دخلت علاقة الدولة المغربية باللغة الأمازيغية مرحلة جديدة تخلصت فيها من الرؤية الإيديولوجية التي تلخصها في تيارات سياسية مناوئة، فضلا عن اختزالها في تعبيرات ثقافية مسيئة لعمق وأصالة هذه اللغة. فبعد إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها، تعتزم الحكومة إطلاق دينامية جديدة على مستوى تدريسها، بحيث وضعت وزارة التربية الوطنية برنامجا يهدف إلى تعميم شبكة المدارس التي تحتضن تعليم هذه اللغة، لتشمل كل جهات المملكة، وأيضا دعم الفرق التربوية بمدرسين ومفتشين جدد.
تعميم تدريس الأمازيغية
قال شكيب بنموسى، وزير التربية والتعليم الأولي والرياضة، إن نسبة المؤسسات التعليمية الابتدائية التي تدرس بها اللغة الأمازيغية، بلغت، خلال الموسم الدراسي الحالي، 31%، مشيرا إلى أن عدد الأقسام التي تدرس بها اللغة الأمازيغية تطور بنسبة 6,5% بالمقارنة مع السنة الماضية.
وأضاف الوزير أن هدف توسيع شبكة مؤسسات تدريس اللغة الأمازيغية دفع الوزارة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الإدارية والتربوية والتنظيمية والتكوينية، والتي يبقى من أهمها التعميم التدريجي للأمازيغية على جميع مؤسسات التعليم الابتدائي، بما في ذلك الفرعيات ابتداء من السنة الدراسية الحالية، حيث ستصل نسبة التغطية إلى 50% خلال الموسم الدراسي 2025/2026، في أفق بلوغ التعميم التام خلال السنة الدراسية 2029/2030.
ولبلوغ هذا الهدف، أكد الوزير أن وزارته رفعت من عدد المناصب المخصصة لتوظيف مدرسي اللغة الأمازيغية، حيث انتقل من 200 منصب خلال دورة 2021 إلى 400 منصب في دورة 2022 ثم ارتفع إلى 600 منصب خلال دورة 2023، علما أنه ستتم تغطية جزء من الحاجيات الإضافية لبلوغ التعميم من خلال الاستعانة بأساتذة التخصص المزدوج.
وأشار بنموسى إلى أن السنة الفارطة عرفت تكوين أول دفعة من المفتشين التربويين للتعليم الابتدائي- تخصص لغة أمازيغية (دورة 2023)، مضيفا أن وزارته تعمل على وضع مسطحة لتعلم اللغة الأمازيغية عن بعد لفائدة التلميذات والتلاميذ، وهي المسطحة التي كانت موضوع اتفاقية شراكة مع الوزارة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة.
وتمثل آخر إجراء لبلوغ هدف تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، حسب المتحدث ذاته، في تنقيح والمصادقة على كتب مدرسية جديدة للأمازيغية خاصة بالسلك الابتدائي.
السنة الأخيرة لقانون تفعيل الطابع الرسمي
نحن على بُعد سنة واحدة من انتهاء المدة التي حددها القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، حيث ورد في المادة 31 (الفقرة الأولى) منه، ما يلي: «يعمل بأحكام المواد 4 (الفقرة 2) و7 و9 و10 (الفقرة الأولى) و12 و13 و14 و15 و20 و24 و27 و28 و29 من هذا القانون التنظيمي داخل أجل خمس سنوات على الأكثر ابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية».
ولم تول الحكومة التي ترأسها عبد الإله بنكيران، طيلة ولايتها، العناية اللازمة للأمازيغية، سواء بوصفها لغة أو مكونا ثقافيا مُشكّلا للهوية المغربية متعددة الروافد، وهو ما يتأكد من خلال تغاضيها عن تنفيذ مضامين الفصل الخامس من دستور المملكة الذي نصَّ على ترسيم اللغة الأمازيغية، وحَثَّ على إصدار القانون التنظيمي الذي يحدد مراحل تفعيل طابعها الرسمي وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية.
أما الحكومة التي ترأسها سعد الدين العثماني، فأصدرت، بعد ثلاث سنوات من تنصيبها (12 شتنبر 2019)، القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. كما صادق مجلس الحكومة، المنعقد بتاريخ 03 شتنبر 2020، على مشروع مرسوم رقم 2.60.600 بتحديد تأليف اللجنة الوزارية الدائمة المكلفة بتتبع وتقييم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات سيرها، والذي حدد مهام هذه اللجنة، بعد أن أسند رئاستها إلى رئيس الحكومة، في دراسة مخططات العمل والبرامج القطاعية المرتبطة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والحرص على التقائية السياسات العمومية، وكذا تتبع وتقييم تنفيذها داخل الآجال المحددة لها، ودراسة التقرير التركيبي السنوي والمصادقة عليه.
وعملت الحكومة، التي ترأسها سعد الدين العثماني صيف سنة 2021، كذلك، على تعميم المخطط الحكومي المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، على كل القطاعات الحكومية، والذي اعتبر الوثيقة التمهيدية لتنزيل مضامين القانون التنظيمي رقم 26.16 المذكور سلفا.
من جهتها التزمت الحكومة، التي يترأسها عزيز أخنوش، وفي علاقة دائما بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، في برنامجها الحكومي (2021-2026)، بإحداث صندوق لتمويل ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية قصد تعزيز العدالة الثقافية واللغوية، باعتباره آلية مالية للدولة من أجل إدماج الأمازيغية في مجالات التعليم والتشريع والمعلومات والاتصال والإبداع الثقافي والفني، فضلا عن استعمالها في الإدارات وفي مجموع المرافق العمومية.
وفي مقابل هذا المنجز الحكومي المحقق خلال النصف الأول من الولاية الحكومية الحالية، المرتبط بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ونحن على بُعد سنة واحدة من انتهاء الآجال المحددة بموجب المادة 31 من القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، يُسجل نشطاء أمازيغ أن «الحكومة الحالية لا زالت لم تدمج تدريس اللغة الأمازيغية في مستويات التعليم الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي والتكوين المهني (كما تنص على ذلك المادة 4 (الفقرة الثانية) من القانون التنظيمي رقم 26.16)، ولا في برامج محو الأمية والتربية غير النظامية (المادة 7)، ناهيك عن عدم تأكيدها على مراعاة استعمال اللغة الأمازيغية ضمن معايير توزيع الدعم العمومي الموجه للصحافة المكتوبة والرقمية (المادة 14)».
ثم إن الحكومة لم «تقم بما يلزم من أجل استفادة جميع القطاعات العمومية والمؤسسات والهيئات العمومية والمنتخبة من عملية الترجمة إلى الأمازيغية لمحتوى اللوحات وعلامات التشوير المتواجدة بمقراتها والفضاءات التابعة لها».
نافذة:
لم تول حكومة بنكيران العناية اللازمة للأمازيغية وهو ما يتأكد من خلال تغاضيها عن تنفيذ مضامين الفصل الخامس من دستور المملكة
///////////////////////////////////////////////////////////////
قراءات كثيرة ينبغي القيام بها لما حدث في الساحة التعليمية هذه السنة، ليس فقط من زاوية ضعف النقابات وليس فقط أيضا في «البدائل» التي أنشأها موظفو القطاع، ولكن أيضا من زاوية حجم الأنانيات التي حكمت العديد من المواقف وماتزال، بشكل أضحى معه كل متحدث عن مصلحة التلميذ خائنا.
زكرياء برعلا – أستاذ وكاتب
تيارات متطرفة جعلت من الإضراب غاية
العالم الافتراضي يعج بمنشورات وتعاليق لا تليق بمربين
من المؤسف اللجوء إلى أمثال شعبية من قبيل: «تبكي امو قبل ما تبكي امي»، من أجل توصيف ما يجري بالتعليم حاليا، خصوصا أن المثل المذكور ينطوي على حمولة معنوية بين الأنانية وتحقيق المصلحة الشخصية بغض النظر عن نتائج ذلك على الآخر، في حين أن أهم خصلة ينبغي أن يتصف بها الدائرون في فلك التعليم هي نكران الذات وتغليب المصلحة الفضلى للتلميذ، ولنا في جيل أساتذة الثمانينات خير مثال.
وانطلاقا من أعلى هرم في الإشكال، وهي الحكومة كونها تملك سلطة القرار، فيلاحظ تأخر كبير في الإمساك بزمام الأمور سواء من خلال التجاوب مع مطالب المضربين أو إيجاد بدائل تضمن استمرارية المرفق العمومي، وعلى سبيل المثال، توصلت الحكومة السابقة لحلول من أجل استمرار الدراسة خلال فترة الحجر الصحي تمثلت في التعليم عن بعد، وغيرها من الخطط البيداغوجية. وبدون الخوض في نجاعة ذلك من عدمه، فالأهم أن السلطة التنفيذية اتخذت قرارات في سبيل ضمان الاستمرارية، وهو ما غاب عن الأزمة الحالية باستثناء بعض المبادرات كالدعم خارج أوقات الدراسة.
من جهة أخرى، أثار موقف النقابات الكثير من التساؤلات كونها كانت شريكا في إخراج نظام أساسي أدى للاحتجاج، وتارة أخرى، كانت في صف المحتجين، ما قد يفسر الانسياق الكبير وراء التكتلات الموازية أو ما يسمى بالتنسيقيات.
وحتى هذه الأخيرة، هددت نسقها الفئوية الضيقة، ومنطق أنا ومن بعدي الطوفان، فمثلا يأبى أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي أن تتم مساواتهم بزملائهم في الإعدادي والابتدائي ويطالبون بامتيازات مادية حصرية على الرغم من أن المهام والشواهد الجامعية للأطر هي نفسها ! بل، على العكس، إن كان لا بد من تفضيل لسلك على آخر، فالابتدائي أولى بذلك بسبب مشقة المهام وتنوع المواد المدرسة وغياب التخصص، وكثرة ساعات العمل.
أيضا الأساتذة لم يستسيغوا زيادات المفتشين والمديرين معتبرين أنهم أولى بحصة الأسد كونهم الفاعل المباشر في القسم.
ناهيك عن أن انشقاقات كبيرة حدثت في بعض التنسيقيات نفسها كفئة «الزنزانة 10» حيث تتصارع الأفواج حول الأحقية بالترقية ويرفض القدامى مساواتهم مع الجدد في السنوات الاعتبارية، الأمر نفسه في كل الفئات والتنسيقيات، كل يغني على ليلاه.
وفي أسفل الهرم نجد التلميذ، الذي يبدو أنه الحلقة الأضعف، سيما أبناء الأسر متدنية الدخل التي لا تقوى على مصاريف التعليم الخصوصي.
وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في خلق الفئات داخل القطاع وتنظيم خطواتها الاحتجاجية، فقد كشفت، من جانب آخر، عن تيارات متطرفة جعلت من الإضراب غاية. والعالم الافتراضي يعم بمنشورات وتعاليق لا ينبغي أن تصدر ممن يفترض أنهم مسؤولون عن تربية الأجيال، يسمحون لأنفسهم بالتنمر على غير المضربين، وكيل الشتائم لمن يخالفهم في الرأي.
ملف التعليم ما هو إلا كرة ثلج متدحرجة تكبر مع مرور الولايات التشريعية لتصبح تركة ثقيلة ومعقدة للحكومات المتعاقبة، ولحد الآن لا زلنا نتحدث عن مشاكل البنية التحتية وغياب المراحيض والهدر المدرسي والمراتب المتدنية في المؤشرات المعتمدة على الصعيد الدولي.
أزمة التعليم الحالية كشفت أن التحدي الأكبر الذي يواجه أي إصلاح هو ضمان الحفاظ على الزمن المدرسي كاملا، وهو ما نجح فيه التعليم الخصوصي، فالملاحظ أن الزمن المدرسي لا يضيع بتاتا، وأن الحصص يتم استكمالها بغض النظر عن ظروف الأساتذة أو غيابهم لأسباب قاهرة كالمرض، كل ذلك لأن المؤسسة الخصوصية تحرص على تأمين الزمن المدرسي من خلال تعويض المتغيبين، ويبدو أنه حل فعال وناجع. والسؤال المطروح هو لماذا لا يتم التفكير في إحداث آلية متخصصة في تعويض الأساتذة المتغيبين في المدارس العمومية لأي سبب كان؟ سواء عبر التدبير المفوض أو الانفتاح على محيط المؤسسة وشركائها، وفسح المجال في ذلك أمام طلبة التعليم العالي.
والذي يقلل من شأن ضياع الزمن المدرسي ما عليه سوى الرجوع لتقارير المجلس الأعلى للحسابات وهيئة التقييم الوطني بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، حيث تشير الإحصائيات إلى أن حصصا دراسية تضيع خلال كل موسم دراسي لعدة أسباب، أبرزها الإضراب عن العمل والشهادات المرضية.
ودون إيجاد حلول لهذه المعضلة ستبقى التلميذات والتلاميذ ورقة ضغط تستعملها التنسيقيات ومن يقف وراءها لتصفية حسابات سياسية ستظل معها أم التلميذ تبكي في صمت.
/////////////////////////////////////////////////////
متفرقات:
بنموسى يجدد تأكيده على طي صفحة التعاقد
بسط وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، بمجلس النواب، خلاصات الحوار الاجتماعي بقطاع التربية الوطنية. وقال بنموسى إنه، في إطار التفاعل الإيجابي للحكومة مع مطالب نساء ورجال التعليم، وبعد لقاء رئيس الحكومة بالنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية بتاريخ 27 نونبر 2023، انطلقت مباشرةً جلسات الحوار حول النظام الأساسي، والتي امتدت ما بين 30 نونبر و26 دجنبر 2023، وأسفرت عن توقيع اتفاقي 10 و26 دجنبر 2023، اللذين تضمنا عدة إجراءات مرتبطة بتحسين الدخل وحل ملفات عالقة لمجموعة من الفئات وغيرها من المكتسبات.
وأكد المسؤول ذاته أنه سيتم إصدار مرسوم ينسخ المرسوم السابق في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، والذي سيتم من خلاله تجسيد ما تم تحقيقه لفائدة نساء ورجال التعليم في إطار الحوار القطاعي الاجتماعي، والمتمثل في عدد من المكاسب، التي من بينها إضفاء صفة الموظف العمومي على كافة العاملين بقطاع التربية الوطنية، مع خضوعهم لمقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية؛ وإقرار زيادة عامة في الأجور وإحداث تعويضات أو الرفع من قيمتها ثم مراجعة المهام وتقليص سنوات الترقي ومنح أقدميات اعتبارية في الرتبة وتسوية بعض الملفات ذات الطابع التدبيري.
لائحة التوقيفات تطول أساتذة آخرين
شهد النصف الثاني من الأسبوع الماضي إرسال رسائل توقيف جديدة أرسلتها مديريات إقليمية مختلفة لأساتذة، كرد حازم على استمرار التغيبات غير المبررة عن المؤسسات التعليمية. وتتحدث مصادر عن كون بعض الحالات تتجاوز خطورة الأفعال المنسوبة إليها حالة التغيب، بل تصل حد تجاوز بعض قواعد أخلاقيات المهنة، من قبيل التنمر بزملائهم وبالمديرين وتحريض التلاميذ على التغيب وغيرها. قرارات التوقيف المؤقت عن العمل وكذا توقيف الأجرة، التي اتخذتها العديد من المديريات الإقليمية التابعة لوزارة التربية الوطنية في حق عدد من الأساتذة المضربين، دافع عنها وزير القطاع شكيب بنموسى، مشيرا إلى أن الإجراءات التي اتخذت ضد هؤلاء كانت نتيجة تعنيفات لفظية ومضايقات وأعمال تحريضية واعتداءات مارسوها في حق مجموعة من الأساتذة غير المضربين، وكانت وراء عرقلة المرفق التربوي التعليمي. وقال بنموسى إن «الإضراب حق دستوري بطبيعة الحال، لكن في الوقت نفسه يلزم أيضا تأمين السير العادي للدراسة في المؤسسات التعليمية وهو ما دفع الوزارة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات التدبيرية في حق كل من يعرقل المرفق التربوي ويمس بالحق الدستوري للتلاميذ في الدراسة».