التقاعد، غير أن هذا الأمر لن يتم طالما لم يتم اعتماد الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وفق تعبير المتحدث.
*عضو المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد