شوف تشوف

الافتتاحية

الحقوق ليست فردية

من الصعب ألا يثير قرار وزير الصحة بإلزامية الجواز الصحي في الفضاءات والإدارات العمومية، أي رد فعل داخل الرأي العام، فالأمر متعلق بتقييد ممارسة بعض الحقوق الدستورية التي ينبغي أن تقدر بقدرها في ظل الأوضاع غير الطبيعية التي فرضتها جائحة كوفيد 19. وفي عدد من التجارب الدولية خلق قرار الحكومات بفرض الشهادة الصحية في الأماكن العمومية رد فعل اجتماعي قوي كما حدث في فرنسا بعدما مررت حكومة جان كاستكس قانونا أمام الجمعية الوطنية الفرنسية خلال شهر يوليوز الماضي، حيث ووجه باحتجاجات شعبية واصفة القرار بـ «الدكتاتورية الصحية»، وانتظر الفرنسيون رأي المجلس الدستوري الذي قضى بدستورية فرض الجواز الصحي لأنه يحترم مسؤولية الدولة في ضمان قيم الحماية الدستورية للصحة.
وبغض النظر عن الجدل الإعلامي والقانوني حول قرار حكومة عزيز أخنوش باعتماد إلزامية الجواز الصحي في المرافق والأماكن العامة، فإنه قرار يحظى بالشرعية القانونية مادام أن قانون حالة الطوارئ الصحية الذي صادق عليه البرلمان في الولاية السابقة يسمح للحكومة باتخاذ التدابير والإجراءات التي من شأنها حماية الصحة العامة مهما ظهر أن تلك التدابير قد تمس بالحقوق، فممارسة الحق بشكل كامل في ظل وضع وبائي سيكون مغامرة غير محسوبة العواقب والحقوق ليست فردية فقط، بل ينبغي أن تتوقف للحظات أو تتعطل جزئيا إذا كانت ممارستها بالكامل قد تقود إلى المس بحياة الآخرين.
قد تكون هناك مؤاخذات حول فجائية القرار الذي اتخذه وزير الصحة، وقد يعاتب المواطن على السلطات الصحية عدم توفير الوقت الكافي لتنزيل القرار بشكل سلس وهذا من حقه، لكن علينا أن نتمتع بقدر قليل من الواقعية تجاه وباء لا يستقر على شكل ولا يسمح بمساحات لاتخاذ القرار الهادئ وفي كثير من الأحيان فرضت «دكتاتورية» الوباء سطوتها على قرارات عالمية فبالأحرى وطنية. وفي اللحظة التي تناقش الجدوى من إلزامية الجواز الصحي هناك موجة جديدة للفيروس اللعين تجتاح بعض مناطق أوروبا منذرة بإقامة طويلة للفيروس المتحور بيننا.
لذلك فالسياق الصحي الحالي يبرر اتخاذ تدابير استثنائية إذا بقيت محدودة في أجل مناسب، وتوازن بين مخاوف الصحة العامة والحرية الشخصية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى