شوف تشوف

الرئيسية

الحسين السلاوي يتنبأ بمصيره في «ياغريب ليك الله»

كوميديون وهبوا حياتهم لإسعاد المغاربة فماتوا تعساء

حسن البصري
ولد الحسين السلاوي عام 1918 في مدينة الرباط، في زمن كان فيه من الصعب ربط مستقل المرء بالفن، لكن مع مرور الأيام أصبح الفنان الأسمر نجما في سماء الفن المغربي وسفيرا له في فرنسا، لكن القصة انتهت على نحو تراجيدي.
بجمع النقاد على أن الحسين السلاوي لم يكن مجرد مطرب بل كان مؤرخا لأحداث شهدتها المملكة، لذا كانت أغانيه تنطق بوقائع تاريخية على غرار أغنية «حضي راسك» أو «الماريكان»، وهما الأغنيتان اللتان نالتا نصيبا أكبر من الشهرة، خصوصا وأنه أرخ بهما لأحداث بارزة من تاريخ المغرب كما عاشه.

الأمريكان
كانت بداية الحسين السلاوي عبر ترداد الأغاني الشعبية الرائجة، ثم دخل عالم الحلقة كمطرب ساخر، يقلد الأغاني ويحورها ويمنحها نكهة تشد الجمهور، وبعد الحرب العالمية الثانية ابتدأت مرحلة فنية جديدة بالنسبة له، حيث جمعته صداقة بعازف بيانو فرنسي مقيم في الدار البيضاء ساعده على تسجيل أكثر من ثلاثين أغنية في فرنسا عبر التعاقد مع شركة «ماركوني». علما أن الحسين كان يكتب كلمات أغانيه بنفسه ويصهرها في قالب فني جميل ومعبر، حيث مزج بين الأصناف الموسيقية على تعدد مشاربها وأعطاها من صوته ما حببها إلى نفوس الجماهير الشعبية، مع مزجها بمسحة ساخرة حين يتغنى بالشطارة والغباء وبالمغربي والأمريكي بالبدوي والحضري..
استقى السلاوي موضوعاته من صميم الواقع المغربي وصلب الأحداث المستجدة في البلاد، فغنى عن الأمريكان في الحرب العالمية الثانية عندما نزلت جيوشهم في شواطئ الدار البيضاء، وتحدث عن دهاء البدوي في أغنية «العروبية مطورين» وهو إلى ذلك عبر عن جمال الطبيعة المغربية والمدن التي عزلها الاستعمار بحدود وهمية، كما غنى لطنجة عروس الشمال المغربي أغنية «طنجة يا العالية».
الغريب في حياة السلاوي أنه ارتبط بزوجة من نفس المحيط، تعرف عليها في الحلقة واختارها زوجة، فعاشت معه تحولات حياته الفنية قبل أن يسجلها على الأشرطة، التقته في غمرة انشغاله بممارسة فنه في الهواء الطلق. فوجدت نفسها في فرقة فنية ترأسها والدتها لتجمعهما الصدفة وحدها، قبل أن تلعب والدتها دورا حاسما في تزويج ابنتها للحسين السلاوي.
عاش السلاوي اليتم نفسه وقرر أن يعيل أسرته باشتغاله في فن «الحلقة»، ووجد أن السفر لزيارة أكبر عدد من الساحات وأماكن التجمعات هي الوسيلة الوحيدة لإيصاله إلى الشهرة، وكان أن سرق الأضواء من عدد من نجوم فن الحلقة في الدار البيضاء ومراكش وبعض مدن الشمال.
وصل صيته إلى منظمي كبريات الحفلات، ليزداد الاهتمام به ويكثر أعداؤه في المجال أيضا، لكنه اكتسب شهرة واسعة جدا، خصوصا بعد أن التقى بأجانب سهلوا له الوصول إلى شركات التسجيل الرائدة، والتي سرعان ما روجت أسطواناته وأغانيه ليصل إلى أعلى درجات الشهرة.

معاناة نفسية
في بداية الخمسينات، وبالضبط في يناير 1951 بدأ الحسين السلاوي يتأثر بأعراض المرض الذي حد من تحركاته وقدرته على التواصل مع جمهوره، ولم يجد بجانبه إلا زوجته التي لازمته كظله عندما توارى إلى الخلف، وكان يعاني من آلام شديدة، ولم تنفع معه حصص العلاج الشعبي ولا وصفات الأطباء. اضطر الفنان الحسين السلاوي إلى العودة إلى المغرب بعد أن استبد به المرض في الديار الفرنسية.
تدهورت حالته الصحية بشكل غريب ومعقد، حيث كان جسده هشا إلى درجة أن الأطباء نصحوه بالتمدد على فراش قطني، بل إن الطبيب الخاص الذي كلفه الملك الراحل محمد الخامس بإنقاذ حياة فنان الشعب، أكد في تقرير طبي بأنه لا أمل في شفائه، وأن حالته ميؤوس منها، فقد لاحظ الطاقم الطبي الفرنسي أن جسد الحسين يعرف تساقطا غريبا لجلده الذي نخره المرض، وعزا التقرير ذلك إلى انشغاله بالطرب وعدم عرض حالته الصحية على أطباء باريس قبل استفحال المرض الخبيث، حينها غادر المصحة وعاد إلى البيت حيث انتقلت روحه إلى الرفيق الأعلى يوم الاثنين 16 أبريل 1951 بعد معاناة طويلة مع المرض، وتم دفنه في مقبرة سيدي بلعباس بسلا، حيث خرج سكان الرباط وسلا ومحبون من مدن أخرى، ليودعوه الوداع الأخير.
في أيامه الأخيرة أصر الحسين السلاوي أن يغني وهو على فراش المرض في عزلة تامة، آخر روائعه «يا غريب لك الله». وهي الأغنية التي جسدت معاناة الفقيد على المستوى النفسي، وهو يعلم أن وفاته الوشيكة ستعرض أفراد أسرته للشتات.
ومن المفارقات الغريبة في حياة عائلة السلاوي، أن محمد السلاوي ابن الفقيد ووارث سره الفني، قد توفي في نهاية سنة 2013 بنفس المعاناة مع المرض، بعد إصابته بورم في الدماغ ألزمه الفراش في باريس نفس المدينة التي عرفت سعادة وشقاء والده.
الأغرب في نهاية الحسين أن يدخل القبر في عداد المفقودين، لاسيما بعد أن جرفت عوامل التعرية عددا من القبور بدعوى مرور أربعين عاما عليها، وهو تقادم روحاني أباح الإهمال التام لمكان يفترض أن تظل له حرمته، ويظل مزارا للناس قصد الترحم على موتاهم، خاصة إذا تعلق الأمر بقبر فنان الشعب الذي مات مرة أخرى حين عبث الإهمال بشاهد قبره.
في فترة ولاية وزير ثقافة سلاوي الانتماء، وعد برد الاعتبار للراحل، لكنه سرعان ما سار على نهج سابقيه مكرسا الغبن الذي طال الرجل، كما تكالبت المجالس البلدية ودفنت رأسها في الرمال خوفا من مساءلة التاريخ.
قدر الحسين السلاوي فنان الشعب أن يعيش أقصى درجات التنكر من محبيه، قدره أن يعيش آخر أيامه يعاني من حيف أشخاص لطالما تمايلت رؤوسهم وهم يرددون روائعه، لكن ما أمر النزاهة مع الناس «الجداد» الذين سرعان ما تناسوا ذكراه وأصبحوا بين عشية وضحاها من هواة فن الأغنية السريعة التي لا تختلف كثيرا في طعمها عن الأكلات السريعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى