الحذر واليقظة
جرى تدفق سياسي كبير بالجارة الإسبانية بعد ما أظهرت نتائج صناديق الانتخابات المحلية والجهوية تفوقا واضحا للحزب الشعبي اليميني، وتراجعا ملحوظا للحزب الاشتراكي في العديد من معاقله الانتخابية، أبرزها العاصمة مدريد، وإشبيلية، وغالبية مدن الجنوب الإسباني. أمام هذا المعطى الجديد لم يكن بإمكان رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانثيز سوى الانصياع لإرادة الناخبين والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة.
فهل سيكون للتحول الحاصل في الخريطة الانتخابية الإسبانية أي تأثير على منحى العلاقات الصاعدة بين الرباط ومدريد؟ وهل ستغير الحكومة المقبلة في حالة صعود الحزب الشعبي موقفها من قضية الصحراء المغربية؟
من السابق لأوانه تقديم إجابات حول ما يخبئه القدر السياسي، لكن كيفما كانت النتائج فالدبلوماسية المغربية مطالبة بالتلاؤم مع كل الفرص المواتية لسلطات بلادنا من أجل الاستثمار في هذا التحول السياسي الإسباني والحفاظ على الموقف الرسمي المؤيد للمغرب في وحدته الترابية ومغربية صحرائه، وهي النظارة الوحيدة التي تنظر بها الدولة المغربية في سياستها الخارجية.
المؤكد جدا أن الموقف الإسباني الإيجابي من الحكم الذاتي، الذي اتخذته حكومة شانثيز وهي حكومة أقلية وتضم في ائتلافها حزب بوديموس لا تستطيع الانتخابات أو غيرها تغييره، لأنه بالأساس موقف سيادي لدولة وليس لحكومة، بل يمكن القول إنه موقف الدولة العميقة التي تضم الطبقة السياسية والجيش والاستخبارات ورجال الأعمال لأنه يهم مصالح استراتيجية للجارة الإيبيرية سواء على المستوى الاقتصادي والأمني والعسكري والجيواستراتيجي والعديد من القطاعات الحيوية المهمة.
ولعل ما قالته وزيرة الخارجية السابقة أرنشا غونزاليس لايا، قبل أقل من عامين من الآن حين ذكرت، أن موقف إسبانيا من الصحراء «يظل دائما دون تغيير لأن الأمر يتعلق بسياسة دولة»، يعبر بوضوح أن ملف العلاقات مع المغرب ووحدته الترابية في إسبانيا بما يحمله من رهانات استراتيجية يتجاوز سلطة الحكومات والأحزاب والبرلمان. وهو نفس المنحى الذي اتخذه الموقف الأمريكي زمن إدارة ترامب وهو الموقف الذي استمر مع ولاية بايدين رغم كل التشكيك والمقايضة والتضليل الذي استبق وصول الرئيس الأمريكي الحالي.
هذا لا يعني الاطمئنان والنوم في العسل، بل إن التحول المفترض يفرض على دبلوماسيتنا الكثير من الحذر واليقظة اتجاه كل السيناريوهات المحتملة، فلا مواقف دائمة بل المصالح هي الدائمة، ولحسن حظنا وعملنا أيضا أن مصالح إسبانيا مع المغرب تتجاوز مصالحها مع دعاة الانفصال وحماته وسماسرته.