شوف تشوف

الافتتاحية

الحزب الزائر

أطلق حزب العدالة والتنمية جولات مكوكية مع الأمناء العامين للأحزاب السياسية داخل الأغلبية والمعارضة، لإقناع الطبقة السياسية ببراءة عبد العالي حامي الدين من دم الطالب اليساري بنعيسى أيت الجيد، الذي قتل في 1993 بالحرم الجامعي بفاس.
لن نخوض في الشرعية القانونية لهاته المبادرة الغريبة التي تعد، بدون أدنى شك، مظهرا من مظاهر التأثير على القضاء، ومخالفة صريحة لقوانين البلد التي تمنع القيام بأي خطوة من شأنها أن تؤثر على سير العدالة والمس بحقوق المتقاضين، بل إن قوانين ذهبت بعيدا حينما منعت البرلمان بنفسه من تشكيل أو استمرار عمل لجنة تقصي الحقائق أو القيام بأي نشاط، إذا فتح بحث قضائي في الموضوع .
سندع كل هذا النقاش القانوني على أهميته جانبا، وسنخوض في مضمون هاته المبادرة السياسية التي أطلقها الحزب الحاكم، ليس من أجل مناقشة أمور البلاد أو لبحث سبل النهوض بها، أو وضع حلول لنزع فتيل القنابل الاجتماعية المهددة بالانفجار في كل لحظة وحين، بل إن هذا الاستنفار السياسي من أجل مناقشة قضية شخص متهم بالقتل، لا تهم المواطن في شيء مادام أنها موضوعة تحت يد القضاء.
والأغرب من ذلك، أن دفاع حزب العدالة والتنمية عن مريديه وحاجته إلى حشد الدعم السياسي وتوريط الطبقة السياسية بعد حرب خاسرة مع الجسم القضائي، جعلته ينسى مؤقتا خصومته وحروبه السياسية الدائمة مع من يصفهم بخدام التحكم واللوبيات المالية، ليعلي من نزعته الانتهازية التي تهدف فقط إلى إنقاذ أحد أعضائه من غياهب السجن مهما بلغ به حال الاستعطاف.
كنا سنصفق بحرارة لو قام «البيجيدي» بزيارة مقرات الأحزاب من أجل صياغة رؤية حزبية موحدة للنموذج التنموي الذي طالب الملك محمد السادس الأحزاب السياسية بتقديم مقترحات بشأنه، وكنا سنقدر المبادرة لو تحرك أسطول الحزب الحاكم من أجل تعبئة شاملة لقضية وحدتنا الترابية أو أملتها ضرورة الاتفاق على عرض اجتماعي يخرجنا من الفقر والهشاشة.. لكن أن يتم تجييش الحزب من أجل قضية جنائية يروج مثلها الآلاف بمحاكمنا، فهذا هو العبث بعينه.
وللأسف، ظل الحزب الحاكم يتخذ العشرات من القرارات الانفرادية الماسة بالحقوق المكتسبة للمواطن، دون أن يستشير أحدا ودون أن يخضعها لمنهجية التشاور الحزبي، لكن حينما تعلق الأمر بقضية أحد رموزه طرق كل الأبواب لحشد التأييد السياسي له وجعلها قضية وطن وليست قضية مواطن، قضية دولة وليست قضية أحد من الشعب متهم بالقتل في انتظار أن يقول القضاء كلمته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى