الحق والواجب
في إطار تدابير العمل لمكافحة وباء كورونا، اعتمد بعض الوزراء مقاربة احترازية لولوج مقرات العمل بالمرافق العمومية، تتمثل في إلزامية إدلاء الموظفين العاملين بهذه المرافق بما يثبت توفرهم على جواز التلقيح أو الشروع في عملية التلقيح أو الإعفاء بما يضمن سلامة الموظفين والمرتفقين ويحافظ على ديمومة العمل، والتهديد باللجوء لمنع جميع الموظفين الرافضين للتلقيح دون التوفر على جواز الإعفاء من الولوج إلى مقرات عملهم، بعد انصرام أجل سبعة أيام من تاريخ صدور هذه الدورية، واعتبارهم في حالة تعمد الانقطاع عن العمل وبالتالي سينعكس هذا الأثر على رواتبهم.
وكما كان منتظرا خرج طيف قليل من غير المعنيين أصلا بالقرار وبعض بقايا المعارضة البرلمانية للركوب على التوجه الحكومي والدفع نحو التأزيم وإثارة حفيظة أكثر من نصف مليون موظف.
وما لا يستوعبه هؤلاء أننا لسنا استثناء من المنظومة العالمية، فعدد من الدول اتخذت كل الإجراءات التي من شأنها الحد من رقعة انتشار الوباء، فإيطاليا ألزمت موظفيها بمرسوم بالتطعيم ضد «كوفيد-19» وإلا سيمنعون من مزاولة أي نشاط فيه اتصال مباشر بالمواطنين، وفي الولايات المتحدة أعلنت مدينة سان فرانسيسكو أنها ستطلب من موظفيها البالغ عددهم 35 ألف شخص التطعيم ضد الفيروس تحت طائلة عقوبات تأديبية قد تبلغ حد الفصل، وحتى في بعض البلدان لا يعدّ اللقاح إلزاميا بصورة رسمية لكن القيود المفروضة على غير المطعمين، وخصوصا الذين تربطهم علاقات مع المواطنين، ترقى إلى درجة الإلزامية الكاملة تقريبا.
من غير المعقول أن يستمر هذا الاستهتار في أخذ الجرعة الثالثة بذرائع شعبوية داخل فئة الموظفين التي يفترض أنها الطبقة الأكثر وعيا، فالموظف الذي لا يريد حماية نفسه من الوباء عليه تحمل مسؤولية قراراته لكي لا يضع صحة وحياة الآخرين في خطر، فالمبدأ أن تقف حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين، وإذا كانت حرية فرد قد تهدد حرية الجماعة فمن اللازم أن تتدخل السلطات العمومية بما يمنحها الدستور والقانون من الواجبات لتفادي الأسوأ.
نحن لا ندعو لمصادرة حريات وحقوق أي أحد، بل بالعكس تماما نطالب بحمايتها إلى أقصى حد ممكن، حتى لا تتحول الإدارات والمؤسسات العمومية إلى بؤر للوباء، فيدخل إليها المواطن لقضاء حوائجه سالما غانما ويخرج منها موبوءا مهددا في سلامته الصحية بل في حياته أيضا. لذلك لا بد أن تقف خطابات الشعبَويّة وبقايا المعارضة عن التحريض ضد الأمن الصحي فقط لتصفية حساباتها السياسوية المقيتة.