الحديث 675 : عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: «يا أبا ذَر أَرَاك ضعِيفاً، وإني أُحِب لكَ ما أُحِب لِنَفسي، لا تَأَمَّرن على اثْنيْن ولا تولِّيَن مال يتِيم»، رواه مسلم.
– وعنه قال: قلت: يا رسول الله ألا تَستعمِلُني؟ فضَرب بِيدِهِ على منْكبِي، ثم قال: «يا أبا ذَر إنكَ ضَعِيف، وإنهَا أَمانة، وإنها يوم القيامَة خِزْيٌ ونَدَامةٌ، إلا من أخَذها بِحقها، وأدى الذي عليهِ فِيها»، رواه مسلم.
جاء في الحديث تصريح رسول الله صلى تلله عليه وسلم لأبي ذر بما يكنه له من حب ورحمة، فقال: وإني أحب لك ما أحب لنفسي، وذلك من تلطف النبي وحسن خلقه، والمعنى: لم أقل لك ذلك، إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي فبين له مبلغ حبه له وكفاه بذلك فخرا، وتبين حب رسول الله لحرصه عليه وإرادته إبعاد العنت والمشقة عليه، قال تعالى:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
حذر النبي من التطلع للإمارة حبا للمال والرياسة، خاصة إن وجد في نفسه ضعفا لا يقوم معه بحقوقها، وذلك لا يقتصر على الإمارة العامة، وإنما يتطرق إلى كل ما فيه ولاية، حتى ولو على مال يتيم، قال صلى الله عليه و سلم: «لا تَأَمرن على اثنيْن ولا تولين مال يتِيم»، واليتيم هو الذي مات أبوه، ومال اليتيم أمر خطير إذ إن عدم القيام بالواجب فيه، أو ضعف النفس أمامه والتطاول عليه من موارد الردى والتهلكة، قال تعالى: «إن الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا».
لقد دلت سنة رسول الله على أن الولاية أمانة ولها ركنان: القوة والأمانة، كما جاء في قوله تعالى: «إن خير مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِي الأمِينُ»، والقوة في كل ولاية بحسبها، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى الشجاعة والخبرة بالحروب والقدرة على القتال، والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلى العلم بالعدل الذي عليه الكتاب والسنة، وإلى القدرة على تنفيذ الأحكام.
والأمانة ترجع إلى خشية الله وألا يشتري بآياته ثمنا قليلا وترك خشية الناس، وهذه الخصال أخذ الله على كل من حكم على الناس في قوله: «فلا تَخْشَوُا الناسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا ۚوَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ».
واجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، وعلى من يقوم بالاختيار أن يختار من هو أصلح للأمر المطلوب شغله بأمانة وعدل. إن مسؤولية الإسلام والمسلمين تقع على الولاة، ولن ينجوا إن قصروا في جانب الإسلام وأهملوا جانب الدعوة إليه، وإلى ذلك أشار الحديث: «وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها».
والمراد أن تسند الولاية إلى ذوي الكفاءات القادرين على القيام بأعبائها، فإن ولاية أمر المسلمين من أقوى الأسباب التي يصلح بها أمور الخلق والعباد، ومن تولى على الناس وساسهم بعلم وعدل فعمله من أعظم العبادات وأرفع المنازل، فإن الراعي وولاة الأمر إذا اجتهدوا في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان، كانوا من أفضل زمانهم وكانوا في مقدمة من يستظلون بظل عرش الرحمان، كما في الحديث من السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة: الإمام العادل.