الحجاب يصل إلى الأولمبياد
محمد طلبة رضوان
«خلع الحجاب ليس من الكبائر».. «خلع الحجاب أقل إثما من الكذب».. «من تخلع الحجاب لا تخرج من الإسلام».
هكذا أجاب شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، عن سؤال بخصوص الحجاب (غطاء الرأس)، في الحلقة الحادية والعشرين من برنامج «الإمام الطيب». كان السؤال عن فرضية الحجاب من عدمها. وكان من الممكن أن يكتفي الإمام بالإجابة الواضحة: الحجاب فرض، كما هو مقرر لدى مؤسسة الأزهر التي يمثلها، والتخلي عنه معصية، كما صرح بالفعل، وانتهينا. إلا أن مراعاة الإمام الطيب السياق الذي يطرح فيه السؤال دفعه إلى توضيحات كثيرة، لم يطلبها المذيع، ومقارنات مهمة، وحذرة، بين امرأتين، الأولى محجبة، وفق الدلالة العرفية للكلمة، لكنها كذابة أو نمامة أو سيئة الخلق أو لا تسكت عن جيرانها، والأخرى غير محجبة، لكنها على خلق ودين. فالثانية، غير المحجبة، أفضل، وفق «الرؤية التقليدية»، ومن دون تجاوز لمقررات التراث الفقهي والمؤسسة الدينية!
والسؤال: لماذا يضطر شيخ الأزهر إلى توضيح بديهيات، كان من المفترض أنها واضحة ومفهومة ومعروفة لأي مسلم؟ لماذا يحتاج المسلم المعاصر فتوى شيخ، ناهيك عن كونه شيخ الأزهر بنفسه، ليتبين أن الكذب جريمة، وأن غطاء الرأس، وفق الرؤية التقليدية، مجرد مخالفة؟ لماذا يضطر الإمام إلى طرح رؤيته في هدوء وحذر. وعلى الرغم من ذلك، لا ينجو من الشتم والسب والتشنيع والاتهام في دينه؟ لماذا يضطر الإمام في زمانات الأسئلة الدينية الكبرى والصعبة إلى أن يهدر ساعة كاملة في الحديث، لا عن حكم تغطية الرأس، أو كشفه، بل عن رتبته، وحجمه الطبيعي، وقيمته بالمقارنة بغيره، وموقعه في سلم الأولويات. يبدو الأمر واضحا، وسهلا، وبسيطا، لمتابع من الخارج، غير متورط في السياق العربي، والمصري تحديدا، لكنه، مع الأسف، ليس كذلك!
يتجاوز الحجاب في الخطاب الديني، منذ سبعينيات القرن الماضي، موقعه الفقهي إلى آخر عقدي، يتحول من «حكم فقهي» إلى مشروع أيديولوجي، لا يجد الحجاب دليلا واحدا متماسكا يحمله إلى صدارة المشهد الديني، فيلجأ إلى «عدة النصب»، يتموضع الحجاب داخل خطابات الهوية، والأصالة، والموروث، في مواجهة التغريب والحداثة والوافد، بل والمستعمر الذي لم يأت لأنه يريد ثرواتنا، بل ليتآمر على حجاب المرأة المسلمة! لماذا انتصر الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973؟ الحجاب هو السبب، ليست نكتة، إنما تصريحات، وتفسيرات!، حملتها أصوات دعاة ووعاظ، وأحيانا سياسيين. مصر عبد الناصر لم تكن محجبة، فكان من الطبيعي أن تنهزم. تحجبت البلد مع السادات، فانتصرت. جاء الإيشارب فجاء نصر الله. «ينتهي الغلاء حين تتحجب النساء»، هذه العبارة ليست تصريحا، بل علامة، شعار، منشور، تجده على الحوائط، في مصر، ملصقات الصحوة الإسلامية في الأوتوبيسات ومترو الأنفاق، ومدرجات الجامعة، وخلف أبواب الحمامات العمومية.
لا تكفي المساحة لاستعراض كل الارتباطات بين ارتداء الحجاب والخير كله، وبين خلعه والشر كله، إلا أن حوائط «فيسبوك» و«تويتر»، في اليومين السابقين، تخبرك وحدها، وتختصر عليك الطريق. فازت فتيات مصريات بجوائز مختلفة في أولمبياد طوكيو، نماذج مشرفة في الرياضة، وفي الدراسة أيضا. إحداهن، وهي البطلة فريال عبد العزيز، طالبة متفوقة في كلية الصيدلة، وتحصد أول ذهبية نسائية في تاريخ مصر الأولمبي. ثلاثتهن محجبات، مثل أغلب نساء مصر. إلى هنا كل شيء طبيعي، جاءت الميداليات وفرحنا، وفيما يتبادل رواد مواقع التواصل فيديوهات الثواني الأخيرة من المباريات، لحظات تحقق النصر، واستلام الميداليات، ورفع العلم، والنشيد الوطني، ومشاعر الفائزات، نظراتهن، وفرحتهن، وبكائهن، كانت «حسابات أخرى» تخبرنا بأنهن انتصرن لحجابهن، لا التمرين، ولا الجهد، ولا الإنفاق، ولا الدعم، ولا التركيز، بل لأنهن محجبات، كما نريدهن، ونبشر بهن، انتصرن لأننا هنا. تسمم هامش الفرحة، الاستثنائي، وتحولت الاحتفالات إلى جدالات سياسية، وصراعات أيديولوجية، و«خناقات». لا يجد المجال العام المصري فرصة للتنفس، عبد الفتاح السيسي من ناحية، وصراعات إثبات الذات لدى الإسلاميين من ناحية أخرى، مجرد الوجود في هذا البلد يستحق ميدالية ذهبية لكل مواطن.