شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الحرب الأهلية الثالثة؟

مر أكثر من أسبوع على الحرب المندلعة بالسودان بين الجيش الرسمي وقوات الدعم السريع، من دون أن تنجح الوساطات والتدخلات في الحد من ضراوة المعارك التي توسعت لتشمل أجزاء كبيرة من السودان، ما يوحي بأن هذه المعارك ليست مجرد مناوشات، على غرار ما كان يشهده السودان في مراحل كثيرة بين فصائل متفرقة والجيش أو بين القبائل، بل هي حرب حقيقية، قد تمتد إلى أمد غير قليل، خصوصا بالنظر إلى الخلفيات والامتدادات الإقليمية للطرفين، ما يجعلها مرشحة لأن تكون حرب إفريقيا الجديدة.

من المعلوم أن القارة الإفريقية شهدت الكثير من الحروب الطويلة خلال العقود الماضية، وكان للسودان نصيب في واحدة من أطولها التي اندلعت بين الشمال والجنوب، واستمرت أكثر من 21 عاما وانتهت بانفصال جزء من البلاد وتشكيل دولة جنوب السودان. ورغم أن ظروف المعارك الحالية مختلفة، إلا أن تعقيدات المشهد السوداني قد تقودها إلى سيناريوهات لا تبتعد كثيرا عن الحرب السابقة، والتي أطلق عليها اسم الحرب الأهلية السودانية الثانية (1883 – 2005)، بعد الأولى التي اندلعت بجنوب السودان قبل انفصاله، وامتدت من عام 1955 إلى عام 1972.

التعقيدات السودانية متشعبة، بالنظر إلى مساحة البلاد الكبيرة وتنوع تركيبتها السكانية، غير أن من الممكن حصرها بنقطتين رئيسيتين قد تكونان عامل تأجيج للحرب الحالية. العامل الأول وجود حركات انفصالية كثيرة بالبلاد، والتي وقعت مع السلطة، قبل نحو ثلاثة أعوام، اتفاق جوبا للسلام، غير أنه لم يصل مرحلة التطبيق الفعلية، ما يجعل الانقضاض عليه أمرا محسوما، خصوصا في ظل الصراع القائم بين طرفي السلطة، ما قد يفرغ الاتفاق من مضمونه. ولا شك في أن الطرفين يسعيان إلى استقطاب هذه الحركات الانفصالية كل إلى جانبه لتعزيز موقعه بالحرب، مقابل كيل الوعود بتحقيق طلبات الانفصال أو الحكم الذاتي. وتتركز هذه الحركات الانفصالية بدارفور، حيث السلطة الأكبر لحميدتي، وجنوب كردفان والنيل الأزرق، الأقرب للعاصمة الخرطوم. ويتمثل العامل الثاني بالتقسيمات القبلية السودانية، والتي لا تقل خطورة عن الميليشيات الانفصالية أو ميليشيات الدعم السريع، وهي خاضت حروبا كثيرة في ما بينها خلال العقود الماضية، وأسفرت عن سقوط آلاف القتلى. هذه القبائل اليوم هي عنوان أيضا للاستقطاب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

تضاف هذه التعقيدات إلى التحالفات الإقليمية التي نسجها طرفا الصراع، خصوصا زعيم قوات الدعم السريع، الذي امتهن عمل المرتزقة، وكانت لقواته مساهمات في الحرب الأهلية بالمحيط الإفريقي، سيما بتشاد وإثيوبيا وليبيا، ما يجعل هذه الدول تقف إلى جانبه في حربه مع الجيش. وبالفعل وصلت إلى قواته إمدادات من قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، بحسب مصادر غربية عديدة أشارت أيضا إلى دور لميليشيا «فاغنر» الروسية في دعم حميدتي وقواته. ولا يقتصر دعم الطرفين على هذه العوامل، بل يمتد إلى دول عربية، تقف إلى جانب هذا الفصيل أو ذاك، ما يجعل الحرب مفتوحة على كل الاحتمالات.

عمليات الإجلاء التي باشرتها دول غربية لرعاياها من السودان، إضافة إلى كل العناصر المذكورة آنفا، تؤكد أنه قد لا تكون هناك نهاية قريبة لهذه الحرب. وحتى إن استطاع البرهان حسم المعركة بالعاصمة، فإن ذلك لن يعني حسم الصراع، والذي قد يطول بالأقاليم ليتحول ربما إلى «الحرب الأهلية السودانية الثالثة».

حسام كنفاني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى