«الحريگ» في زمن الوباء
يونس جنوحي
جثامين لفظتها المياه. وديعةٌ سلمها البحر للعائلات المكلومة لكي تدفنها وتضع التراب فوق أحلام شبان حلموا بحياة على الضفة الأخرى من الشاطئ. لكنهم تاهوا وسط الموج ونفد منهم البنزين في عرض البحر قبل أن يغرقوا وينجو منهم من حكى الواقعة لسكان قرية تابعة لإقليم الفقيه بن صالح.
يتندر أبناء هذه المنطقة بأنه يستحيل على مغربي أن يتوه في إيطاليا، وأنه يتعين عليه فقط أن يطلق سمعه جيدا في الأرصفة والمقاهي وفي كل مكان ليجد أحد أبناء المنطقة ليقدم له يد المساعدة. لقد أصبح الفقيه بن صالح فعلا «وليا صالحا» إيطاليا مقيما بين «روما» والمغرب.
عموما، سبق لمرصد الشمال أن نبه، فور الشروع في تخفيف إجراءات الحجر الصحي في المغرب، إلى عودة قوية للهجرة غير النظامية وبصورة أكبر من السابق، وربط رئيسه الأمر بعوامل اقتصادية واضطرار مرشحين من دول جنوب الصحراء الإفريقية إلى الانتظار لأسابيع تحولت إلى أشهر، لكي يستطيعوا العبور صوب الضفة الأخرى.
لوحظ في مدينة طنجة، ابتداء من منتصف شتنبر، عودة ظاهرة الشبان الذين يحملون حقائبهم على ظهورهم في ساعات متأخرة من الليل ويبحثون عن أماكن للمبيت في انتظار انتشالهم من طرف أصحاب شبكات التهجير بالقوارب لاقتيادهم صوب النقط الشاطئية التي تنطلق منها تلك الرحلات.
وبما أن هؤلاء لا يشكلون تقريبا أي خطر أمني على السكان فلا أحد يعتبر وجودهم في المدينة مشكلا.
وقبل فاجعة الشبان المنحدرين من إقليم الفقيه بن صالح، سجلت المصالح الأمنية اعتقال أربعة أشخاص في الداخلة، أقصى الجنوب المغربي تماما، على خلفية أنشطة تتعلق بالهجرة السرية. وتم إيقاف مجموعات من الشبان المغاربة بداية الشهر، وأيضا انتشرت صور وتسجيلات لشبان مغاربة نجحوا في الوصول إلى السواحل الإسبانية وسجدوا لله شاكرين وكأنهم وُلدوا من جديد. بينما آخران استعملا قاربا بلاستيكيا صغيرا من تلك التي تستعمل في رياضة التجديف، وصرح أحدهما أن قاربا لخفر السواحل الإسبانية طاف بالقرب منهما، وظنا لوهلة أنهما سيصبحان رهن الاعتقال، إلا أنهما فوجئا بالقارب يعود أدراجه ببساطة ويتركهما يعبران إلى الشواطئ الإسبانية، ليصبح موضوع اعتقالهما موكولا للشرطة.
الصور المؤلمة لعشرات جثث ضحايا العبور المميت، وأصوات بكاء عائلاتهم، تُعيد واقع الجانب المأساوي للهجرة السرية. إلا أن الكثيرين اليوم يفضلون الموت بهذه الطريقة على الموت ببطء أسفل لوحة «الدرب» في الأحياء الشعبية التي تحمل أسماء مناضلين ووطنيين حملوا السلاح لكي يحصل المغرب على الاستقلال.
خلال 72 ساعة الأخيرة فقط، تم إحباط سبع محاولات للهجرة السرية. وهذا ما يعني أن نبوءة مرصد الشمال قد تحققت. وهذا أمر كان منتظرا في الحقيقة، لأن جل أنشطة المرصد تتركز في نقطة تطوان- الفنيدق، حيث تجري أغلب عمليات العبور سرا في ساعات متأخرة من الليل، رغم محاولات مراقبة الحدود في الجانب المغربي لإيقاف المرشحين قبل دخول المياه.
يصعب فعلا أن تُقنع شخصا تملكته فكرة العيش وراء البحر بأي ثمن، بضرورة البقاء هنا أو البحث عن مستقبل في مكان يمنحك بطاقة تعريف على الأقل، ويفضل المغامرة بدون أوراق ثبوتية والعيش على هامش النظام في بلد آخر، يكون معرضا فيه لكل الاحتمالات.
الذين يروجون للبرامج الانتخابية ويتحدثون لغة السياسة التي تتحرك فيها الأيدي أكثر من أي شيء آخر، يتحاشون دائما الخوض في هذا الملف الشائك الذي يزداد ضحاياه كل يوم.
كيف ستقنع شخصا ما بالبقاء هنا في زمن الوباء، وتذكره بمخاطر التنقل وعرضة الإصابة بـ”كورونا”، التي من أعراضها صعوبة في التنفس، في حين أنه يعاني من صعوبة حقيقية في العيش منذ سنوات؟